منذ بدء عملية
"طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف
قطاع غزة، حضر السؤال عن إمكانية دخول
حزب الله إلى المواجهة في نقاشات وتصريحات
كل الأطراف ذات العلاقة بالصراع. ولكن هذا السؤال أصبح أكثر حضورا وإلحاحا مع
إعلان حكومة الاحتلال الحرب، اليوم، وتكثيف العدوان الإسرائيلي الجوي على القطاع.
وحدة الساحات
تصاعد حديث
فصائل المقاومة
الفلسطينية عن "وحدة الساحات" ضد الاحتلال مع معركة
"سيف القدس" في أيار 2021. وتعبر وحدة الساحات عن شمول مقاومة الاحتلال
لأراضي فلسطين التاريخية كافة (غزة، الضفة، القدس، الأراضي المحتلة منذ عام 1948)،
إضافة لقوى المقاومة العربية، وخصوصا حزب الله.
ومع بداية
"طوفان الأقصى"، استدعى القائد العام لكتائب عز الدين القسم محمد الضيف
في خطابه المسجل مسألة "وحدة الساحات"، من خلال مطالبته "للمقاومة بلبنان وإيران واليمن
والعراق وسوريا للالتحام مع المقاومة بفلسطين".
مناوشات "الجبهة الشمالية".. هل تتحول لتدخل
كامل لحزب الله؟
لطالما أعلن حزب الله أنه يقف مع المقاومة
الفلسطينية، ولكن المشكلات التي يعيشها الحزب داخليا وفي سوريا حجمت -حسب مراقبين-
إمكانيته على خوض حرب جديدة مباشرة مع الاحتلال. وقد اكتفى الحزب في أثناء العدوان على غزة في أعقاب
معركة "سيف القدس" في أيار/ مايو 2021، بالسماح بإطلاق صواريخ بدائية من
قبل فصائل أخرى حليفة له في
لبنان حتى لا يتم جره لحرب شاملة مع الاحتلال.
ولكن التساؤلات
حول موقف الحزب في هذه الحرب لا تزال قائمة بسبب حجم العدوان الذي بدأه الاحتلال
ضد قطاع غزة، حيث بدأ القصف الجوي العنيف منذ أمس، وتحدثت وسائل إعلامية عن نية
جيش الاحتلال القيام بغزو بري لغزة خلال اليوم أو اليومين القادمين.
وأعلن حزب الله
الأحد، أنه استهدف ثلاثة مواقع للاحتلال الإسرائيلي في منطقة مزارع شبعا اللبنانية
المحتلة، التي كان بينها موقع الرادار الإسرائيلي. وتجدد القصف من
الحزب بعد قصف جوي نفذه الاحتلال على منطقة تلال كفار شوبا جنوب لبنان.
إعلاميا، أعلن حزب
الله منذ بداية العملية أنه على اتصال مباشر مع قيادة المقاومة الفلسطينية، فيما قال القيادي
الكبير في حزب الله هاشم صفي الدين، اليوم، موجها حديثه للفصائل الفلسطينية
المقاومة؛ إن "سلاحنا وصواريخنا معكم"، وأكد أن الحزب ليس على الحياد في
المعركة القادمة.
ولمح صفي الدين
لإمكانية تدخل الحزب في الحرب، حيث قال: "إذا
تماديتم في هذه الحماقات، فإنها ستنتج هذه المرة طوفان كل الأمة".
ونشرت مصادر إعلامية إسرائيلية أنباء عن أن مصر
نقلت للاحتلال معلومات تؤكد أن حزب الله سيتدخل في الحرب إذا نفذ جيش الاحتلال
غزوا بريا ضد قطاع غزة، وهو الأمر الذي بات وشيكا بحسب صحيفة "واشنطن
بوست" الأمريكية.
وعلى الرغم من اقتراب الحرب البرية كما يبدو، فإن حزب الله لم يعلن رسميا
موقفه من المشاركة في الحرب، وهو ما يضعه في موقف محرج في ظل تأكيد المقاومة
الفلسطينية "وحدة الساحات"، خصوصا مع حجم العدوان غير المسبوق الذي
بدأه الاحتلال اليوم.
وفي المواقف القريبة من حزب الله، قال المحلل السياسي حسام
مطر؛ إن "موضوع وحدة الساحات بين الحزب وحماس لا أحد يستطيع التكهن به، وما
يقرر ذلك هو طبيعة الرد الإسرائيلي والأمريكي على ما يجري وحجمه". وأضاف في مشاركة تلفزيونية: "ما يجري كبير
جدا وأكبر من حزب الله، والمسألة مفتوحة في المنطقة على كل الاحتمالات، هناك
محاولات إسرائيلية لإحداث تغيير جذري في غزة، لكن هذا يرتبط بواقع إقليمي معقد".
من جهته، يرى الصحفي اللبناني قاسم قصير أن "القصف جنوب
لبنان إعلان صريح أن حزب الله انضم إلى المعركة ولو بشكل محدود"، وأنه يمثل رسالة
من حزب الله، مفادها "أنه إذا تم تصعيد الوضع في غزة، فإنه سيجري رفع وتيرة
التصعيد من جنوب لبنان"، ولكنه استدرك بالقول؛ إن "الموضوع مرتبط بحالة
الميدان، لكن تقديري أن إسرائيل لا تريد الانزلاق في مواجهة من جبهة جديدة".
أما الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، فيرى أن قيام المقاومة
اللبنانية بضرب الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا اليوم رسالة إلى كل من الإدارتين
الإسرائيلية والأمريكية، مفادها أن أي تهور إسرائيلي، سيؤدي إلى حرب إقليمية واسعة".
وردا على سؤال لـ"عربي21" عن إمكانية انخراط
حزب الله فعليا في الحرب، قال اللواء واصف عريقات؛ إن "باب الاحتمالات مفتوح ولا يمكن إغلاقه، ولكن حتى الآن
المعركة فلسطينية بامتياز مع العدو الإسرائيلي".
وأضاف عريقات أن "حزب الله يعتبر نفسه من محور المقاومة، كما هي حماس والجهاد
الإسلامي، من حلف المقاومة، علما أن البيان الذي صدر بمناسبة بدء العملية العسكرية
كان واضحا، حيث دعا كل من يستطيع دعم المقاومة الفلسطينية، ومن الواضح أن المقصود
هنا، محور المقاومة، وربما أراد حزب الله أن يعزز معنويات المقاومة
الفلسطينية عبر هذا التصعيد البسيط، الذي جرى اليوم".
من جهته، قال المحلل السياسي الفلسطيني فايز أبو شمالة
لـ"عربي21"؛ إن "مصلحة حزب الله الأمنية والسياسية والعسكرية
وأوضاعه في لبنان، تشجع على أن ينخرط في الحرب، ولا سيما أن غزة تحقق الانتصار
وتأكل قطعة الحلوى وحدها، فلا بد وأن يشارك كي يتذوق طعام الانتصار، فالمصالح
المشتركة بين حماس وحزب الله وأيضا التسليح والتمويل المشترك، قد يدفع حزب الله بأن يكون جزءا من المعركة".
ما معنى دخول حزب الله للمواجهة؟
سجلت بداية معركة "طوفان القدس" عدة دلالات استراتيجية، كان أحدها
ضعف منظومة دفاعات "القبة الحديدية" الإسرائيلية في مواجهة الصواريخ
التي أطلقتها المقاومة من قطاع غزة في الساعة الأولى.
وبحسب خبراء، فإن ما يفسر فشل القبة الحديدية في مواجهة
الدفعات الأولى من الصواريخ، يدل على احتمال تمكن المقاومة الفلسطينية من تفكيك
"شيفرا" عمل القبة، بمعنى أن البطارية الواحدة تحتوي على 20 صاروخا، بينما تعمدت المقاومة إلى إطلاق دفعات كبيرة مرة واحدة، ما سبب خللا في عمل
"القبة الحديدية".
ويرى خبراء عسكريون أن دخول حزب الله في المواجهة سيؤدي إلى كبح قدرة القبة
الحديدية؛ لأنها ستكون مضطرة لمواجهة الصواريخ من جبهتي غزة ولبنان في وقت واحد،
وهو ما يفسر الطلب الإسرائيلي من الولايات المتحدة لاعتماد مساعدات جديدة لتطوير
عمل القبة.
وقال الخبير العسكري واصف عريقات لـ"عربي21"؛ إن
مستوى تدخل حزب الله "يعتمد على مستقبل الإجراءات الإسرائيلية. إذا ما استمرت
إسرائيل في اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، ونفذت تهديداتها بأنها ستستهدف البنية
التحتية في القطاع، وأنها ستعيد غزة إلى العصر الحجري، هناك سيكون موقف وتدخل
لمحور المقاومة بكل تأكيد".
من جهته، يرى فايز أبو شمالة أن تدخل حزب الله يعني أن "الأمور
قد انقلبت بالكامل لصالح القضية الفلسطيني، بمعنى تدخل حزب الله سيساهم في كسر
العنجهية الإسرائيلية ويخلق معادلة جديدة، فإذا كانت غزة المحاصرة بقدراتها
المحدودة استطاعت أن تهزم إسرائيل، وأن تشتت شمل جيش الاحتلال، وأن تجعل القيادة
السياسية والعسكرية والأمنية تدخل في حالة تخبط وتيه، ولا تعرف إلا قصف المدنيين
في غزة، فكيف إذا دخلت قوة حزب الله بثقلها في المعركة؟ نحن أمام واقع جديد
ومعطيات ليست على مستوى الساحة الفلسطينية، وإنما على المستوى الشرق الأوسط".
قلق أمريكي إسرائيلي
عبر الجانب الإسرائيلي عن قلقه من تدخل حزب الله في
المعركة من خلال تصريحات مسؤوليه السياسيين والعسكريين، وحذر الحزب من التدخل،
ونفذ تعزيزات عسكرية للتعامل مع إمكانية اشتعال جبهة جنوب لبنان، في وقت يعاني فيه
من التعامل مع المواجهة التي يخوضها مع حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية.
الجانب الأمريكي أيضا لم يخف قلقه من حدوث مثل هذا
التطور. وقال وزير الخارجية الأمريكي
أنتوني بلينكن؛ إن واشنطن تبذل كل ما في وسعها لضمان عدم اندلاع جبهة حرب أخرى، بما
في ذلك مع حزب الله اللبناني.
ويرى مراقبون أن تحريك الولايات المتحدة لحاملة الطائرات
"جيرالد فورد" الذي جرى اليوم، هو خطوة معنوية تهدف لردع إيران وحزب الله
من التدخل بالحرب.
طالبت المقاومة الفلسطينية عبر خطابها -بشكل غير
مباشر- بتدخل حزب الله وحلفائه بالمعركة، وتحرك الاحتلال والولايات المتحدة
لمواجهة مثل هذا التدخل، ويبقى السؤال حول موقف الحزب مفتوحا، خصوصا مع اقتراب
العدوان البري على غزة، كما يبدو، في الساعات القادمة.