سياسة عربية

مراقبون: الشهر الأول من حكم السيسي قمع وخطايا

الجنرال عبد الفتاح السيسي
رأى مراقبون أن الشهر الذي أمضاه الجنرال عبد الفتاح السيسي في حكم مصر منذ الثامن من حزيران/ يونيو الماضي، قد اتصف بالقمع، وانعدام الشفافية، وغياب العقل السياسي، وغيرها من الخطايا التي ذكروها في مقالاتهم مؤخرا.
 
لا جديد
 
على الرغم من القمع العنيف الذي شنه السيسي على التيار الإسلامي، إلا أن الكاتب اليساري إبراهيم عيسى وجد أن رصيد السيسي في هذا المجال غير كاف، ومن ثم حرضه في مقالة بعنوان: "نريد أن نرى" بجريدة "التحرير" الأحد على سفك مزيد من الدماء، واستباحة الحرمات، بذريعة "محاربة الإرهاب".
 
فقال عيسى: "الشهر الرئاسي الأول للسيسى لم يحمل جديدا في مواجهة الإرهاب. الحرب هي نفسها بذات الأداء الذي يتميز بالنجاح الواضح، وبعض الإخفاق الفادح، البطولة الرائعة، وشيء من الإهمال المخجل، الاستشهاد النبيل، وقليل من التهاون الغريب جنبا إلى جنب منذ 26 يوليو العام الماضي، الرئيس السيسي أوضح مسؤول مصري في الحديث عن خطورة الإسلام السياسي، لكن ليس هناك حتى الآن إلا وضوح التصريحات، وجمود السياسات".
 
وأضاف: "لم نلمح، وليس نرى، أو نشاهد تغييرا في منهج المواجهة، لا هناك قوة أكبر، ولا عمق أوسع، ولا إبداع أذكى، ولا وصول إلى الجذور، ولا خروج عبر الحدود لمواجهة الإرهاب عند منابعه التمويلية، والإعلامية، والتنظيمية، إنها مجرد خمسة أسابيع، وهو وقت ليس كافيا بالقطع للحكم على تغيير في الأداء، لكنه قد يكفى لتأكيد أنه لا جديد".
 
ماذا فعل في شهر؟
 
 أستاذ العلوم السياسية "أحمد عبد ربه" رأى في مقاله بجريدة الشروق الأحد بعنوان: "ماذا فعل الرئيس في شهر؟"، إنه على عكس سلفه محمد مرسي، لم يضع السيسي برنامجا للمائة يوم الأولى من حكمه، كما لم يعلن عن توقيتات محددة لتنفيذ سياسات بعينها تاركا بورصة من التوقعات والتكهنات والتسريبات هنا وهناك.
 
ورصد عبد ربه عشر ملاحظات أبرزها أنه "لا عقل سياسيا بعد في القصر"، و"الثقة في العسكريين"، وتقديم "خطاب سياسي حازم وعاطفي"، واتخاذ "قرارات صادمة"، وذلك مع "لا مساس بالقوانين الجدلية"، و"إجراءات بناء الثقة.. ليس بعد"، و"فرض القانون بحزم على الضعفاء والفقراء أكثر"، وأن "النيات وحدها لا تكفي"، وأخيرا أن "الحريات محلك سر".
 
وأضاف أنه برغم أن قدرا من الحرية ما زال موجودا، إلا أن مساحات التعبير تضاءلت بشدة في الفترة من 30 يونيو 2013 حتى الآن في ظل آلة إعلامية تقوم بتصفية الحسابات السياسية بالنيابة عن النظام، وفي ظل قوانين وممارسات مقيدة لحرية الرأي والتعبير والحريات الأكاديمية، وفي ظل حوادث عنف سياسي لا يبدو أنها ستنتهي قريبا، وما زال مناخ الخوف هو عنوان البيئة السياسية في مصر.
 
مغبة الإفراط في تغليظ العقاب
 
من جهته قال نادر فرجاني الخبير التنموي الأممي في مقاله بعنوان "مغبة الإفراط في تغليظ العقاب": "إن المراقب لأحوال مصر منذ بدء ولاية الرئيس الحاكم لا يمكنه إلا أن يلاحظ موجة هائلة من الإفراط في تغليظ العقوبات، باستعمال القانون الجائر في أحيان، وبالخروج على القانون أو تجاهله في أحيان أخرى".
 
وشدد فرجاني على أنه لا يمكن تبرئة ساحة الرئيس تماما من هذا المد الكاسح من القسوة التي اجتاحت البلاد بمجرد توليه، ولو من باب رغبة المرؤوسين في تملق الرئيس عن طريق تبني ما يتصورونه من رغباته، خصوصا أن هناك تصريحات من مسؤولين تنص على أنهم يتصرفون بتوجيهات مباشرة منه. فهناك تصريح منشور من وزير الري مثلاً يقول: "الرئيس أبلغنا بحزم: من يرفع يده عليكم خلال إزالة التعديات على النيل اضربوه بالنار". هكذا، من غير إحالة لقضاء، ولا تطبيق لقانون البلاد، وبالمخالفة الصريحة للدستور الساري!
 
وأضاف فرجاني أن تفشى تغليظ العقوبات يخلق شعورا بالظلم والهوان يؤسس لغياب الانتماء. ويعني تفاقم الشعور بالظلم اشتداد الكراهية والبغضاء بين فئات المواطنين، خاصة بين المتنفذين والمطحونين بسبب تنفذ الأوّلين، وتجاه رؤوس الحكم. وكل هذا يخل بالتوازن الصحي بين الثواب والعقاب أساس التنظيم المجتمعي السليم الذي يمكن أن يؤسس لمجتمع سوي ينهض بقوة انتماء مواطنيه له، ناهيك عن توافر أسباب الخروج على الحكم المقترن بالظلم في أذهان فئات من المواطنين في حركات الاحتجاج الشعبي التي تتراكم على صورة موجات ثورية شعبية احتجاجا على تزاوج استشراء الظلم الاجتماعي، والقهر السياسي.
 
وتابع: "لا ريب في أن مناخ الكراهية والبغضاء يرتب أعباء ضخمة لضمان أمن رأس الدولة وكبار المسؤولين، وإلا ما كان على أجهزة الأمن المدنية أن تدفع بجيش صغير مكون من 30 مجموعة قتالية لتأمين الرئيس خلال حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط الصف بالشرقية كما أُعلن".
 
حاجة السيسي إلى الشفافية
 
وتحت عنوان "حاجة السيسي إلى الشفافية" قال الدكتور عمار علي حسن: "السيسي ما يزال بالنسبة لكثيرين شخصية غامضة، ولا يطلب أحد تبديد هذا الغموض بغية كشف مستور في حياته الخاصة، أو تلبية فضول في معرفة المزيد عن ماضيه، إنما للاطمئنان إلى الطريقة التي سيدير بها الدولة، ويصنع بها القرار.
 
وأضاف: "المشكلة أن إدارة الدولة، أي إدارة الاختلاف والتنوع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، تتطلب التخلي عن هذا الغموض، الذي هو ميزة عند رجل مخابرات، لكنه عيب شديد عند رجل سياسة، يجب أن يكون الجزء الطافي منه أكبر بكثير من الجزء الغاطس، ويجب أن يؤمن بأن وضوح الرؤية وإشراك الناس في القرار بوسائل منضبطة هو أقصر الطرق لتحقيق الاستقرار".
 
وتابع: "من أجل هذا بدأت أسمع كلمة "شفافية" تتردد في الوقت الراهن على ألسنة كثير من المصريين بمن فيهم بسطاء، خاصة بعد أن فاجأهم الرئيس بقرار إلغاء دعم الطاقة، ورفع أسعار بعض السلع، ثم اضطر أن يخرج ليشرح لهم بعد سريان القرار، وكان حريا به أن يفعل هذا قبله".
 
وأضاف: "لديه، أي السيسي، فرصة ذهبية لأن يعبئ الشعب المصري كله وراء مشروع وطني جامع، بشرط عدم إغفال سحر الشفافية، ودورها في محاربة الفساد وضبط الجهاز الإداري وإصلاحه، والحفاظ على جسر الثقة موصولا مع الناس".