مقالات مختارة

عنف داعش من عنف النظام الدولي الجائر

1300x600
كتب أحمد القديدي: طبعا وبلا أدنى تحفظ أدين كما أدان العالم جرائم القتل والذبح والترويع التي سوقتها مواقع التواصل الاجتماعي والتي قامت بها مجموعات تنتمي إلى داعش في العراق وفي سوريا كما لا يفوتني نفس التنديد بجرائم بعض الجنود العراقيين والسوريين الذين صوروا قيامهم بتعذيب أو التنيكل بمن أوقفوهم من داعش فالعنف أعمى في كل الجبهات وأندد بالوحشية مهما كانت مبرراتها ولكني من باب الأمانة لا أستطيع إنكار أن عنف داعش هو نتيجة لا أصل وهو رد فعل لا فعل لأن ما يسمى بالنظام العالمي الجديد هو نظام (أو بالأحرى لا نظام) ظالم وجائر موجه ضد المسلمين جميعا كأمة وضد الإسلام كدين وحضارة لا ضد الإرهاب كما يدعون وهو نظام بدأت تتشكل ملامحه منذ حرب جوان يونيو 1967 حين دمرت إسرائيل بأسلحة أمريكية أغلب مقدرات الجيوش العربية مستغلة أخطاء طواغيت العرب آنذاك وهم طواغيت من صنع وتأييد الغرب.

ثم أجبر الغرب قادة العرب على القبول لا بوجود إسرائيل كما أشاعوا بل بتفوق إسرائيل وتغولها ثم هيمنتها على الشرق الإسلامي تحت حجج السلام والتعايش والقبول بالأمر الواقع. ثم جاءت مرحلة إعادة رسم الخرائط في الشرق على أساس هذه العقيدة (عقيدة الاستكانة العربية والإسلامية للتفوق الإسرائيلي) فاضطر طيب الذكر محمد أنور السادات إلى (السلام) وجاء العرب من بعده ليكونوا شهداء زور باختلافات طفيفة فقرأنا بيانات قممهم التي اشتهرت بترديد مصطلحات التنديد والشجب الاستنكار ثم دعوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمعاقبة إسرائيل على ما ارتكبته على التوالي من مجازر بحق شعب فلسطين ثم لبنان وعلى احتلال الأراضي العربية والتقتيل والتشريد والمحتشدات. ورأى شباب العرب كما رأى أولادي شخصيا كيف يقتل محمد الدرة وهو الطفل الوديع الرابض بين ذراعي والده والمحتمي بصدره الحاني.

ثم بدأ عهد إقرار النظام العالمي الجائر المقام على أنقاض قوة المسلمين ليتقاسم تركة الرجل المسلم المحتضر فعاش جيل الشباب العربي مسلسل قصف العراق وأفغانستان ومأساة غوانتانامو ثم رسخت في ذاكرتهم صور سجن أبوغريب وشاهدوا الضابطة الأميركية تربط رقاب المساجين العراقيين بالحبال وتجرهم عراة جر الكلاب بل ويتفنن معها الضباط السجانون في إخراج مسرحيات العار بمراكمة الأجساد العربية العراقية العارية فوق بعضها البعض أكداسا بينما تحدثنا السي أن أن والتلفزيونات الغربية عن بطولات الجيش الأمريكي والتزامه بالمواثيق الدولية والمعاملات الإنسانية!

وجاء بعد ذلك الفصلان الرهيبان من "إنسانية الغرب وجمال النظام العالمي الجديد" وهما العدوان الأول على غزة 2006 والعدوان الأخير 2014 ليؤكد لبعض شبابنا العربي أن الغرب كذاب خادع وأن الناطقين باسم وزارات خارجية أمريكا وبريطانيا وفرنسا حين ينعتون ذبح الرهينة الأمريكي بأيدي قاتل متطرف بأنه جريمة وحشية فإنهم لم يصفوا بالوحشية جريمة أفظع وأكبر حين قصفت إسرائيل قطاع غزة ودكت البيوت على من فيها وتم قتل 2500 فلسطيني منهم 900 طفل ورضيع مثل ملائكة الرحمن طهرا ونقاء! فما الفرق بين أن يذبح مواطن أمريكي وبين أن يموت تحت الأنقاض 900 طفل مشوهين مضرجين بدمائهم الزكية؟ ما الفرق؟ فالوحشية في غزة مضروبة في 2500 والموت العنيف هو والنفس البريئة المقتولة بغير وجه حق هي النفس البريئة ولكن الذي يقع بمنطق النظام العالمي الجديد هو لا فقط السكوت عن هذا الإجرام الجماعي بل تأييده وتبريره والدفاع عما سموه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها! لقد صادف أن تحادثت مع بعض أولياء أمور شباب عربي من تونس على سبيل المثال التحقوا بداعش وعرفت منهم مدى تأثر أولادهم بالظلم المسلط على العرب والمسلمين دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا ففي جمهورية إفريقيا الوسطى قتل المتطرفون المسيحيون حوالي 30 ألف مواطن مسلم خلال السنوات الثلاث الماضية وهذا موثق ومصور حين يضع القتلة إطارات السيارات في أعناق ضحاياهم المسلمين ويحرقونهم أحياء! وفي الشيشان لا نعلم إلى اليوم عدد ضحايا الإرهاب الروسي الأرتودكسي من الشيشان؟ والإسلام في القوقاز موجود منذ سنة 18 هجري في عهد عمر الفاروق رضي الله عنه ولا نعلم أيضا عدد الضحايا المسلمين في إقليم تشانغ يانغ في الصين إلى الأسبوع الأول من أكتوبر 2014 حيث أعدم شباب مسلم. كل هذه المجازر ضد الإسلام والمسلمين ترتكب في أنحاء متفرقة من العالم الواسع ولا أحد يصفها بالوحشية كما وصفوا ذبح الرهينة!

وبدأ بعض الشباب العرب يثورون على هذا الظلم الذي تقوم عليه العلاقات الدولية وهي ثورة تكاد تكون غريزية لا ترتبط بعقل أو بتخطيط وهي أشبه برد الفعل الفوضوي ضد فوضى العالم إزاء الإسلام ثم إن مفكري الغرب ذاته قبل غيرهم هم الذين أعلنوا منذ انهيار الشيوعية بأن الحروب القادمة هي حروب حضارات (أي أديان حاملة لمشاريع حضارة) وأبرز هؤلاء هو صامويل هنتنجتن في كتابه الشهير (صدام الحضارات) وهو (وليست داعش) من صنف العالم إلى تكتلات دينية بالأساس أشبه بالخلافات انطوت على نفسها وأغلقت حدودها وأصبحت نوادي للأديان فالاتحاد الأوروبي هو نوع من الخلافة الكاتوليكية وروسيا نوع من أنواع الخلافة الأورتودكسية وأمريكا خلافة أنجليكانية إنجيلية والصين خلافة كونفوشية والهند خلافة هندوسية (وهو تصنيف صمويل هنتنجتن لا يعرفه الجهلة العلمانيون العرب) ولم يبق سوى الإسلام وهو مبدع الوحدة والساعي إليها ولكن من دون هذا الرباط العقدي الذي تشكل للكاتوليك والبروتستانت والأرتودوكس والكنفوشيين والهندوس! وإني ما أزال على إيماني بأن العنف الذي لدى داعش ما هو إلا المولود الطبيعي الذي حبلت به أرحام نظام عالمي فاسد قرر أن يواصل أيديولوجية الاستعمار بوسائل أخرى مبتكرة وهاهو اليوم على مشارف مدينة عين العرب السورية الكردية (كوباني) يقع في حيص بيص حقيقي ويتخبط في نفق مظلم فلا يدري السيد أوباما ولا السيد هولند ولا السيد كاميرون كيف يوقفون تقدم داعش وهل يتعاونون مع الأسد أم يقاتلونه وبأية شرعية يعترفون في العراق ثم ماذا يفعلون وداعش تتقدم أيضا في ليبيا واليمن وباكستان وأفغانستان وبلدان إفريقية وآسيوية عديدة وفي أوروبا ذاتها (900 شاب فرنسي في صفوف داعش).

 ومن يدري فنحن في تونس مثلا نعاني من التحاق آلاف من شبابنا بداعش ولا نعرف كيف سينتهي بهم المطاف بعد صمت السلاح؟ ولا أحد من هؤلاء المتحالفين يدرك بيقين نوع العلاقة بين إيران وتركيا أو يتكهن بالضبط إلى أين تسير شعوب الربيع العربي؟ أليس الأنجع والأفضل أن نتصدى جميعا لإصلاح منظومة القهر المسماة بالنظام العالمي الجديد؟ فنحن نعالج اليوم أعراض المرض الخارجية لا أسبابه العميقة ونحاول تخفيض درجة حرارة المريض لا استئصال الفيروس من دمه وهو السبب وهو الأصل!.


(بوابة الشرق)