بورتريه

دبلوماسي التفاوض روبرت مالي.. "ضحية" صقور واشنطن واللوبي الإسرائيلي

عربي21
محام وسياسي مختص في فض النزاعات، ويعتبر خبيرا في الصراع العربي-الإسرائيلي وكتب بغزارة في هذا الشأن.

كانت الأخبار المتعلقة بإبعاده عن الملف النووي الإيراني مثيرة للدهشة، فهو دبلوماسي مقرب من الإدارة الأمريكية ويتمتع بخبرة واسعة تمتد لعقود.

درس في عدد من أرقى الجامعات على مستوى العالم "هارفارد" و"يال" و"أكسفورد"، لكن ذلك لم يشفع له فكان هدفا لسهام الصقور في واشنطن وفي تل أبيب أيضا.

روبرت مالي المولود في نيويورك عام 1963، والدته من مدينة نيويورك وعملت في وفد جبهة التحرير الوطنية الجزائرية في الأمم المتحدة، فيما كان والده سيمون مالي صحفيا مصريا يهوديا يساريا، وتقول مصادر إن أصوله ترجع إلى مدينة حلب السورية، ولد في مصر وعمل مراسلا للشؤون الخارجية لجريدة الجمهورية التي كانت وثيقة الصلة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

أمضى مالي الأب وقتا بنيويورك لتغطية الشؤون الدولية وخصوصا الحركات الوطنية المناهضة للإمبريالية في أفريقيا، وكان له إسهام كبير في وضع جبهة التحرير الجزائرية على خريطة العالم.

وفي 1969 نقل مالي الأب أسرته إلى فرنسا حيث أسس مجلة "آسيا وأفريقيا"، وأصبح مالي الأب صحفيا مشهورا وكرس صفحات مجلته للحديث عن حركة التحرير في بقاع العالم مثل تيمور الشرقية والصحراء الغربية.

وأثارت كتاباته عن سياسات فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية في القارة الأفريقية غضب الأوساط اليمينية الفرنسية وحلفائها الأفارقة، أمثال ملك المغرب الراحل الحسن الثاني والحاكم العسكري السابق لجمهورية الكونغو موبوتو سيسي سيكو.

وكان الرئيس المصري الراحل أنور السادات قد حرمه من الجنسية المصرية ولم يسمح له بتجديد جواز سفره المصري.

ووصل التحريض ضده أن قام الرئيس الفرنسي ڤالاري جيسكار ديستان بطرده من فرنسا التي عاد إليها من جديد في عهد الرئيس فرانسوا ميتران، وقد وصف بعد وفاته (عام 2006) بأنه "أحد أفضل الصحفيين الذين كتبوا بالفرنسية في جيله بمعرفة نادرة بصراعات أفريقيا ضد الاستعمار".

التحق روبرت مالي الابن بجامعة "يال" بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1984 حصل على منحة دراسات عليا في جامعة "أكسفورد" بإنجلترا حيث حصل على دكتوراه في الفلسفة السياسية.

وفي تلك الفترة كتب مالي عن السياسة الخارجية بما في ذلك تحليلات مطولة عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي الوقت ذاته حصل على دكتوراه القانون من كلية حقوق "هارفرد" بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان زميل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في كلية الحقوق.

عمل مديرا لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن العاصمة، وقبل ذلك عمل في مكتب أحد قضاة المحكمة العليا، ومساعدا خاصا للرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون للشؤون العربية الإسرائيلية عام 1998، وكان عضوا في فريق السلام الأمريكي وساعد في تنظيم "قمة كامب ديڤيد" عام 2000 (جمعت بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات).

وقبل تولي هذا المنصب كان مساعدا لمستشار الأمن القومي، ومدير إدارة الديمقراطية وحقوق الإنسان والشؤون الإنسانية في مجلس الأمن القومي ما بين عامي 1994 و1996.

نشر كتابا عام 1996 تناول فيه تجريه الجزائر في التحول من الثورة واليسار إلى ساحة صراع مع الإسلام السياسي، وهو يكتب بالعربية والفرنسية والإنجليزية. ونشر العديد من الأبحاث والدراسات بالاشتراك مع الباحث في جامعة أكسفورد حسين آغا، تناولت قضايا ومشاكل الشرق أوسط، إضافة إلى العديد من المقالات في صحف مثل "نيويورك تايمز" و"فورين أفيرز" و"واشنطن بوست" و"لوموند".

قدم مقاربة مع وسط اليسار الدولي، بما فيه الإسرائيلي، وبعد وفاة ياسر عرفات طور علاقات مع الوسط المقرب من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. لا يحظى بقبول وسط التيار المتطرف في دولة الاحتلال، إذ يتهم بأنه أنشأ تحالفا بين "مجموعة الأزمات الدولية" وبين الهيئة التي يترأسها دانيال ليفي المعروف في الأوساط المحيطة بإيهود باراك ويوسي بيلين، وقد عبر مالي وليفي عن مواقف قريبة في الموضوع الفلسطيني من منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الحقوقية.

عينه الرئيس الأمريكي جو بايدن في منصب المبعوث الأمريكي لإيران وذلك في عام 2021، وكان سابقا أحد مهندسي الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وكلف من بايدن بإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب بشكل أحادي عام 2018.

هذا الموقف جعله هدفا لمشرعي "الكونغرس" من "الجمهوريين، ومن الإسرائيليين الذين اتهموه مع إدارة بايدن بالسعي إلى استعادة الاتفاق النووي بأي ثمن، وبأنه سيكون لينا ومتعاطفا مع طهران، وقبل ذلك أخذوا موقفا سلبيا منه بعد محادثات "كامب ديفيد" وما صدر عنه من تصريحات.

كان مالي قد تعرض سابقا لحملة شرسة من قبل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة عام 2015 بعد اختياره من أوباما مديرا لمكتب الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، بسبب مواقفه النقدية للسياسة الإسرائيلية.

وبشكل مفاجئ أجبر مالي على أخذ إجازة دون راتب وذلك بعد وقف ترخيصه الأمني في وقت سابق من العام الجاري في ظل تحقيق بشأن طريقة تعامله مع مواد سرية، وحل محله بالإنابة أبرام بالي مبعوثا خاصا لإيران.

مالي أكد لعدد من وسائل الإعلام الأمريكية أنه "منح إجازة"، وأن "تصريحه الأمني قيد المراجعة". وقال إنه يأمل في أن ينتهي الأمر "بشكل إيجابي".

ورغم أنه صديق الطفولة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فقد مثل توقفيه من قبل وزارة الخارجية مفاجأة كبيرة للمختصين بالشأن الأمريكي الإيراني.

وبحسب خبراء فقد يكون مالي ضحية شخصيات في واشنطن موالية لأجندات المحافظين الجدد الخطيرة التي تعارض سعي مالي لمعالجة القضية النووية الإيرانية من خلال الدبلوماسية، بدلا من تغليظ العقوبات أو الحرب.

عدم قربه من صقور الدولة العميقة في الولايات المتحدة ومن اللوبي الإسرائيلي هناك، جعله هدفا سهلا لهؤلاء الأشخاص المبتهجين بخروجه من الملف الإيراني، فهل يعني خروج مالي من الصورة انتهاء المحادثات مع إيران خلال هذه الولاية الرئاسية المتبقية للرئيس بايدن؟