كتاب عربي 21

المقاربة الأمريكية لعملية الانتقال في ليبيا

1300x600
تعددت وجهات النظر حول أغراض زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي "وليام بيرنز" مؤخرا ليبيا، ما بين من يرى أنها ضمن الاهتمامات الأمريكية العامة بوضع ليبيا، ومن يرى أنها لأجل ترتيبات تتعلق بخطة ضرب مجموعات متشددة.

وفي ظل غياب معلومات دقيقة ومؤكدة لا يمكن القطع بهدف الزيارة، ويمكن القول مبدئيا إن القلق بسبب تعثر عملية الانتقال وبناء الدولة وما يمكن أن يصاحبه من تداعيات كان محور النقاشات.  

السياسة الأمريكية في المنطقة

وجه العديد من المراقبين انتقادات حادة للسياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس المنتخب للمرة الثانية، باراك أوباما، معتبرين أنه لا سياسة خارجية واضحة للبيت الأبيض، وأن الولايات المتحدة تقع تحت تأثير ارتدادات أضعفت من حضورها الخارجي.

وهنا نحتاج أن نفرق بين مسألتين، الأولى تتعلق بالحكم على سياسة أوباما الخارجية بالمقارنة بسياسة جورج دبليو بوش التدخلية ومخطط تغيير النظم "Regime change" الذي تبناه مطلع الألفية، إذ ستكون النتيجة مختلفة باعتبار أن أوباما جاء ليعالج تركة سياسة الأول. 

المسألة الثانية هي الحكم على خيارات باراك أوباما في رسم السياسة الخارجية الأمريكية خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط في مرحلة حرجة ارتبطت بتحولات الربيع العربي، وهنا يمكن القول بأن السياسة الخارجية الأمريكية لم تكن واضحة، ولا متسقة، مع تفجر الثورات العربية، لكنها تتجه إلى مزيد من التجلي مع اتضاح المشهد في المنطقة، ويمكن القول أن محوري ارتكازها هما:

-  مجابهة خطر الإرهاب

-  ضمان أن لا يهدد الانتقال الديمقراطي أمن إسرائيل وثقلها في المنطقة. 

لا خلاف حول تركيز واشنطن على عدم بروز قوة إقليمية يكون بمقدورها تهديد المصالح الأمريكية وتهديد أمن إسرائيل، وفي هذا السياق يفسر البعض غزو العراق، وإنهاك سوريا، وخلط الأوراق في مصر، بالمقابل ربما أصبحت واشنطن مدركة أن الفوضى والاتجاه إلى انهيار الدولة ليس خيارا إيجابيا في ظل تنامي قوى إسلامية متشددة تجد في تفكك الدولة فرصة لنموها وانطلاقها. 

إذ يمكن أن يكون الخيار الأمريكي هو تأرجح دول الربيع العربي في مساحة لا تسقطها في مستنقع المتشددين، ولا تسمح لها بالتعافي لتصير في مصاف القوى الأقليمية الفاعلة. 

الموقف من التيار الإسلامي

أظهرت تجربة الربيع العربي أن واشنطن لم ترد استبعاد الإسلاميين من المشاركة في السلطة، لكنها لم تخف تحيزها ضد وصولهم بشكل انفرادي للحكم، وفسر البعض حرص الأمريكيين على وصول الحركات الإسلامية للسلطة - ضمن شركاء آخرين – لاختبارهم واحتوائهم، على أن لا يخل ذلك بالضابط الرئيسي وهو هنا أمني، بمعنى أنه في حال تأكد لواشنطن أن الإسلاميين سيكونون على خط واحد معها في مواجهة التشدد فستؤيد واشنطن وصولهم للحكم، دون أن يعني هذا السماح بتفردهم به بشكل مطلق، لذا فإنها لن تقطع تواصلها مع القوى المعارضة وستكون بديلها في تقويض نفوذ الإسلاميين في حال لزم الأمر.

هدف زيارة بيرنز لليبيا

بالنظر للمقابلات التي أجراها بيرنز مع الأحزاب السياسية، يمكن القول أن السياسة الأمريكية لا تزال دون اتخاذ قرار محدد تجاه العملية السياسية في ليبيا. 

ويمكن القول بأن زيارة مساعد وزير الخارجية هي في المقام الأولى استكشافية من ناحيتين، الأولى الاضطلاع على استعدادات سلطة فبراير لمجابهة التحديات وفرص نجاح العملية السياسية لأجل الخروج من عنق الزجاجة، والثانية ربما تتعلق بفرص التنسيق على محورين، محور زيادة منعة الدولة بدعم مسارها السياسي وتقوية مؤسساتها الأمنية، ومحور التنسيق لمجابهة التشدد.

القراءة الأمريكية للوضع في ليبيا وخيارات التعامل معه

تأكيد بيرنز على استعداد واشنطن لدعم مؤسسات الجيش والشرطة يشير إلى منطلق السياسة الأمريكية في الجمع ما بين دعم مساري مكافحة الإرهاب والديمقراطية باعتبارهما متلازمين، وأن أهمية الثاني تكمن في ضمان احتواء الأول. 

وتؤكد الزيارة على وجود قلق أمريكي متزايد حول تقلص فرص المضي في المسار الديمقراطي في ليبيا، بسبب تعاظم التحديات الداخلية وضعف المساندة الخارجية، ويستند القلق المتزايد على تزايد اضمحلال بقايا مؤسسات الدولة وتصاعد نفوذ المجموعات التي يهدد بناء الدولة وجودها، أو تلك التي تضع مصالحها في اتجاه معارض لبناء واستقرار الدولة. 

بالمقابل ليس من المستبعد ترجمة القلق الأمريكي إلى عملية عسكرية بهدف استئصال المجموعات والكيانات التي تنمو وتتكاثر، غير أنه من المؤكد أن استهداف تلك المجموعات سيضاعف من خطر الفوضى الأمر الذي يخدم القوى المتشددة، ولا نعتقد بأن واشنطن لديها القدرة على تقديم استراتيجية دعم تقلل من أسباب التوتر وتعزز فرص التوافق على أساسيات الانتقال والبناء، ومع التأكيد على الحاجة الملحة للدعم الدولي لليبيا في ظرفها الراهن الصعب، فإنه ينبغي دخول الاتحاد الأوروبي على الخط لموازنة الجموح الأمريكي، في مقابل توافق داخلي لحلحة كافة الخلافات والاتفاق على استراتيجية تحدد سقف الدعم الأمريكي الأوروبي، والموقف من أي تدخل أمريكي مباشر في الشأن الليبي مرتقب.