أعلنت قيادة
الجيش الجزائري، رفضها القاطع للتدخل في
انتخابات الرئاسة المزمع تنظيمها الخميس المقبل، ردا على دعوات بالتدخل لمنع الرئيس المترشح عبد العزيز
بوتفليقة من اعتلاء كرسي الولاية الرابعة.
وقالت مجلة "الجيش" التي تصدر دوريا عن وزارة الدفاع الوطني، الاثنين، إنها كمؤسسة دستورية، مهامها واضحة دستوريا، لا يمكنها الاستجابة لدعوات التدخل في انتخابات الرئاسة.
وشجبت وزارة الدفاع الوطني، في بيان، الاثنين، ما وصفته "الأصوات المتعالية انطلاقا من مصالح ضيقة وحسابات شخصية، تطالب الجيش علنا بالإخلال بالدستور والقانون، ليتسنى لها تمرير المؤامرات المعادية للجزائر أرضا وشعبا".
وأضاف البيان، أن "قوة وتماسك وانسجام الجيش الوطني الشعبي قد حال دون تحقيق مآرب أعداء الجزائر وأغراضهم الخبيثة، لا سيما في هذا الظرف المحفوف بالمخاطر والتهديدات على مختلف الجبهات، والذي يتطلب التفاف مختلف القوى الوطنية حول المصلحة العليا للوطن".
وردت قيادة الجيش على "نداءات للتدخل" من قبل أطراف سياسية، أو دعوات "من أجل لعب دور معين في انتخابات الرئاسة"، معتبرة ذلك "اخلال بالدستور".
ومن أهم من أطلقوا هذه الدعوات، رئيس الحكومة الأسبق والشخصية السياسية المعروفة مولود حمروش الذي دعا في مؤتمر صحفي عقده الاسبوع الماضي، كل من قائد أركان الجيش الفريق قايد صالح، ومدير الاستعلامات والأمن (المخابرات) الجنرال محمد مدين المدعو (توفيق) بالإضافة الى الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة إلى "اخراج مفاتيح الحل الذي بحوزتهم من أجل إخراج البلاد من الأزمة السياسية التي تخندقت فيها".
وقال حمروش إن "النظام وصل نهايته ولا بد من التغيير"، وفهم من كلام حمروش أنه يدعوا، ضمنيا الجيش إلى التدخل في انتخابات الرئاسة.
كما سبق للجنرال المتقاعد، محند طاهر يعلى، الذي أعلن انسحابه من سباق الرئاسة، في الثالث من اذار/مارس الماضي، أن دعا من أسماهم بـ"الضباط الشرفاء" في الجيش، إلى وقف المسار الانتخابي من أجل "إنقاذ الجزائر"، كما أشار إلى أن الدعوات إلى تأسيس جمهورية ثانية ليست سوى " شعار"، وقال ردا على انتقادات وجهت له على أنه يريد إحداث ثورة في الجزائر بالقول، "لست أدعو إلى ثورة بل فقط إلى ضرورة أن نكنس أمام بيوتنا".
كما كان الجنرال المتقاعد، حسين بن حديد، تهجم على قائد أركان الجيش، الفريق قايد صالح وقال عنه في حوار نشرته جريدة "الخبر" الجزائرية أنه" ليس بكفء ولا أحد يعترف به من الضباط".
وهذه ثاني مرة تؤكد فيه مؤسسة الجيش أنها "تبقى محايدة في انتخابات الرئاسة"، بعد بيان نشرته وزارة الدفاع الوطني، مطلع الشهر الجاري، اكدت فيه انها ستبقى تعمل في إطار المهام الدستورية المسندة اليها.
وعشية كل استحقاق انتخابي، يسيطر جدال "دور الجيش" في صنع الرؤساء بالجزائر، على المشهد السياسي، ويرى مولود حمروش أن "الجيش هو من يعين الرؤساء منذ استقلال البلاد العام 1962".
وحين جاء بوتفليقة إلى الحكم عام 1999، قال قولته الشهيرة " لا أريد أن أكون ثلاثة ارباع رئيس"، ويقصد بوتفليقة أن اشترط على الجيش أن يكون رئيس بكامل الصلاحيات وليس رئيسا صوريا فقط".
ومنذ ذلك الوقت، ومع هامش التحرك الواسع لبوتفليقة في مجال صنع القرار، تلاشت فكرة استمرار الجيش في تعيين الرؤساء، خاصة بعد أن استطاع بوتفليقة أن يدفع بقائد أركان الجيش الراحل محمد العماري إلى الاستقالة، يونيو 2004، مباشرة بعد انتخابات الرئاسة التي فاز بها بوتفليقة.
وتردد حينها أن الفريق العماري، كان ضد الولاية الثانية للرئيس بوتفليقة وهو سبب دفعه للاستقالة.
لكن وبعد مرور قرابة عشر سنوات، فجر عمار سعداني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) قنبلة من العيار الثقيل، حين دعا مدير الاستعلامات و الأمن،"الرجل القوي" محمد مدين إلى الاستقالة و "الكف عن التدخل في الحياة السياسية".
واتهم سعداني مدين بتكسير الأحزاب والفشل في إدارة الملف الأمني منذ التسعينات، خاصة بعد مقتل الرئيس الراحل محمد بوضياف يوم 29 حزيران/ يونيو 1992 على المباشر وهو يلقي خطاب بمحافظة عنابة شرق البلاد.
ويرى عميد كلية الحقوق في الجزائر سابقا، عبد المجيد بن الشيخ أن " لمؤسسة الجيش تأثير بالغ على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي". لكن مدير الديوان الحالي للرئيس بوتفليقة وأحد أعوان حملة دعايته الانتخابية، أحمد أويحي قال قبل ايام أن "بوتفليقة منذ انتخابه كان رئيسا مئة بالمئة" وتابع "القول بأن الجيش يقرر كذب".
واتخذت أطراف سياسية عدة من التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة على مستوى قيادة الجيش والمخابرات كمؤشر على قوته.
وأفاد مرشح انتخابات الرئاسة، عبد العزيز بلعيد في تصريح لـ"عربي21" أن "القول أن الجيش هو صانع الرؤساء أمر غير صحيح، و الأصح أن الجيش دوما كان يضع الرؤساء بالتوافق مع السياسيين"، وتابع"سأفتح حوار مع الجيش إن فزت بالرئاسة، لكن يجب عدم التعرض لهذه المؤسسة التي بقيت محافظة على كيان الجمهورية طيلة فترة الإرهاب وهي آخر حائط أمام المؤامرات".
ويرى اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد، أن "الجيش الجزائري ركيزة من ركائز الدولة" ويتابع لـ"عربي 21" من يستهدف الجيش إنسان جاهل ومن يريد أن يستهدف الجيش عليه أن ينظر في المرآة مرات عديدة" وتساءل" هؤلاء الذين يطالبون بانسحاب الجيش من الحياة السياسية، هل هم قادرون على تحمل المسؤولية، وهل أن جبهة التحرير الوطني قادرة على ذلك وهي من حاز على مقاعد البرلمان بالتزوير؟".
كما تساءل مجاهد "هل الأحزاب والمؤسسات التشريعية تلعب دورها في الحياة العامة، أم يريدون تسليم البلد للفوضى والأعداء"، كما أفاد "في سنة 1994 لم يكن هناك إلا ضابط في الجيش لقيادة البلد، وهو اليامين زروال، لما فضل الآخرون الهروب من مسؤولياتهم والانسحاب، الذين يوجهون سهامهم للجيش، هل يريدون الفراغ؟ هذا لن يحدث، المؤسسة العسكرية لم تسمح ولن تسمح بهذ".
وفي بيان الإثنين، أكدت قيادة الجيش أن "هذا الموعد تاريخي لإرساء أسمى مؤسسات الدولة والمتمثل في انتخاب رئيس الجمهورية في إطار التعددية والديمقراطية في ظل الدستور وقوانين الجمهورية"، و تعهدت بـ"تأمين الانتخابات بكل إرادة وعزم إيمانا بحق الشعب الجزائري في العيش في كنف الأمن والسلم، وحقه في أداء واجبه الانتخابي بكل طمأنينة واختيار الرئيس المناسب الذي يقدر القيم الوطنية لكل حرية وشفافية".
وأوضحت وزارة الدفاع الوطني، أن "الجيش الوطني الشعبي مدرك تمام الإدراك أن معركته ضد الإرهاب هي امتداد لمعركة سليلة جيش التحرير الوطني ضد قوى الاستعمار والظلم والطغيان مما يدفعه إلى حسمها بكل عزم وثبات ليخلص الوطن والشعب من آفة عطلت التطور وأعاقت مسيرة التنمية الوطنية".