مقالات مختارة

إيران دولة احتلال...

1300x600
الاحتلال الإيراني لسورية المدعوم من صنائعها من ميليشيات "حزب الله" في لبنان ولواء أبي الفضل العباس وعصائب أهل الحق في العراق والحوثيين في اليمن، حقيقة ثابتة لا تُخفى على الناس. فقد أكد حسن نصر الله مراراً وجود ميليشياته تحارب إلى جانب قوات النظام الطائفي في سورية، وأعلن في آخر خرجة إعلامية له أن "حزب الله" باق في سورية ولن يغادرها دفاعاً عن النظام. كما اعترف قادة الميليشيات الأخرى بوجودهم هناك أيضاً. وإذا كانت إيران تنفي وجود قوات لها تحارب في سورية مع النظام، فالواقع بحقائقه الدامغة ينفي نفيها.

فالحرب الضروس المشتعلة اليوم في سورية هي حربٌ تخوضها إيران لإبقاء نفوذها في المنطقة قوياً ومؤثراً. وهي كذلك تحتل لبنان عبر حزبها الممسك بزمام الأمور، والذي يفشل كل المبادرات الوطنية لتشكيل الحكومة، ويهدد الدولة اللبنانية، وينتهك سيادتها. وبذلك تبسط إيران نفوذها الكاسح أيضاً على هذا البلد العربي الذي ما إن خرج من سطوة الاحتلال السوري حتى وجد نفسه محاصراً ومقيداً ومغلوباً على أمره ومهدداً بسلاح حزب إيران الذي يشهره في وجه المواطن اللبناني، ويهدد به الدولة اللبنانية التي قامت على قاعدة عريضة من العيش المشترك والسلم الأهلي وتوافق أتباع الطوائف الدينية على مبادئ دستورية توفر لهم المناخ الملائم للتعايش في ظل الوحدة الوطنية التي تجمع كل الأطياف في الدولة اللبنانية الواحدة.

وإيران كذلك تحتل ثلاث جزر عربية، هي جزء لا يتجزأ من دولة الإمارات العربية المتحدة. وكان هذا الاحتلال الذي حدث في عهد الشاه مطلع السبعينات من القرن الماضي، قد تمّ بتواطؤ مع بريطانيا عهدئذ التي كانت تهيمن على إمارات الخليج العربي. أما اليوم فقد أصبح النفوذ الإيراني يمتدّ إلى العراق وسورية ولبنان واليمن، ويهيمن على جزء كبير من المعارضة الشيعية في البحرين التي فرطت في الولاء للوطن، وولت وجهها شطر طهران بالولاء الطائفي والارتباط السياسي ضدّاً على مصالح الوطن وسيادته وأمنه واستقراره.

وإذا كانت إيران قد احتلت الجزر الإماراتية الثلاث: أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى، بدعم مباشر من بريطانيا التي أرادت، قبل أن (ترحل) عن المنطقة، أن تزرع بذور الفتنة وتخلق بؤراً للتوتر الدائم، فإن الاحتلال الإيراني لسورية جرى بدعم غير مباشر (ولربما كان دعماً مباشراً) من القوى العظمى، خصوصاً روسيا التي تقف بكل تعنت ضد الشعب السوري المظلوم، والولايات المتحدة الأميركية التي رفضت أن تتدخل – ولا تزال ترفض - لإنقاذ الشعب السوري من بطش هذا النظام المتوحش وجرائمه، وتجاهلت، أو غضت الطرف عن الجرائم التي يرتكبها النظام، ثم تفاهمت مع روسيا على صفقة مشبوهة شجعت إيران وصنائعها على التمادي في احتلال سورية والسيطرة على النظام الحاكم فيها والمسارعة إلى دعمه وإنقاذه من السقوط.

واللافت للانتباه بشدة أن الاحتلال السوري للبنان الذي بدأ عام 1976، كان هو الآخر بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأميركية، وبتواطؤ مع القوى الغربية الأخرى، وخصوصاً فرنسا. فهل حدثت كل هذه المصائب بدعم من القوى الدولية مصادفة؟ لا مصادفة هنا ولا ارتجال ولا خبط عشواء في السياسات الغربية، وإنما هناك تصميم أكيد على إفساد الحياة في المنطقة وتدمير الأوضاع فيها، وإيجاد حالات من الاضطراب والتفكك لمصلحة القوى العظمى ولمصلحة ربيبتها إسرائيل. فهؤلاء لا يريدون للعرب ولا للمسلمين أن يعيشوا في ظل الأمن والسلام والاستقرار والتنمية الشاملة.

ولذلك أوعزت القوى الدولية النافذة إلى النظام الطائفي في سورية، في منتصف السبعينات، للزحف على لبنان واحتلاله بالكامل، كما أوعزت إلى النظام الطائفي في إيران بعد تعاظم مدّ الجيش الحر، وعندما اشتدت الأزمة في سورية وضاق الخناق على العصابة الحاكمة، بأن تتدخل في هذا البلد العربي، وأن تحتله احتلالاً يراه بـعضهم دعماً ومسانـدةً، ولكنه في حقيقة الأمـر، احتـلال عسكري مباشر، ما في ذلك أدنى شك.

إن السياسة الطائفية التوسعية التي تمارسها إيران تعمد إلى التغطية على احتلالها لسورية ولبنان والعراق والجزر الإماراتية وتدخلها في البحرين واليمن، بإثارة موضوع الطائفية، وتوجيه الاتهام إلى دول الخليج العربية بإضرام نار الفتنة الطائفية، بينما هي التي تؤجج النعرات الطائفية وتشجع على ممارسة سياسة طائفية تثير الفتنة داخل البلد الواحد، وتفتت الوحدة الروحية والثقافية التي تجمع العرب والمسلمين جميعاً، وهي التي تعمل بكل الوسائل لنشر المذهب الذي تعتنقه ومحاربة المذاهب التي تخالف العقيدة التي تدين بها، وتتهم وصنائعُها الثوارَ السوريين بأنهم طائفيون، بينما هي أم الطائفية التي تحيي عداوات تجاوزها الزمن، وتبث الكراهية والضغينة والتطاحن بين أهل القبلة الواحدة، كل ذلك أمام أنظار المجتمع الدولي الذي بدا واضحاً أنه يتساهل معها إن لم يكن يتواطأ معها، ضد العرب والسنّة منهم خصوصاً.

هذا الوضع الخطير الآخذ في التدهور، يتطلب تضافر جهود الدول العربية كافة، للتصدّي لهذا المدّ الطائفي، لأنه يهدّد الأمن والاستقرار في المنطقة، ويُحدث الفتنة بين المسلمين، ويستهدف إضعاف الدول العربية، وتهيئة الأجواء للهيمنة المباشرة عليها باسم المقاومة والدفاع عن فلسطين. والحقيقة المرة أن إيران وإسرائيل تشتركان في الاحتلال وفي أمور أخرى الزمن كفيلٌ بكشفها.

إنه زمن الاحتلال الطائفي الذي تقوم به إيران، هذا الذي نعيشه في هذه المرحلة الحرجة، وهو الأمر الذي يقتضي من الدول العربية كافة، التحرك في الاتجاه الصحيح، لحماية استقلالها الوطني وسيادتها على أراضيها، وحماية معتقداتها الدينية وخصوصياتها الثقافية من خطر الزحف الطائفي التكفيري.

* أكاديمي سعودي

(عن صحيفة الحياة)