مدونات

صفحات عصر الفوضى.. وفلسفة الواقع المر

عربي
التخلف منظومة فاعلة!

ما يجري في واقعنا عمل استقر مع الزمن (مدخلات) فأضحى له قواعد ومهام (كفاءة) ومخرجات ومعايير محض انطباعات متوارثة (فاعلية) ونظام وجمهور (بيئة)، وهذه البيئة تستحدث أساليب للدفاع عن التخلف ليرسخ ويستمر (إعادة تغذية)، فهي منظومة كاملة وبمواصفات المنظومة، وهي تزيد التخلف مع تقدمها وتفاعلها مع البيئة المتخلفة. ودونما شك أن تحديات هذه المنظومة ليس المعلوماتية فحسب، بل التفكير الإيجابي والخروج من الصناديق التي توارثناها عبر الأجيال، وهذا الأمر ذاته يكاد يكون غائبا وغير متبلور، وبهذا لا تكون منظومة تنمية التخلف في مواجهة لتحديات تذكر، بل تحوّل التحديات إلى أدوات لمزيد من التخلف والجهالة والجهل.

بيئة منظومة تنمية التخلف:

اليوم أسوأ من أمس وغدا أسوأ من اليوم، وعدم الرضا ظاهرة مشتركة بين الشيء وضده، مع أن الكل مشارك في هذا الانحدار القيمي والتخلف المدني، فهو أمر طبيعي بغياب الرؤية والعزيمة، ونظرة الناس المتحكمة بها الأنا، تتبنى الروابط الهابطة، فظالمها من رابطتها الهابطة خير من عادل من فئة أخرى، الإعمار ليس بمعيار رغم أن التظلم ليل نهار، ومن ثم غياب العمل المجتمعي. وما وصل إليه واقعنا اليوم، أننا لم نعد مجتمعا وإنما مجموعة من الناس كقطيع بشري يسعى للعيش ويتصارع بعضه مع بعض. وهذا تمام التخلف بغياب الميزة الآدمية باستخدام الميزة العقلية للإعمار ورعاية السلالة، وليس للشر عند ابتعاد الإنسان عن القيم أو الاستسلام للغرائز والحاجات، وهذا أمر بات معروفا اليوم.

السلبية والتذمر والحديث في مناقشة الأمور العامة بطريق أسميتها في مقال سابق "مشكلة اليوم"، التي تعالج بسطحية وبسلبية وبالاستهجان ودون طرح بديل وتنسى عند ظهور مشكلة أخرى. هذا حال من لا رؤية لديه أو عزيمة أو إرادة لإصلاح بغير كلام المجالس.

المسؤول ومن يحمل هذا الوصف أغلبهم يكذب، والناس يعرفون أنه يكذب، وهو يعرف أن الناس يعرفون أنه يكذب، لكن لا حل ولا فهم، ومن يسعى للحلول فهو في واد آخر ويقدم الجواهر في سوق الفحامين، والعامة من الناس انتقلوا من طاعة الصواب والباطل بما يصدر عن حكومة معمرة إلى فقدان الثقة التامة، لكن عقلية الناس المسجونة بالروابط الهابطة تجعل المسجون فيها يدافع عمن يظلمه أو ظلمه لمجرد تحفز تلك الرابطة الهابطة كالعرقية أو الطائفية، أو ما أسسته من انطباعات ومنها الكراهية، وهكذا تلاشت بقايا الأمة كما تفككت الدولة، ولم يعد المواطن إلا ضرورة لاستكمال مفردات الحكم والسلطة.

مدخلات منظومة تنمية التخلف:

شعوب ضعيفة فاقدة للأهلية ليس لأنها لا تمتلك أدوات النهضة، بل لأنها تقتل تلك الأدوات الفكرية والمادية والنخبة الأمل وتذهب إلى القشرية، تحركها غرائزها فلا الظالم يحس بظلمه بل يستأنس به، ولا المظلوم قادر على ردعه. أدوات الظالم كالمظلوم تعيش على أمل إشباع غرائزها وسد حاجاتها، والمظلوم يعيش على أمل الخلاص، فلا رؤية ولا توجه نحو التنمية ولا عاقل يسمع.

كفاءة المنظومة:

أهم ما يجعل المنظومة تنكفئ في التخلف، الآتي:

1- الجهاز المعرفي الذي يدير المنظومة المعرفية لمجتمع يعيش في الماضي، أو لا يتعامل مع المستقبل ويحمل أفكارا قاتلة.

2- مجموعة كبيرة من الأفكار المستوردة ماتت في موطنها، لكن ما زالت فاعلة في منطقتنا.

3- انطباعات عن المعلوماتية والمصطلحات قيدت حركة الفكر كتعريف الثقافة، والموقف، والثبات.

4- تفاهة تمنع ظهور قادة بالفكر مؤثرين على الواقع إيجابيا بغير استخدام العنف، ذلك أن البارز هو التافه، ويظن أن من يحاول الإصلاح متسول على باب لؤمه؛ ذاك اللؤم الذي أوصله للمال والسلطة بحكم طبيعة منظومة تنمية التخلف التي ترفع أرباب التفاهة.

الفاعلية:

فاعلية منظومة تنمية التخلف نراها بوضوح من ازدواج سلوكي واضح وتباين بين العقلية والنفسية، فهنالك مسافة بين الكلام والسلوك وهنالك معاناة أمام من يريد الثبات.. مجتمع يؤمن بما لا واقع له، ويفعل مخالفا لما يزعم الإيمان به، وهذا بسبب البيئة التي ليست هي بيئة نهضة.

إعادة التغذية:

في بيئة كبيئة منظومة تنمية التخلف، حيث الناس يعيشون في الوهم وأمجاد لم تصنعها بل تنظر إلى كينونتها في الماضي، يحصل انفصام بين العقلية والنفسية، خصوصا من يعمق مديات اتصاله في الماضي وبناء واقعه على هذا الالتصاق، وهنا يحصل التناقض الزمكاني، فيولد انحراف في الشخصية وسطحية في المعلوماتية، والفاعل هو العواطف والغرائز الفاعلة بالإثارة، فينتج خلل في الدين مع سوء التدين، وخلل في العلاقات وانحدار القدسية من رفعة اليقين إلى هالة متعايشة مع غرائز أخرى، تنحدر عن الفضيلة في السلوك بمعايير منظومة العقل أيا كان محركها الفكري، وإعادة التغذية بهذه الأفكار والسلوكيات، سيَنتج مزيد من الانحدار الحضاري والتخلف المدني.

تحديات المنظومة:

أهم تحد لمنظومة التخلف هو فكر اليقظة والنهضة، في واقعنا هو فهم الإسلام بشكل صحيح بعيدا عن اعتبار إسقاطات التاريخ دينا، بل باعتبار أن القرآن ينزل اليوم وعلينا أن نتعامل معه باستقراء الواقع واستنباط الحلول من المثاني.

التحدي الآخر هو التعامل مع أهلية الإنسان وحقه في التفكير، وقبول وفهم قواعد التعامل في المجتمع، والتوازن بين فاعلية القيم في المجتمع وحمل تلك القيم عند الناس، بحيث لا تعد سببا للاختلاف، وهذا كله متاح في واقعنا من خلال صالونات الفكر والرأي، وإدارتها بحكمة بما لا يهدد السلم المجتمعي.

ونحن نقلب صفحات عصر الفوضى، علينا أن نتحمل المسؤولية، وألا يكون كل إنسان معجبا برأيه، فالناس يعينون الظالم على الظلم بوسائل عدة منها التشتت، فلا بد أن يتفق حملة الفكر على فهم غايات الفكر ووسائل الحياة المناسبة. فالفكر ليس غاية، والعمل من أجل يقظة الفكر العام ونهضته المدنية بدون استقطاب أو رعوية عددية، وإنما اطرح ما لديك بلا جدل وسر نحو تربية قيادات شابة تصنع الحياة الأفضل مع جمهورها، متعلمة العمل كمجموعة وإن اختلفت فكريا، لكنها تضع لها أيديولوجيا مدنية هي بناء المجتمع الذي يملك الفرد فيه الأهلية، عندها سنستقر إلى حالة ما بدل الفوضى والهامشية.