كتاب عربي 21

إشكالية الانتماءات الضيقة في الجيش اليمني

1300x600
الحرب بلغت شوارع صنعاء، لقد زحفت أخيراً وبلغت أكبر مدينة في اليمن، حيث يعيش أكثر من (3) ملايين نسمة. إنها "الثورة"  متعددة الأسلحة التي فرضتها إيران على اليمنيين عبر مليشياتها، المصممة على النسق الإيراني، والمزودة بكل أدوات الطيش الطائفي التي أنتجت وما تزال تُنتج في حوزات قم وطهران وفي معسكرات الضاحية الجنوبية لبيروت.

وفي أحد تجمعاتها الأربعة المدججة بالقبائل والمليشيات المسلحة، اختارت الجماعة الحوثية  المسلحة، خوض معركة استثنائية في حي (حِزْيَزْ) الذي يقع في الطرف الجنوبي للعاصمة صنعاء، هناك يقع مقر القيادة العسكرية المركزية، ومعسكر الاحتياط (الحرس الجمهوري السابق)، حيث تتركز أكبر قوة عسكرية في العاصمة صنعاء واليمن برمته.

ولهذا الاختيار مغزاه، ذلك أن معظم المسلحين الذين تجمعوا عند مداخل العاصمة صنعاء الرئيسية وفي محيطها، هم في الغالب الأعم من الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي ربما يخوض معركته الأخيرة مع من يعتقد أنهم أسقطوه من علياء عرشه، وجردوه من سلطة مطلقة كان يمارسها على مدى 33 عاماً، تلك السلطة التي كانت سبباً في انحدار الأوضاع، وفي انهيار المشروع الوطني للدولة اليمنية الفتية.

  وتفجير الوضع عسكرياً في محيط معسكر الاحتياط، كان الهدف منه إسقاط هذا المعسكر، ليس بالحسم العسكري، إذ لا يوجد أي وجه للمقارنة بين المسلحين القبليين، وإمكانياتهم التسليحية المحدودة وبين الإمكانيات التسليحية والقتالية الهائلة لمعسكر الاحتياط. فقد كان الهدف وفقاً لما رشح عن مصادر مطلعة، هو التسريع من تنفيذ خطة إسقاط المعسكر التي تم رسمها بعناية، وأُوكلت مهمة تنفيذها للعناصر المحسوبة على الرئيس السابق، وعلى بعض القيادات الموالية "سُلالياً" لزعيم الجماعة الحوثية المسلحة في المعسكر، لكن الزيارة المفاجئة للرئيس اليمني وبالبزة العسكرية كما أعلن هنا في صنعاء، أربك الخطة وأفشلها.

وتكمن خطورة سقوط هذا المعسكر في أنه كان سيحسم المواجهة الدائرة في صنعاء، لصالح تحالف الرئيس السابق والحوثيين، الذي يسعى، بوضوح، وبإشراف مباشر من طهران، للإطاحة بالنظام الانتقالي وخلق واقع جديد في العاصمة صنعاء، وإعادة رسم الخارطة السياسية لليمن على نحو يعيد ترتيب المكانة المفترضة لقوى النفوذ المحلية والإقليمية المتحكمة بالشأن اليمني على المدى القريب والمتوسط والبعيد.

وبقدر ما أثار تكتيك إسقاط المعسكرات التي تحمي صنعاء قلق المجتمعين الإقليمي والدولي، وسرّعَ من وصول المبعوثين الخليجي والدولي إلى صنعاء، فإن فشل إسقاط أكبر هذه المعسكرات (الاحتياط)، هو الذي دفع بالحوثيين، وبإسناد من أنصار النظام السابق، إلى مواصلة التفاوض مع الرئاسة اليمنية، أملاً في الحصول على جزء مهم من الحصة السياسية التي تسعى إلى تحقيقها بوسائل عديدة منها: "الثورة"، والحصار المسلح للعاصمة، والمواجهات العسكرية مع الجيش في محافظة الجوف، والتنسيق الخطير لإسقاط المعسكرات الرئيسية في العاصمة.

ويواجه الرئيس اليمني معضلة كبيرة، تتمثل في طغيان الولاءات الضيقة لمعظم أفراد الجيش اليمني، الذي تأسس على مدى أربعة عقود، على أساس مناطقي، بعد أن أسفرت أحداث آب/ أغسطس عام 1962، عن إقصاء العسكريين الذين ينتمون إلى محافظات في جنوب وجنوب غرب البلاد، والذين كانوا يشكلون نواة الجيش اليمني الحديث، وكانوا قد تحملوا عبء الدفاع عن صنعاء، ونجحوا في إسقاط الحصار الذي فرض على المدينة لمدة 70 يوماً.

وهذا الجيش تعرض لعملية تصفية مناطقية مماثلة، في أعقاب حرب صيف 94، الأهلية، عندما عمل الرئيس المخلوع على عبد الله صالح، على تصفية معظم الضباط والجنود الذين ينتمون إلى المحافظات الجنوبية من الجيش ومن الأجهزة الأمنية، والذين كانوا يشكلون جزءاً من قوام الجيش اليمني، والمؤسسة الأمنية اللذين اندمجا بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 أيار/ مايو 1990. وتم ذلك بوسائل قسرية شملت الفصل والإحالة إلى التقاعد المبكر، أو بالتهميش.

ولقد اعتقد معظم اليمنيين أن الرئيس هادي، لا يقوم بدوره كما يجب، وثمة من اتهمه بممالأة الحوثيين أو التحالف معهم لتصفية القوى الدينية والتقليدية، وعلى نحو أظهر الجماعة الحوثية الشيعية الأصولية المتشددة كما لو كانت "حركة تنوير إنسانية جديدة في منطقتنا!".. 

واعتقد معظيم اليمنيين، كذلك، بأن الرئيس فاقد السيطرة وعديم الحيلة، ولا يحسن تقدير الأمور، وكلها في تقديري، مشاعر تشكلت في خضم الأحداث الدراماتيكية الصادمة التي شهدتها البلاد، وأحدثت تشوهاً في الوعي، وأربكت كل الحسابات.

وما من مشكلة تواجه الرئيس هادي في هذه المرحلة أصعب وأكثر تعقيداً من ترويض جيش لا عقيدة له، ومشدود بقوة إلى انتمائه المناطقي الضيق، وفضلاً عن ذلك فإنه يتعرض لأخطر حملة استقطاب على أساس طائفي ومناطقي، من قبل قادته السابقين، ومن قبل الجماعة الحوثية المسلحة، في محاولة مكشوفة لاستثارة هذه الانتماءات الأولية الضيقة في أوساط جيش ينبغي أن يكون الضامن الأول للوحدة الوطنية ولأمن واستقرار البلاد.

وتلك هي المشكلة الأكثر تعقيداً التي تتحكم في المشهد السياسي، وهي التي تبرر كل هذه التصرفات الطائشة للحوثيين وحلفائهم من أنصار النظام السابق، في العاصمة صنعاء.