مقالات مختارة

مســـار بديـــل وجبهــة لحمايــة الثــــورة

1300x600
كتب د. محمد السعيد إدريس: يبدو المشهد السياسي المصري شديد الارتباك هذه الأيام سواء على مستوى الحكم أو على مستوى القوى السياسية المتنافسة على السلطة. فعلى مستوى الحكم يبدو الارتباك واضحاً في التردد إزاء مجموعة من المطالب والسياسات العاجلة يأتي في مقدمة هذه المطالب والسياسات ما يتعلق بمطالب القاعدة الشعبية الواسعة بالحد من غلاء المعيشة وخاصة ارتفاع أسعار السلع وأسعار الخدمات (الكهرباء، البنزين، المياه، التعليم، العلاج).

وما يتعلق بمراجعة قانون انتخابات مجلس النواب، ومراجعة قانون الطوارئ، والإفراج عن معتقلي هذا القانون من شباب كانوا ضمن طلائع تيار الثورة 25 يناير و30 يونيو، والتردد في اتخاذ موقف واضح من آلاف المحبوسين احتياطيا دون تسوية مواقفهم القانونية سواء بالإفراج عنهم أو محاكمتهم، لكن التردد الأكثر إثارة يتعلق بإعلان الدوائر الانتخابية وتحديدا موعد إجراء انتخابات مجلس النواب.

الارتباك الأفدح موجود ومتفشي على مستوى أداء القوى والأحزاب السياسية، ومن يريد أن يتأكد فعليه أن يلقى مجرد نظره على الخرائط المراوغة لبناء تحالفات انتخابية بين أحزاب وقوى سياسية لا يربط بينها غير المطامح، بل والمطامع في الحصول على النسبة الأغلب من مقاعد البرلمان القادم (مجلس النواب).

لو ألقينا نظرة سريعة على ما هو موجود الآن من تحالفات نستطيع أن نحدد ستة منها حتى الآن وهي على الترتيب: التيار الديمقراطي، وتحيا مصر، والوفد، والأمة المصرية، والجبهة المصرية، ثم حزب النور. وربما تتأسس خلال الأسابيع القادمة تحالفات أخرى جديدة، وقد تتفكك بعض هذه التحالفات، لكن ما هو أهم هو أن كل هذه التحالفات لا يجمعها مشروع سياسي، لكن يجمعها هدف واحد هو الاستحواذ على القدر الأكبر من مقاعد البرلمان. وفى غياب المشروع السياسي فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ولماذا التصارع على الدخول إلى البرلمان؟ ويرتبط بهذا السؤال سؤال آخر هو: هل الدخول إلى البرلمان هدف أم وسيلة.

ما يكشفه المشهد السياسي المصري الراهن يقول إن الدخول إلى البرلمان تحول إلى هدف وغاية لمعظم إن لم يكن كل الأحزاب والقوى السياسية، فلماذا تركض أحزاب تحالف التيار الديمقراطي (الكرامة والتيار الشعبي، والتحالف الشعبي الاشتراكي والدستور) للتحالف مع حزب الوفد مثلاً، أو مع حزب المصريين الأحرار، أو مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي ولماذا تقبل بشروط ومراوغات قادة تلك الأحزاب طيلة الأشهر الماضية. أحزاب التيار الديمقراطي يمكن توصيفها بأنها أحزاب اليسار أو على الأقل يسار الوسط في حين أن الوفد والمصريين الأحرار وبدرجة ما الحزب الديمقراطي الاجتماعي يمكن اعتبارهم ممثلين لليمين أو التيار الليبرالي المحافظ، وطبقة رجال الأعمال. وما الذي يدفع حزباً مثل حزب التجمع التقدمي الوحدوي في الأغلب يسار ماركسي ليتحالف مع تحالف الجبهة المصرية الذي يقوده حزب الحركة الوطنية المصرية برئاسة الفريق أحمد شفيق، وهو الحزب الذي يعد امتداداً أو تجديداً للحزب الوطني الديمقراطي المنحل. وما الذي يجعل حزب النور الإسلامي السلفي يجرى حوارات واتصالات بقيادات حزبية وشخصيات عامة لدراسة إمكانية التنسيق الانتخابي معها، بينهم عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد، وأحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق ومؤسس حزب الحركة الوطنية المصرية. حزب النور لم يكتف بذلك بل إن أمينه العام جلال مرة كان حريصاً في أحد حواراته الصحفية على تأكيد أن حزبه لن يجرى أي تنسيق أو تحالف أو اتصالات مع الإخوان لغرض الانتخابات، مشدداً على أن المجمعات الانتخابية للحزب تدقق تماماً لعدم تسلل أي من عناصر الجماعة لقوائم ترشيحات النور.

لهذه الدرجة يحرص حزب النور على أن يكون شريكاً في البرلمان حتى لو كان الثمن هو التحالف مع أطراف سياسية أعلنت وأكدت أن معركتها بالأساس الآن هي مع التيار الإسلامي من أجل إقامة الدولة المدنية، وحتى لو كان الثمن هو التبرؤ من حلفاء الأمس الشركاء في هدف معركة الشريعة أولاً وقبل كل شيء ومعركة غزوة الصناديق ومعركة دستور 2012.
ارتباك لا يفسره إلا حقيقة واحدة هي أن المشروع السياسي للثورة قد غاب تماما عن المشهد السياسي، وأن الثورة وأهدافها لم يعد لهما وجود في حسابات تلك القوى السياسية، وأن الفرز السياسي لا يجرى الآن على قاعدة الثورة وتحقيق أهدافها. فالتحالفات الانتخابية الحالية باتت تجمع بين قوى تنتسب للثورة، وقوى أخرى تسعى لاحتوائها، وقوى ثالثة هدفها واضح ومحدد وهو إسقاط الثورة والانتقام منها بعد أن قامت بتخوينها، وإذا استمر المشهد على ما هو عليه فعلينا أن نتحدث من الآن عن حقيقة واحدة هي انتكاسة الثورة.

ما هو الحل إذن؟

الحل بتأسيس مسار بديل تتحالف فيه قوى الثورة يكون هدفه هو حماية الثورة واحترام إرادة الشعب الذي فجر هذه الثورة والسعي لتحقيق الأهداف التي ثار من أجلها بإقامة دولة الثورة، أي تحويل الثورة إلى دولة للثورة عن طريق البرلمان الذي ستقع عليه مسئولية إقامة نظام الحكم الذي تتحقق من خلاله هذه الدولة المأمولة، دولة الحرية والعزة والكرامة التي ثار الشعب من أجلها مرتين في يناير 2011، ويونيو 2013.

مطلوب تأسيس مسار بديل للمسار المرتبك الحالي الذي تتحالف فيه بعض قوى الثورة مع القوى المناوئة والمعادية للثورة بدافع واحد هو فوبيا العداء للإخوان، ليتكرر المشهد الخاطئ الذي حدث عام 2012 عندما تحالفت بعض قوى الثورة مع الإخوان بدافع من فوبيا العداء للفلول. هذه القوى مازالت تدفع حتى الآن ثمن هذا الخطأ ومطلوب ألا يتكرر الخطأ مرة أخرى، بأن تتحالف قوى الثورة مع بعضها البعض على قاعدة: لا عودة لنظام مبارك.. ولا عودة لنظام الإخوان ويكون هدفه هو حماية الثورة وبناء دولة الثورة من خلال الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان، والتأسيس لتيار سياسي قوى يكون قادراً على أن يكون حزب الثورة، وظهيراً للنظام الثوري.

مطلوب أن يتحالف تيار اليسار بكل أحزابه مع يسار الوسط وشباب الثورة وكل القوى والحركات الثورية لتأسيس جبهة لحماية الثورة فالثورة في خطر في ظل مافيا التحالفات الانتخابية الحالية التي لم تعد ترى الثورة، وإن رأتها فهي تسعى لإسقاطها والانتقام منها وتصفيتها بدافع من استرداد المصالح. وهنا يجب أن تسعى القوى والحركات صاحبة المصلحة في الانتصار للثورة والتي قادت الاحتجاج ضد نظام مبارك وبالذات حركة كفاية ورموزها الوطنية باعتبارها حركة ضمير معنية بتصحيح المسار الثوري، لتأسيس تحالف انتخابي ثوري» يضم ابتداءً «التحالف الديمقراطي وتحالف 25- 30 وتحالف العدالة الاجتماعية كنواة لبناء هذا التحالف الثوري شرط أن يكون مفتوحاً لمشاركة كل القوى الثورية، وأن يخوض الانتخابات تحت شعار تحالف الغلابة أو تحالف الثوار في مواجهة تحالفات الأغنياء من طبقة رجال الأعمال وأحزاب عهد مبارك وقوى الثورة المضادة، تحالف انتخابي ثوري يؤسس لجبهة تحمى الثورة، عندها ستكون الثورة هي المعيار وهى الحكم بين المتنافسين وعندها ستكون الرؤية واضحة أمام الشعب ليحدد خياراته وانحيازاته.