كتاب عربي 21

الإخوان .. ووهم تكرار يناير !

1300x600
تطورات سريعة في المشهد المصري تأخذ بأطراف الصراع نحو تحولات في الموقف والسلوك السياسي، فبعد أن اقترب موعد التصويت على الدستور وتزايدت دعوات التصالح السياسي مع فرقاء ما يعرف بثورة يناير، توجه الخطاب نحو تذليل الصعوبات أمام "التوافق" السياسي كما يبدو من استراتيجية الإخوان وسلوكهم في الفترات الأخيرة، للاستعداد لمرحلة "يناير" وتوظيف ما نتج على السطح من بوادر غضب شعبي يتوهمه البعض ضد الانقلاب العسكري بسبب فشل الأخير السياسي في تصحيح الأوضاع الاقتصادية والسياسية وتزايد كلفة القمع.
هذا الرهان على تكرار اللحظة الأولى للثورة هو ما يطمح له من يقف وراء الدفع بهذه التوجهات التوافقية في السلوك السياسي الإخواني، وهذا الرهان لايتوقف عن "الحلم" بأن تكرار ذات المشهد ممكن وفعال، وهذا في وجهة نظري بعيد عن الواقع ونتائج التجربة ، مع إيماني بأنه من الممكن تكرار ذات المشهد "الحشدي" لكنه ليس بالإمكان مطلقا تكرار ذات النتائج، ولهذا الرأي عندي منطلقات. 
إن ما حدث في يناير 2011 لا يمكن اعتباره ثورة مكتملة الأركان أسقطت نظام وأتت بنظام جديد، بل إنها في عداد أنصاف الثورات وإلا لما أسلمت أمرها في أول يوم للمنظومة العسكرية. إن يناير كانت حالة غير واعية بحقيقة "العصابة" الحاكمة في مصر، وغير واعية بحجم مسؤولية العسكر والجيش مسؤولية مباشرة عن تدني مستويات الديمقراطية وكثير من فصول الفساد الاقتصاد ، ولم تكن مدركة أن آليات توطين العسكريين المتقاعدين في كل مفاصل الدولة ومراكز الحكم المحلي هو سبب رئيسي للفساد والترهل في مؤسسات البلاد. 
وعندما قامت ثورة يناير لم يكن الثوار يعون كذلك عمليات تصعيد رجال أعمال من خلفيات عسكرية ومخابراتية ليصبحوا المسيطرين على مجال أعمال القطاع الخاص،  وكذلك ليكون فسادهم مغطى بمرجعية "الأمن القومي"، بشركاتهم التي يختلط رأس المال المخابراتي فيها بالشخصي، ولم يكن واضحا قبل يناير أن كل تلك التداخلات هي ما أنتج الفساد وليس فقط "شلة جمال" الوريث.
وإضافة لذلك، فإن حالة يناير لم تكن تصطدم اصطداما مباشرا بمصالح الجيش، إن لم تكن تلتقي معه فيها، فالجيش وعصابته الاقتصادية كانوا على تنافس مع عصابة "جمال"  الوريث ومجموعة مدنيي الاقتصاد، الذين كانوا يعدون أنفسهم لوراثة الاقتصاد والسياسة أيضا وتصفية سطوة الجيش تدريجيا، حيث كان جمال يعد نفسه كأول رئيس مدني لمصر وخلفه تشكيلات اقتصادية تتهيأ للانقضاض على مساحات "البيزنيس" الجديدة وتحجيم فرص العسكريين بها. ويكفي هذا التنافس لفهم أن ثورة يناير التي احتفت بالجيش واسقطت مشروع جمال مبارك لم تكن لتصطدم مع العسكر وإنما التقت معه في نقطة إزاحة المنافس، و إن اختلفت معه لاحقا واصطدمت به إلا أن ماكينة العسكر الاعلامية والسياسية والأمنية نجحت كما نرى في تصفية هذه الحالة في سنتين والعودة بمشروع العسكر السياسي من خلال طوفان من التأييد الشعبي والثوري أيضا!
و?جل ذلك كله، فإن التعويل على "يناير" أخرى بذات المفاهيم وتوقع ذات النتائج هو ضرب من "الوهم" السياسي المدفوع بجرعات أمل لا أساس لها من واقع أو سياسة، فإسقاط مبارك في يناير لم تكن القيمة الكبرى فيه للحشود فقط وإنما لموقف القوة العسكرية الكبرى في البلاد، التي حسمت الصراع مبكرا واتخذت شكل الحياد لتترك مبارك منفردا يحاول دون جدوى وبذلك فهي قد انحازت لمصالحها وللحراك الذي سينتهي بإسقاط مشروع منافسيهم السياسي والاقتصادي .
وفي يناير 2014 لن يكون موقف القوة العسكرية في البلاد هو ذاته الموقف القديم مطلقا، فموقف الجيش من "رابعة" وسفكه لدم الآلاف أسقط اسطورة حرمة الدم المصري وأكد على أن الجيش سيتورط مجددا في لعبة الدم حين يشعر بتهديد مشروعه السياسي. كذلك فإن أغلب النخب والكيانات السياسية ترى في الإخوان وليس الجيش الخطر الأكبر، كما أن تحالفهم مع العسكر حاليا وصمتهم على دماء الآلاف وموافقتهم على الانقلاب العسكري ومنحه شرعية سياسية ونخبوية لهو أمر يجعل التعويل على مثل هؤلاء (كالمستجير من الرمضاء بالنار)، بل هو أشبه بمن تعلق بقشة نتنة تغرق من يتعلق بها وتلوثه. وقد أثبتت تجربة السنوات الثلاثة الماضية أن هذه النخب والكيانات السياسية لا تملك عمقا شعبيا ولا حشديا، وأن لعبة الحشود والعمق الشعبي مقسمة مابين أنصار العسكر وفلول النظام من جهة وبين الإسلاميين من جهة أخرى، أما البقية فهم مع من غلب، وهم مجرد رتوش وماكياجات سياسية، ولذلك فإن التعويل عليهم نوع من الوهن والوهم. 
ويبقى البعد الأخير وهو المهممن وجهة نظري، وهو الاختراق المخابراتي والأمني لهذه القوى السياسية المدنية وحتى الشبابية منها، فحركة تمرد التي كانت تتحكم المخابرات في مفاصلها كما اعترف كثيرون منهم وكما نعلم نحن من وقائع السياسة ومآلاتها، لن تتحول فجأة لتيار ثوري يواجه النظام الذي أتى بها عن وعي وقصد وفهم ! ، وكذلك فإن الشروط التي يملونها للتوافق هي شروط مآلها إنهاء القضية الأولى "الانقلاب" ودفن المظلومية الكبرى "رابعة - النهضة - الحرس - المنصة"  بحصيلة آلاف الشهداء و التخلي عن مرجعية الحق القانوني والسياسي "الشرعية - الدستور"  والدخول في معركة "وهمية" تسمى "إسقاط حكم العسكر" كعنوان فضفاض مترهل لا يمتلك مرجعية الحق الشرعي ولا المظلومية ولا مرجعية الحق السياسي، ليصبح بذلك التوافق مجرد غطاء لعملية التخلي الممنهجة عن القضية دون أن يشعر الإخوان ومعارضو الانقلاب بهذه الكارثة. 
وختاما، فإن إسقاط الانقلاب العسكري مهمة طويلة وشاقة، وأول المشقات هي إدراك وفهم طبيعة الصراع وعقلية الآخر، والتخلي عن الطيبة والسذاجة والفكاك من براثن التلاعب المخابراتي بعناوين الصراع، والتمسك بعنوان واضح وصريح للقضية بناء على مرجعيات الحق والمظلومية.