نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية، مقالا، للصحفي إيشان ثارور، قال فيه "إن مسؤولا أمريكيا رفيع المستوى حذر نظراءه الإسرائيليين، خلال حوار حاد في وقت سابق من هذا الشهر، من الضّرر الذي قد يلحق بسمعتهم نتيجة للحرب المستمرة في
غزة".
وأشار المقال إلى "المذكرة الداخلية للحوار التي شارك فيها مساعد وزير الخارجية، بيل روسو، والتي حصل عليها مراسل الإذاعة الوطنية العامة (NPR)، دانييل إسترين، قدّمت مثالا آخر على الخلاف بين إدارة بايدن وإسرائيل، والذي كان مدفوعا إلى حد كبير بالقلق الأمريكي المتزايد من الخسائر الإنسانية الناجمة عن الصراع ودور إسرائيل في جعل الأمور أسوأ، حتى في الوقت الذي تحمي فيه
الولايات المتحدة إسرائيل في المنتديات الدولية وتساعد في تجديد آلة الحرب لديها".
وتابع: "وفقا لـ NPR، قال روسو في مكالمته الهاتفية في 13 آذار/ مارس إن إسرائيل، والولايات المتحدة، باعتبارها الضامن الأمني لإسرائيل وحليفها الوثيق، يواجهان "مشكلة مصداقية كبيرة" بسبب الحرب، وعدد القتلى الفلسطينيين المذهل (الآن أكثر من 32 ألف شخص)، والمجاعة التي هي من صنع الإنسان والتي تجتاح المناطق المدمرة في
قطاع غزة، والإحباط العالمي المتزايد إزاء إصرار إسرائيل على إطالة أمد الحرب للقضاء بشكل كامل على حركة حماس المسلحة".
وجاء في المذكرة: "يبدو أن الإسرائيليين غافلون عن حقيقة أنهم يواجهون ضررا كبيرا، ربما على مدى أجيال، لسمعتهم ليس فقط في المنطقة ولكن في أماكن أخرى من العالم. نحن قلقون من أن الإسرائيليين يفتقدون الرؤية الشاملة ويرتكبون خطأ استراتيجيا كبيرا في إهمال الضرر الذي لحق بسمعتهم".
"وسخر محاور روسو الإسرائيلي من هذا الادعاء، مشيرا إلى أن الغضب تجاه إسرائيل أكثر انتشارا عبر الإنترنت وعلى منصات التواصل الاجتماعي مثل تيكتوك مقارنة بالعالم الحقيقي، وفقا للمذكرة" يضيف المقال، متابعا: "ويتوافق هذا الرأي مع الرفض الإسرائيلي الحالي للانتقادات الخارجية، بما في ذلك التأكيدات الأخيرة على أنها لا تتعارض مع القانون الدولي من خلال تقييد تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة".
وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، السبت، للصحفيين عند معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر. فيما قال في معرض حديثه عن محنة الفلسطينيين في غزة، الذين نزح الجزء الأكبر منهم من منازلهم ويعانون الآن من الجوع: "الناس في جميع أنحاء العالم غاضبون من الفظائع التي نشهدها جميعا في الوقت الحقيقي.. إنني أحمل أصوات الغالبية العظمى من العالم: لقد رأينا ما يكفي، لقد سمعنا ما يكفي".
ولا يزال المسؤولون الإسرائيليون غير متأثرين. وفي اليوم نفسه، وبينما كرّر نظراؤه في الأمم المتحدة الدعوات إلى وقف فوري لإطلاق النار وتحقيق هدف أعمق يتمثل في حل الدولتين، تحدث جلعاد إردان، سفير دولة الاحتلال الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، بدلا من ذلك على الحاجة إلى فرض برنامج غامض لـ"القضاء على التطرف" على كافة السكان الفلسطينيين. وقال إن غالبية الفلسطينيين لا يريدون السلام وشبههم بالألمان الخارجين من الرايخ الثالث.
وجاءت تصريحاته في الوقت الذي فشل فيه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرّة أخرى في الاتفاق على قرار يدعو إلى شكل من أشكال الهدنة في الصراع. هذه المرة، بعد سلسلة من استخدامات الفيتو الأمريكية، طرحت إدارة بايدن مشروع قرار خاص بها لم يصل إلى حد المطالبة بوقف إطلاق النار فعليا، لكنه استشهد بـ"حتمية" تحقيق ذلك. واستخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد المحاولة التي أيدتها 11 دولة في الهيئة المكونة من 15 دولة.
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة من الجزائر، التي صوتت أيضا ضد القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة، أن "هذا القرار يسمح ضمنيا باستمرار وقوع خسائر في صفوف المدنيين ويفتقر إلى ضمانات لمنع المزيد من التصعيد. إن الاستمرار في قتل المدنيين الفلسطينيين هو جواز مرور".
يجد المسؤولون الأمريكيون أنفسهم في مأزق غير مريح. إنهم يخدمون على المسرح العالمي حكومة الاحتلال الإسرائيلي المعزولة بشكل متزايد ولا تحظى بشعبية، بينما يحاولون بشكل متقطع وراء الكواليس إقناع رئيس الوزراء اليميني، بنيامين نتنياهو، بالسير في طريق مختلف، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وأوضح
المقال نفسه: "قد تمسّك نتنياهو بموقفه ورفض مؤخرا طلبات من وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، لإعادة النظر في الهجوم العسكري الذي يلوح في الأفق على رفح".
وفي الوقت نفسه، يقوم زعماء العالم في أماكن أخرى، وحتى الحلفاء، بتوبيخ الولايات المتحدة لتواطئها في الأزمة المستمرة. وقال رئيس الوزراء الأيرلندي، ليو فارادكار، في ظهور مشترك في البيت الأبيض، مع الرئيس، بايدن، في يوم القديس باتريك: "عندما أسافر حول العالم، يسألني القادة في كثير من الأحيان عن سبب تعاطف الأيرلنديين الكبير مع الشعب الفلسطيني. الجواب بسيط: نحن نرى تاريخنا في عيونهم. قصة تهجير وسلب، وهوية وطنية موضع شك وإنكار، وهجرة قسرية، وتمييز، والآن الجوع".
ذكر زملائي في تقاريرهم، الأسبوع الماضي، أن "الإدارة سعت إلى الضغط على إسرائيل للعمل من أجل وقف إطلاق النار لمدة أسابيع، مما يتيح زيادة كبيرة في المساعدات، دون الذهاب إلى حد وقف تسليم الأسلحة لمواصلة حربها ضد حماس"، فيما أصبح التناقض غير مقبول ويؤدي إلى انقسامات أكثر وضوحا داخل إدارة بايدن.
وقال أحد مستشاري البيت الأبيض، لزملائي: "إن الوضع الإنساني لا يطاق بالمعنى الحرفي للكلمة، إنه آفة على وعي الإنسانية. هذا النوع من الأشياء لا يمكن أن يحدث في العصر الحديث. إن الوضع الإنساني هو الذي دفعنا إلى تجاوز الخط إلى مواجهة مفتوحة مع الإسرائيليين".
وفي واشنطن، حاولت مجموعة من 17 عضوا ديمقراطيا في مجلس الشيوخ تكثيف الضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي، ودعوا إدارة بايدن إلى رفض المزاعم الإسرائيلية بأنها لا تنتهك القانون الدولي من خلال تقييد المساعدات الإنسانية. وجاء تدخلهم في وقت يتزايد فيه الجدل داخل بعض الدوائر في واشنطن حول تعليق عمليات نقل الأسلحة إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلية.
إلى ذلك، قال السيناتور، كريس فان هولين (ديمقراطي عن ماريلاند) لزملائي: "لا أرى كيف يمكن لأي شخص أن يحدد الوضع داخل غزة في الوقت الحالي، مما يشير إلى وجود نظام مقبول لتوصيل المساعدات الإنسانية، ومن الواضح تماما أن القيود التي فرضتها حكومة نتنياهو هي السبب الرئيسي في الأزمة الإنسانية هناك".
وبشكل منفصل، أصدرت منظمتا حقوق الإنسان أوكسفام، وهيومن رايتس ووتش، تقريرا مشتركا، الأسبوع الماضي، يوثق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المزعومة في إعاقة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة. ودعوا إدارة بايدن إلى الالتزام بالقانون الأمريكي وتعليق عمليات نقل الأسلحة على أساس أن تأكيدات الاحتلال الإسرائيلي بأنها لا تتعارض مع القانون الدولي لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد.
وقالت سارة ياجر، وهي مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن، في بيان: "هناك أسباب وجيهة وراء حظر القانون الأمريكي دعم الأسلحة للحكومات التي تمنع المساعدات المنقذة للحياة أو تنتهك القانون الدولي بالأسلحة الأمريكية.. نظرا للأعمال العدائية المستمرة في غزة، فإن تأكيدات الحكومة الإسرائيلية لإدارة بايدن بأنها تفي بالمتطلبات القانونية الأمريكية ليست ذات مصداقية".
وختم
المقال بالقول إنه "في الوقت الراهن، فإن مشكلة مصداقية دولة الاحتلال الإسرائيلي هي أيضا مشكلة الولايات المتحدة".