كتب

كتاب "تشريح الكراهية".. قراءة جديدة للعنصرية والتحريض

يتعقّب المؤلّف عبر فصول الكتاب كيف تتستّر العنصرية والتعصب والتحريض أحياناً خلف مقولات محبوكة وذرائع منسوجة وأقنعة مُضلِّلة..
يسود انطباع بأنّ أُمَم الحاضر تجاوزت أنماطاً عنصرية صريحة عرفتها مِن قبل أو لم تَعُد تحتفي بها أو لعلّها أزاحتها إلى الهوامش، في ظلّ التوافق الأممي على نبذ العنصرية وذمّ الكراهية وإعلاء مقولات المبادئ والقيَم. يُغري هذا الاستنتاج المتسرِّع بإغفال قدرة خطابات العنصرية والتشويه والتحريض والتفرقة على إعادة إنتاج ذاتها بما يراعي مُتغيِّرات من حولها، إلى حدّ التكيّف مع شعارات مبدئية سائدة وارتداء عباءة القيَم أحياناً، مع التعبير عن ذاتها من منصّات ثقافية وفكرية ترقى فوق منسوب الشكّ والاشتباه.

ولأنّ أمم الحاضر ما عادت تحتفي بالعنصرية على النحو الذي عهدته البشرية في مراحل خلت؛ فإنّ الأنظار قد تغفل عن خطابات عنصرية مُتذاكية أو عن مقدِّمات تبريرية داعمة للتفرقة والكراهية والعنصرية، كأن تأتي في قالب هُويّاتي أو ثقافي قد لا يوحي من تلقائه بنزعة ذميمة أو بتوظيف ذرائعي، أو أن تظهر مع ديباجة قيمية وأخلاقية مكرّسة لمنحها حصانة ترفعها فوق النقد والاشتباه.

يكشف كتاب جديد عن مسالك العنصرية والتعصُّب والتحريض في الاجتماع الإنساني الحديث من خلال مقاربات متعددة في الرصد والتشخيص والتحليل والتفسير؛ ويُنبِّه إلى أهمِّية التصرُّف الجادّ في مواجهة هذه الظواهر والنزعات التي تُعيد إنتاج ذاتها في المجتمعات الحديثة.

صدر الكتاب تحت عنوان "تشريح الكراهية ـ مسالك العنصرية والتعصب والتحريض في الاجتماع الإنساني الحديث" لمؤلفه الأستاذ حسام شاكر عن منظمة "متحدون ضد العنصرية والطائفية"، وجامعة طرابلس لبنان، ومكتبة الأسرة العربية، وهو بمثابة مهمّة تشريح دقيقة مع نظر فاحص في أعماق هذه الظواهر والنزعات.

تتوزّع موضوعات الكتاب الواقع في 224 صفحة على سبعة عشر فصلاً تُنقِّب عن نزعات وظواهر وخطابات وتواطؤات، وتكشف من بعض الوجوه عن صلة الحاضر بالماضي؛ كما يتجلّى مثلاً مع خطابات كراهية وعنصرية تقليدية تسلّلت إلى مجتمعات عصرية تحت عباءة التنوير والعصرنة والمبادئ أحياناً.

يتصدّى حسام شاكر في هذا الكتاب المهمّ لفحص الكراهية العمياء والعنصرية المقيتة والتعصّب الجامح والتحريض المُغالي من وجوه متعددة ودراسة حالات وتجارب، فلا غنى عن تشخيص هذه الظواهر والنزعات التي تنتاب المجتمعات الإنسانية وقد تأخذ بناصيتها وتفتك بنسيجها وتذهب بحاضرها ومستقبلها.
يُظهر الكتاب قابلية العنصرية للحضور في الاجتماع الإنساني الحديث، وإعادة إنتاج ذاتها مستخدمة تعبيرات متعدِّدة ومستعملة إيحاءات واستعارات شتّى تتكيّف مع المتغيِّرات والظروف. يجري ذلك رغم أنّ البشرية ودّعت عهد الاستعمار التقليدي وإن بقيت بعض ذيوله، وتجاوزت تقاليد العنصريّات التقليدية التي صرّحت بالتفوُّق العرقي والاستعلاء السلالي وأظهرت التعالي على مكوِّنات أخرى من الأسرة الإنسانية أو حتى شركاء الأوطان، فالإعلانات والمواثيق والالتزامات المقرّرة على المستوى الأممي أعلنت الفكاك من هذه النزعات ونبذتها بوضوح، لكنّ واقع الممارسات والتطبيقات يكشف عن إعادة إنتاج ظواهر قديمة بأثواب جديدة كما يتّضح من فصول هذا الكتاب.

يكتب الدكتور عبد الكريم بكار، الأمين العام لمنظمة "متحدون ضد العنصرية والطائفية" في التقديم الأوّل للكتاب: "إنّ الصديق الأستاذ حسام شاكر قد قام بعمل مهمّ حين شرّح العنصرية بفكره المستنير وبصيرته النافذة، وكشف عن الأسس النفسية العميقة التي تدفع بعض الناس إلى أن يكونوا عنصريين وطائفيين ومغلقين، ومتعصبين لانتماءاتهم واختياراتهم، وهو بهذا العمل الجليل يدقّ مسماراً في نعش الكراهية التي يُشيعها العنصريون والطائفيون في أماكن كثيرة من العالم". ويضيف الدكتور بكار "إنّ منظمة متحدون ضد العنصرية والطائفية تبدي اغتباطها بنشر هذا العمل العلمي الذي يقدِّمه واحد من كبار مثقفيها في لغة لا تنقصها الدقة والبلاغة والعمق".

وفي التقديم الثاني يكتب الدكتور رأفت محمد رشيد ميقاتي، رئيس جامعة طرابلس لبنان: "إنّ هذا الكتاب الجديد يمكن توصيفه بكل وضوح بأنّه بمثابة الصورة الشعاعية الدقيقة لمكامن الكراهية وأوْرامها والتهاباتها في المجتمعات الحديثة، مقرونة في الوقت نفسه بمسارات العلاج عبر التحذير من المفاهيم المضللة والمقاربات الخاطئة في مواجهة العنصرية المعاصرة". ويضيف الدكتور ميقاتي "نبارك للمؤلف الكريم هذا العمل الفكري الهامّ، سائلين الله تعالى أن يسهم هذا الإنتاج الفكري الثقافي في تصحيح بوصلة مجتمعات واسعة حول العالم".

يتصدّى حسام شاكر في هذا الكتاب المهمّ لفحص الكراهية العمياء والعنصرية المقيتة والتعصّب الجامح والتحريض المُغالي من وجوه متعددة ودراسة حالات وتجارب، فلا غنى عن تشخيص هذه الظواهر والنزعات التي تنتاب المجتمعات الإنسانية وقد تأخذ بناصيتها وتفتك بنسيجها وتذهب بحاضرها ومستقبلها.

ويتعقّب المؤلِّف عبر فصول الكتاب كيف تتستّر العنصرية والتعصب والتحريض أحياناً خلف مقولات محبوكة وذرائع منسوجة وأقنعة مُضلِّلة؛ فتعيد إنتاج ذاتها في زمن الشعارات المبدئية والالتزامات الأخلاقية وقد تتعالى على قابلية التشخيص وتعطِّل فرص المُساءلة.

يمثِّل هذا الكتاب إضافة نوعية في محاولة الفهم والتفسير والوقوف على منابت هذه الظواهر والنزعات وتشخيص أطوارها ورصد أعراضها وتبيان مسالكها. إنّها مهمّة تشريح باشرها المؤلف من خلال تركيز النظر الفاحص، وتحديد مكامن الخلل بدراية واستعمال المبضع في مواضعه بعناية.