ملفات وتقارير

لماذا ترفض مصر تواجد إثيوبيا على البحر الأحمر.. تهديد أم تنافس؟

قلل السفير المصري من قدرة إثيوبيا على تهديد أمنها القومي رغم إضرارها بمصالح مصر المائية- الأناضول
تنظر مصر بـ"عين الريبة والشك إلى مطامع إثيوبيا" في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل والبحيرات ورغبتها في إقامة قاعدة عسكرية وتجارية على البحر الأحمر من خلال اختراق حدود دولة الصومال وعدم قدرتها بسط سيطرتها على كافة الأقاليم.

وأعربت مصر عن رفضها لتلك الخطوة واعتبرتها تأتي ضمن تزايد التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول في المنطقة وخارجها الخطرة، التى تقوض من عوامل الاستقرار فى منطقة القرن الأفريقى، وتزيد من حدة التوترات بين دولها

ودعت إلى الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها، مؤكدة معارضتها لأية إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، مشددةً على حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده.

وطالبت مصر الامتناع عن الانخراط في إجراءات أحادية تزيد من حدة التوتر وتعرض مصالح دول المنطقة وأمنها القومي للمخاطر والتهديدات، وضرورة احترام أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها.


ومطلع العام الجاري، وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم "أرض الصومال"، تمهد الطريق لبناء قاعدة عسكرية وتطوير ميناء بربرة  التجاري على البحر الأحمر، ولا تطل إثيوبيا على سواحل أو شواطئ، بعد انفصال إريتريا المطلة على البحر الأحمر عنها عام 1993.

إقليم أرض الصومال (صوماليالاند) لا تتمتع باعتراف رسمي منذ إعلانها الانفصال عن الصومال عام 1991، ولكنها كونت إقليما مستقلا إداريا وسياسيا وأمنيا، في ظل عجز الحكومة المركزية عن بسط سيطرتها على الإقليم.

قررت الصومال إفشال الخطوة الإثيوبية، ووقع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، مساء السبت، على قانون إلغاء الاتفاقية بين حكومة إثيوبيا والصومال؛ وهي الاتفاقية التي كان قد وافق عليها مجلس برلمان الصومال، في وقت سابق.


الصومال تنقض الاتفاق

وفي تغريدة له على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقا) قال شيخ، إن "مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال غير قانونية"، مضيفا أنه "بدعم من مجلس الشيوخ والنواب والشعب الصومالي، وقعت على إلغاء الاتفاقية، لأنه يعد هذا القانون مثالاً على التزامنًا بحماية وحدتنا وسيادتنا وسلامة أراضينا وفقًا للقانون الدولي".

وأعلنت الحكومة الصومالية، الثلاثاء، استدعاء سفيرها في أديس أبابا للتشاور، وصرح رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري، في وقت سابق، بأن الصومال ستدافع عن أراضيها "بشتى السبل القانونية الممكنة".

في المقابل، وصفت إثيوبيا الاتفاق بالتاريخي، وقال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عبر منصة "إكس" إن الاتفاق "سيفتح الطريق أمام تحقيق تطلع إثيوبيا إلى تأمين وصولها إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية".

تعتبر جيبوتي منفذ إثيوبيا، ثاني أكبر بلد أفريقي من حيث عدد السكان، وتعتمد عليها بشكل رئيسي في التجارة الدولية، حيث يمر أكثر من 95% من وارداتها وصادراتها عبر ممر "أديس أبابا-جيبوتي" مقابل 1.5 مليار دولار سنويا.



لماذا ترفض مصر الخطوة الإثيوبية؟
بشأن التحرك الإثيوبي على البحر الأحمر من خلال قاعدة عسكرية أو ميناء تجاري، وصف مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، حسين هريدي تلك التحركات "بأنها تأتي ضمن مساعي إثيوبيا في زعزعة استقرار المنطقة والقرن الأفريقي؛ لأنه لا يجوز الاتفاق مع كيان انفصالي وتجاهل الحكومة المركزية، وبالتالي فهو اعتداء سافر على سيادة دولة عربية".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "أرض الصومال لا تتمتع بأي اعتراف عربي أو أفريقي أو حتى دولي، سوى إثيوبيا ولذلك هي تراهن على الاعتراف بهذا الكيان مقابل الوصول إلى منفذ بحري على البحر الأحمر، وهذا انتهاك لميثاق الاتحاد الأفريقي وميثاق الأمم المتحدة وهذا هو المنطلق الذي أسست عليه مصر موقفها من تلك الاتفاقية غير القانونية".

وقلل السفير المصري من قدرة إثيوبيا على تهديد أمنها القومي رغم إضرارها بمصالح مصر المائية، مؤكدا أن "مصر قادرة على حماية مصالحها في البحر الأحمر والقرن الأفريقي"، مشيرا إلى أن "إثيوبيا تحاول أن تكون قوة إقليمية في المنطقة ولكن لديها طموحات أكبر من إمكانياتها وأكبر من مواردها ولا تمثل أي تهديد حقيقي".

وفشلت مفاوضات الساعات الأخيرة بشأن سد النهضة نهاية الشهر الماضي التي استمرت نحو 4 أشهر، والتي استؤنفت بعد أكثر من عامين من إعلان الفشل في التوصل إلى اتفاق ملزم بين دولتي المصب ودولة المنبع في نيسان/ أبريل 2021.

وأرجعت مصر  فشل الاجتماع الأخير من المفاوضات بين الأطراف المعنية إلى "استمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث".


طموحات أم مطامع إثيوبية
في تقديره يقول خبير الشؤون الأفريقية، الدكتور ياسر محجوب الحسين: "أعتقد أن مصر محقة في قلقها من هذا الاتفاق؛ فهو ليس اتفاقا تجاريا تنافسيا أو أن لجمهورية أرض الصومال التراجع عنه بسهولة كبقية الاتفاقات، إذ إن إثيوبيا تتحدث عن ما تسميه بحق سيادي في البحر الأحمر وهذا يتفق مع تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإثيوبي التي قال فيها إن بلاده لن تبقى حبيسة سجن الجغرافيا".

مضيفا لـ"عربي21": "إثيوبيا دولة مغلقة بدون أي منفذ بحري فهي تعتمد على 95% من حركتها التجارية على جارتها جيبوتي، والخطورة في هذا الاتفاق أنه يأتي في وقت يشهد فيه الأمن القومي العربي أضعف حالاته بل يكاد يكون منعدما تماما. فمصر بتوقيعها اتفاق السلام مع إسرائيل أصبحت مكبلة وغير قادرة في أي اسهام استراتيجي امني ضمن منظومة الامن القومي ولا حتى اسهام سياسي. وبهذا اضحت أكثر الدول العربية تضررا من هذا الاختراق الخطير في الأمن القومي العربي".


ويرى الكاتب الصحفي السوداني أن "الاتفاق مع أرض الصومال لا يمنح إثيوبيا منفذا على البحر الأحمر فحسب، وإنما يمنحها قاعدة عسكرية وتتحكم وتتمركز في ساحل بطول 20 كيلومترا لمدة 50 عاما ويضمّ ميناء بربرة، ويشكل ذلك نحو 90%؜ من طول ساحل جيبوتي الذي يبلغ نحو 31 كيلومترا، ولعل إثيوبيا اختارت أرض الصومال غير المعترف بها والمنفصلة عن الصومال من جانب واحد في 1991 لأنها تعتبر كيانا رخوا، وهذا ما يكرس الانفصال في دولة عربية ويمهد لأن تبتلع أثيوبيا كلاهما واحدة تلو الاخرى وهذا هو مخطط اثيوبي استراتيجي على المدى البعيد".

وعن مصادر قوة إثيوبيا، يوضح الحسين أن "إثيوبيا التي تحتفظ بعلاقات قوية مع إسرائيل تجد دعما في مساعيها المغلفة بالاتفاقات التجارية من دولة الإمارات والسعودية، وفي الوقت الذي تنازلت فيه مصر عن جزيرتي تيران وصنافير عند مدخل خليج العقبة شمال البحر الأحمر للسعودية، ما مكن إسرائيل من الحصول على مياه دولية في شمال البحر الأحمر، فإن إسرائيل كذلك ستجد موطئ قدم في جنوبه عبر إثيوبيا وقاعدتها العسكرية المزمع انشاؤها هناك. ومن نافلة القول أن وجود إسرائيل ضمن الدول المطلة على البحر الأحمر يشكل أحد مهددات الأمن القومي العربي وأمن مصر".