كتاب عربي 21

السيسي وأركان حكمه: "أزمة سلطة شاخت قبل الأوان"!

1300x600
كان المشهد بائساً بحق، عندما طل علينا عبر الشاشة الصغيرة، عبد الفتاح السيسي وسدنة حكمه، فانشغل الناس بما يقول، بينما انشغلت أنا بالصورة!.

تذكرت يوم أن حضرت جلسة لجنة شؤون الأحزاب، برئاسة الراحل الدكتور مصطفي كمال حلمي رئيس مجلس الشورى، التي انعقدت لتناقش برنامج حزب "التحالف الوطني" الذي تقدمت به للجنة، التي كان عضواً فيها الراحلان الآن فاروق سيف النصر، وكمال الشاذلي، بجانب عدد من القضاة السابقين، الذين تجاوزوا السبعين عاماً من عمرهم المديد. بدا لي ساعتها أنني في "المتحف المصري"، وخرجت من هناك لأكتب مقالاً يحمل عنواناً دالاً: " في حضرة المصريين القدماء"!.

كان مبارك الأب يؤمن بالنظرية الشعبية الشائعة: "الدهن في العتاقي"، ولهذا فإن دولته كانت تتكون من "القواعد من الرجال والنساء". إذ كان هذا اللقاء في عام 2004، قبل أن يتمكن مبارك الابن من السلطة، لأنه عندما تمكن منها قام بتسريح كثيرين من كبار السن، لكن يبدو أن السيسي كان يري في الأب القدوة والمثل، فأعاد من جديد "دولة كبار السن"، وصار يحتفي بأولئك الذين ماتوا قبل ذلك، وبعضهم في مرحلة "عذاب القبر".. انظر إلى اختياراته، ومنهم حازم الببلاوي، إلى إبراهيم محلب!.

صحيح أن السيسي ورث المجلس العسكري، من المشير محمد حسين طنطاوي، أحد مخلفات دولة مبارك، وقد بلغ طنطاوي من العمر عتياً، فكان طبيعياً أن يعتمد سياسة المخلوع في الحكم، فاستدعى لعضوية المجلس الأعلى للقوات المسلحة من كانوا قد خرجوا للاستيداع، لتصبح له الأغلبية في مواجهة رئيس أركانه سامي عنان، لكن السيسي ليس ملزماً بهذه "الدولة الشائخة"، لو لم يكن هو نفسه يؤمن بنظرية مبارك في الحكم، لتصبح الشيخوخة هي عنوان لدولة الأصل فيها أنها فتية، أو يريدون لها أن تكون كذلك. فإذا أرادوها دولة وثيقة الصلة "بدور المسنين"، فلا يجوز أن يكون هؤلاء هم عنوان الجيش المصري في مرحلة التحديات، وفي حالة الحرب التي تحدث عنها السيسي والمؤامرات الدولية التي تستهدف تدمير الدولة، والوقيعة بين الشعب وقواته المسلحة!.

الجانب الآخر في الصورة كان كاشفاً عن "صنف الدولة" التي يريدها عبد الفتاح السيسي وهي دولة عسكرية خالصة، وربما قدمت الصورة إجابة عن السؤال الأثير، لتضع حداً للجدل الدائر منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب في 3 يوليو: "ثورة هذه أم انقلاب"!.

الوحيد في الصورة الذي كان بالزى المدني هو عبد الفتاح السيسي، بينما كان من أحاطوا به، ومثلوا أركان دولته، بالزي العسكري، وهو أمر لا تخطئ العين دلالته!.

كانت الصورة التي ذكرتنا بالمجلس السوفيتي الأعلى، بعد لقاء لمجلس الدفاع الوطني، الذي تم الإعلان قبلها بيوم على أنه سينعقد لبحث تفجيرات الشيخ زويد. وتشكيله بنص المادة (303) من دستور الانقلاب، ليس قاصراً على العسكريين وحدهم، فهو يضم في عضويته رئيس مجلس الوزراء، ووزراء الخارجية والمالية والداخلية، ورئيس المخابرات العامة. هذا بالإضافة لرئيس البرلمان، الذي لم تتم الدعوة لانتخابه إلى الآن.. وقد صرح وزير الداخلية أن أي انتخابات ستجرى الآن سيفوز بها الإخوان المسلمون!

ويعطي الدستور لرئيس الجمهورية الحق في أن يدعو من يرى من المختصين والخبراء لحضور اجتماعه. 

المعنى أن هناك مدنيين كان يحتم وجودهم "في الصورة"، ورئيس سلطة الانقلاب يوجه تهديدات إلى الجناة، ولا يليق القول لأن المواجهة ستكون عسكرية لذا كان حضور قادة الجيش في المشهد. فهذه المواجهات تشارك فيها وزارة الداخلية، وقد اختفى وزيرها من الصورة، فلم يكن جزءاً هو ومساعديه في المشهد!.

اللافت أن كلاماً قيل في هذا اليوم، وبعد بث هذه الصورة، عن اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة انعقد لبحث جريمة الشيخ زويد، وهو اجتماع كاشف عن أننا أمام "سلطة حكم"، وباعتبار أن مصر بعد انقلاب 3 يوليو، عادت من جديد لحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أوكل له مبارك بالمهمة بعد "تخليه" عن الحكم بقوة الدفع الثوري.

لا نعرف أي الاجتماعين كان سابقاً على الآخر: اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أم اجتماع مجلس الدفاع الوطني؟، فما نعرفه أن اجتماع الأخير يجب اجتماع الأعلى للقوات المسلحة، لاسيما وأن رئيسهما واحد، وهو رئيس الجمهورية، فضلاً عن أن معظم أعضاء المجلس العسكري هم أعضاء بحكم مواقعهم في مجلس الدفاع الوطني. ودور الأول في الأمور العادية، هو رفع توصيات لمجلس الدفاع الوطني الذي هو أكثر شمولية في تشكيله، وإذا انعقد المجلسان: "الأعلى للقوات المسلحة" و"الدفاع الوطني" فإنه من الأكثر لياقة أن يطل "الرئيس" على الرأي العام ومن حوله أعضاء المجلس الأخير، ما لم يكن الأول هو أكبر من مجلس منصوص عليه في الدستور، بأن يكون سلطة حكم، "عود على بدء".

لا أعتقد أن السيسي أراد بهذه الصورة أن يقدم لخصومه إجابة على سؤالهم الذي لا يحتاج بالنسبة لهم لإجابة: "ثورة أم انقلاب"؟!.. فقط هو أراد بالإضافة لما سبق أن يرسل رسالة لخصومه في دوائر الانقلاب، وهو يتربص بهم كما يتربصون به، بأن هذه هي قوته في مواجهتهم، ويلاحظ أنه استبعد منها وزارة الداخلية، فضباطها في حالة الخلاف مع الثورة والثورة المضادة هم مع الأخيرة، لكن إذا وقع الخلاف بين الأخوة الأعداء في الثورة المضادة، فإن تحالفهم سيكون مع الجناح غير العسكري،  لأنهم اكتشفوا بعد الانقلاب أن دولتهم القديمة لم تعد، فلم يعودوا سادة الموقف ولكن المطلوب منهم أن يكون "عساكر مراسلة"!.

هي رسالة إذا من السيسي لغرمائه، ليخيفهم بها، وليتأكدوا أن المجلس العسكري كله معه، فلا يكون أمامهم من خيار سوى الدخول في "بيت الطاعة"، والوقوف على أن العين لا تعلو علي الحاجب، وأنهم ليسوا شركاء في الانقلاب، وإنما هم فقط خدم في البلاط، ليس لهم إلا أن يسمعوا ويطيعوا.

بيد أن "الصورة" المذاعة ليست مخيفة لمن يملكون المال، وقد بدا التعبير اللائق بسلطة السيسي ما قاله "عراب الانقلاب" الآن محمد حسنين هيكل عقب الأزمة التي نشبت بين الجماعة الصحفية ونظام مبارك بعد إقراره القانون 93 لسنة 1993، الشهير بقانون تكميم الصحافة: "إنها أزمة سلطة شاخت في مواقعها". وإن كانت سلطة عبد الفتاح السيسي، الذي ورث مخلفات الحروب، قد شاخت قبل الأوان!.
إنه الانقلاب العسكري يتجلى!.