مقالات مختارة

الهروب الإسرائيلي من غزة

1300x600
كتب أحمد منصور:

إعلان جيش الاحتلال الصهيوني صباح الثلاثاء الماضي أنه سحب آخر جنوده من قطاع غزة إلى خارج نطاق السور الذي أقامه حول القطاع، لم يكن سوى هروب وهزيمة ساحقة ماحقة، لم يتعرض لها الكيان الصهيوني على مدار تاريخه، وهذا ما أكدته وسائل الإعلام والصحف وكثير من المحللين العسكريين الإسرائيليين، وهذا ما أكده السلوك النازي الفاشي الهمجي الذي قام الكيان الصهيوني على كل مظاهر الحياة في القطاع التي دمرها، وأباد كل مظاهر الحياة بها.

ظل بنيامين نتانياهو الذي سيقرن اسمه في التاريخ مع هتلر وموسليني وستالين وكبار مجرمي البشرية، ظل يرجو حلفاءه أياما وأسابيع حتى يساعدوه في الخروج من مستنقع غزة بطريقة يستطيع بها أن يواجه الضغوط التي يتعرض لها، لكن هؤلاء جميعا عجزوا عن تقديم أي مساعدة له لسبب رئيسي وهو أن هذه ربما تكون المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي التي يكون فيها زمام المبادرة وإدارة المعركة مع طرف لا يخضع لأي ضغوط أو ابتزاز أو عمالة.

فقد كانت المقاومة الفلسطينية -ومن ورائها ظهرها الصلب المتمثل في شعب غزة- على قلب رجل واحد، تمكن من هزيمة السلوك الفاشي الذي سلكه الكيان الصهيوني ضد البشر والحجر والشجر والحيوانات وكل مظاهر الحياة في قطاع غزة، فقد كانوا سندا وعونا لمقاومة أثبتت أول مرة في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني أنه كيان هش، وأن جنوده قد زرع في نفوسهم رعب من القتال ضد أهل غزة، ستتوارثه الأجيال الصهيونية جيلا بعد جيل، فالأعداد التي أعلن الكيان الصهيوني عن قتلها وإصابتها من جنوده، والتي تقدر بحوالي خمسمائة جندي وضابط يمكن -ونحن في منتهى الراحة في تقدير الأعداد- أن نقول إنها أضعاف ذلك، في ظل التكتم الإسرائيلي على الأعداد الحقيقية للضحايا، وأنه لم يبدأ الاعتراف بسقوط ضحايا إلا بعد أيام من بداية المعركة، كما أنه كان يقيم تعتميا شديدا على كل وسائل الإعلام، الأمر الآخر المهم والحاسم في هذه المعركة هو كم المفاجآت التي صدمت جيش الكيان الصهيوني وجنوده، فقد تحولت دبابات ميركافا الإسرائيلية التي توصف بأنها جبال حديدية إلى كومات من الخردة، من خلال وسائل المقاومة في تفجيرها، وأعتقد أن إسرائيل التي كانت تفخر أمام العالم بأن هذه الدبابة هي أقوى دبابة في العالم قد خسرت كل العقود التي أبرمتها مع الدول التي تعاقدت على شرائها، والبوارج الحربية هي السلاح الذي اعتمدت عليه إسرائيل طوال الوقت.

من يتابع تصريحات الجنود الصهاينة الناجين من محرقة غزة، أو المحللين العسكريين الصهاينة الذين هم ضباط سابقون، أو الصحف التي بدأت تتجاوز الحصر الرسمي في الفترة الأخيرة، يدرك أن غزة هذه المرة بالنسبة للجيش الصهيوني لم تكن سوى محرقة غير مسبوقة، وأن الهروب من جحيمها كان أمل نتانياهو، كما كان أمل كل جندي وضابط في الجيش الإسرائيلي ألا يعود في تابوت إلى أهله، هذا بالنسبة للجنود الذين لهم أهل.

(نقلا عن صحيفة الوطن القطري 8 آب/ أغسطس 2014)