مدونات

هل للسيسي توبة؟

هل تقبل توبة السيسي؟ تعبيرية
ومن يحول بينه وبينها؟
هذا المقال موجه للفريق السيسي حصرا إن قدر له قراءته لإيصال رسالة واحدة إليه.. أن بإمكانك الخروج من الوحل الذي دخلت فيه.

 من السهل أن نلاحظ لدى السيسي في خطاباته شيئا من حس ديني  باستشهاده ببعض الأحاديث والآيات التي يحفظها  وبهذا الحس الديني أو ما تبقى منه نخاطبه في هذه الرسالة. 

  هل للسيسي توبة؟ نعم بالطبع.. ولكن من شروط التوبة أن يعترف التائب أولا بالذنب الذي يتوب منه  فقاتل المائة نفس قد اعترف  قبل أن يتوب الله عليه..  أفلم يأن للسيسي أن يعترف؟ 

أفلم يأن للسيسي أن يعترف بينه وبين ربه بما أزهق من أرواح بريئة لم تعرف الإرهاب يوما وبما يتّم من أطفال ورمّل من نساء وأثكل من أمهات؟

أفلم يأن له أن يعترف في قرارة نفسه بأنه خان الأمانة التي وكلت إليه والقسم الذي أقسمه؟

لقد كنت مؤهلا يا سيسي بما حباك الله من قدرات وكقائد للجيش تحت أول رئيس مدني منتخب أن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه بأن تقوم بعملية إصلاح حقيقية داخل القوات المسلحة ضد الفساد الذي يعرفه الجميع.

كنت مؤهلا أن تصبح قائدا عسكريا عظيما وتسخر إمكانات القوات المسلحة في خدمة مشروع نهضة حقيقي يعيد مصر إلى الصدارة ويجعلها (قد الدنيا) أو يجعل الجيش المصري أقوى جيوش المنطقة.

ولكنك اخترت الطريق الأكثر مشقة في الدنيا والأخزى عاقبة في الدنيا والآخرة.

من الممكن تفهّم أن يؤمن ضابط جيش تمت برمجته بطريقة معينة أن "المشروع الإسلامي" مشروع فاشل أو أن يرى أن تيارات الإسلام السياسي تحمل فكرا غير قابل للحياة بحسب تعبيره ولكن من غير الممكن أن نتفهم ممن يشهد الله على ما قلبه في كل خطاباته أنه لا يرى لمؤيدي هذا الفكر الحق في الحياة أصلا فيسحقهم بآلته العسكرية مثل الجراد أو يحجبهم عن الحياة العامة في سجونه ومعتقلاته من غير ذنب.

من غير الممكن تفهم أن تقوم بإجهاض حق الأمة في اختيار من يحكمها لمجرد أنك ترى أنها أساءت الاختيار.

لا جدوى في أن أجادلك أنك لم تفعل ما فعلت استجابة لشعب ميدان التحرير أو وقاية للبلد من شر فتنة فأنت أكثر من يعلم أن هذا هراء وأنت تعلم من الذي افتعل الفتنة ومن الذي سقط في الفتنة
يمكنك أن تخدع الناس بهذا ولكن لن يمكنك أن تخدع الله بهذا يوم القيامة إذا نودي عليك باسم المُنقلب لإن "ربنا محدش يقدر أبدا يخدعه" كما قلت.

من غير أن تعترف في نفسك بما اقترفت فليس لهذا المقال في الحقيقة أي فائدة.

لا يغرنك يا عبد الفتاح أن صفق لك بعض سفلة المجتمع، فهؤلاء إنما يصفقون لقوة السلاح التي تمثلها وليس لشخصك.. لبدلتك العسكرية وليس لما تحت البدلة.. فإذا ما خلعت هذه البدلة وجلست على كرسي الرئاسة بالملابس المدنية وسقطت عنك الهالة العسكرية وانغمست في مشاكلهم الحياتية سيلعنك الناس مع أول أزمة في الكهرباء أو التموين تحل بهم.

فهل آن لك يا عبد الفتاح أن تقر بذنبك وتؤوب إلى ربك قبل أن تتحول إلى قذافي جديد أو أن تجلب لبلدك نكسة مثل نكسة سلفك عبد الناصر؟

ما غرّك بربك يا سيسي؟ أغرك حلمه عليك وإمهاله لك حتى فعلت كل ما فعلت؟ ألم تر أن الله أمهل من قبلك أكثر مما أمهلك ثم كان مصيرهم ما رأيت؟

حتى إذا افترضنا أن لديك شيئا من حسن النية جعلك تختار أن تكمل طريقك إلى قصر الرئاسة على جماجم كثير من المسلمين مؤملا أن تقوم بإصلاح حقيقي والنهوض بالبلد بعد أن يستتب لك الأمر، فاعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين ودروس التاريخ القريب تخبرنا أنك لن تُعان على ذلك وستتفاقم المشاكل ضدك ولن تكون نهاية حكمك أحسن حالا ممن جاء قبلك.

 هل تبصر يا عبد الفتاح أن الدولة الكبرى التي أغرتك بالانقلاب وأعطتك الأمان أن تذبح الناس في الشوارع تتعامل مع رجالها في المنطقة، إذا شعرت في أي وقت بعدم صلاحيتهم بمنطق الحذاء القديم، ولن تغني عنك شيئا إذا خرج الناس في أول انتفاضة ضد حكمك كما فعلت مع سلفك مبارك؟

هل تضمن أن اللعبة التي أدرتها على مرسي لن تتكرر معك إذا انتهت صلاحيتك في أي وقت وتأكد للغرب أنك غير قادر على الحفاظ على الاستقرار في مصر؟

ألا يعتبر مدير مخابرات مبارك الحربية بمدير مخابراته العامة إن لم يعتبر بمبارك نفسه؟

هب أن الرؤيا التي رأيتها قديما وفسرها لك المفسر السعودي صحيحة، فهل تضمن لك هذه الرؤيا أن تهنأ بالحكم يوما أو أن تكون نهايتك أفضل من نهاية ثلاثة رؤساء قبلك؟

والآن لنفترض أنك قد ندمت بالفعل عما اقترفت وأردت أن تتوب إلى الله، فاعلم أن باب التوبة مفتوح "إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب"، وحينها عليك أن تتحمل تكاليف إصلاح ما أفسدت إن أردت أن يبدل الله سيئاتك حسنات.

لا يكفي في حالتك أن تتوب في قلبك من غير أن تدفع الظلم الذي أوقعته على كثير من الناس بل على مصر كلها.

لا تظنّن أن الطريق مسدود أو أن المسار الذي اخترته غير قابل للإصلاح.

بل إن الإصلاح ممكن إذا كنت صادقا فعلا في الإصلاح وآثرت أن تتحمل مشقة الإصلاح في الدنيا قبل أن تتحمل سوء الحساب يوم القيامة.

أنا أعلم المخاوف التي ستروادك إن كانت نفسك  حدثتك بالإصلاح فعلا، وهي أن القادة الذين تورطوا معك في دماء المسلمين لن يدعوك تخطو خطوة تكون فيها رقابهم.

وأقول لك، لقد خادعت مرسي شهورا كنت فيها ذا وجهين، وجه معه ووجه عليه ولن تعجزك الحيلة إن أردت حقا أن تصلح ما أفسدت أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثالث من يوليو بالتدريج.
وأول ما ينبغي عليك عمله هو الكف عن سفك دماء المسلمين ورفع الظلم عن المسجونين في المعتقلات.
ثانيا أن تتخلص من القادة الذين خططوا معك للانقلاب وتورطوا في الدماء وتستبدل بهم من هو خير منهم ويكون ولاؤه لله لا لصاحب "مظاريف الولاء".. أن تستغل ما تحت يديك من قوة في تطهير البلد من المفسدين وتقديم كل من تورط في الدماء للمحاكمة وتعويض كل من تضرر من هذا الانقلاب.

 ثالثا أن  تصارح الشعب المصري في خطاب كاشف بحقيقة كل ما جرى منذ أن خططت للانقلاب بل منذ الخامس والعشرين من يناير، والمعلومات التي لديك عن قتلة المتظاهرين وتدخلات الدولة العربية والغربية في مجريات الأمور.. أن تعلن أطراف الخيانة من رموز المعارضة الزائفة التي سمنت كروشها بأموال المصريين أو أموال الدول المتربصة بمصر.. أن تعلن مسؤوليتك التامة عن ما أزهقته من أرواح واستعدادك لتحمل عقوبة القصاص.. أن تعلن أن الرئيس الشرعي هو الدكتور محمد مرسي.

لو فعلت ذلك حقا، فثق أنك ستجد من جموع الشعب المصري -التي تميز صدق الحديث من "التمثيل العاطفي" - عونا وظهيرا لك حتى يكتمل مرادك.

تخاف من القصاص وذهاب الجاه والمنصب؟ لا بأس عليك من القصاص إن صدقت توبتك فقصاص الدنيا أهون كثيرا من قصاص يوم القيامة.

وأنت في أغلب الظن لن تعيش خمسين سنة أخرى لن تصفو لك منها إلا بضعة أيام إن أكملت السير في طريقك المشؤوم.. وما خمسون عاما في شقاء السلطة يعقبها خلود في النار كما قال الله عز وجل:  (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)، وأنت قتلت آلافا وعذبت عشرات الآلاف.

والأمر إليك إما أن تختار أن تكون من (الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)، أو أن تكون من (الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون).

 فانظر ماذا ترى.