سياسة عربية

حقوق مهدرة وحصص متناقصة للمصريين في اليوم العالمي للمياه ‏

تتناقص مياه النيل باستمرار بعد بناء سد النهضة الإثيوبي - جيتي
في خضم الأزمات الاقتصادية التي تعيشها مصر وتهدد استقرارها الاجتماعي والأمني وتنذر بالجوع، لا تغيب أزمة المياه عن المشهد، حيث تعاني، وهي أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، من ندرة المياه، ما يجعل من تلك الأزمة قنبلة موقوتة تنذر بالعطش.

في مثل هذه الأيام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمياه، وتقدر الأمم المتحدة خط الفقر المائي بألف متر مكعب سنويا للفرد، بينما تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الري المصرية إلى أن نصيب الفرد لا يتجاوز 560 مترا مكعبا فقط، مع توقعات بوصوله إلى 366 مترا مكعبا بحلول عام 2050.

في غضون ذلك، تستعد إثيوبيا لبدء الملء الرابع لسد النهضة، وتخزين نحو 20 مليار متر مكعب من المياه خلف السد، حيث انتهت العام الماضي من تخزين 22 مليار متر مكعب بعد إنجاز المرحلة الثالثة من ملء خزان السدّ، الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه.



ويقع سد النهضة على النيل الأزرق، (المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل) الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية.

في 23 آذار/ مارس 2015، وقع رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، على "اتفاقية إعلان المبادئ"، التي تعترف مصر بموجبها بحق إثيوبيا الشرعي في بناء سد النهضة مقابل تعهد أديس أبابا بإشراك القاهرة في إدارتها للسد، وهو ما لم يحدث لاحقا.

وأقر السيسي في أكثر من مناسبة أن مصر من أكثر الدول جفافًا في العالم بأقل معدل لهطول الأمطار بين سائر الدول، ما يوجب الاعتماد على النيل بشكل حصري، وتسبب ذلك في اقتراب مصر من بلوغ مرحلة الفقر المائي؛ حيث نصيب الفرد في مصر من المياه لا يتجاوز 560 مترًا مكعبًا سنويًا.

وذهبت تصريحات السيسي عام 2021 أدراج الرياح، عندما قال إن الخيارات مطروحة إذا أُخذت قطرة واحدة من حصة مصر، وإنه سيعتبر ذلك تجاوزا للخطوط الحمراء، وسيقابله برد مزلزل يؤدي لزعزعة استقرار المنطقة بكاملها.

نقص المياه أكبر تهديد لمصر

من جانبه، اعتبر رئيس حزب غد الثورة، رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، أيمن نور، أن "النظام المصري الحالي يتحمل مسؤولية الفشل في إدارة ملف المياه منذ ثورة 25 يناير، حيث كان المجلس العسكري هو من يقوم بإدارة شؤون البلاد لمدة عام ونصف، دون أن يتخذ خطوة إيجابية لمناقشة قضية سد النهضة مع إثيوبيا والسودان، ومن ثم القيام بانقلاب عسكري بعد عام من أول انتخابات رئاسية، وإدخال البلاد في فترة اضطرابات وعدم استقرار اقتصادي وسياسي؛ وبالتالي تجاهل ملف المياه".

وأضاف لـ"عربي21": "في خضم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي كان يمر بها النظام في مصر، قام السيسي بالتوقيع على إعلان مبادئ سد النهضة دون الرجوع إلى الشعب؛ وبالتالي كل ما ترتب عليه من آثار بالتبعية باطل وفقا لأحكام المادتين 151 و156 من الدستور المصري، اللتين لا تجيزان له توقيع أي اتفاقية تخالف أحكامه".

ووصف نور سد النهضة "بـ العدائي" الذي يهدد أمن مصر والمصريين المائي في أكبر بلد عربي من ناحية السكان، ولا يملك بدائل أرخص ثمنا من جريان مياه نهر النيل بشكل طبيعي واحترام حقوق المصريين في المياه التي لا تغطي احتياجاتهم المتزايدة من المياه".

كيف تتوزع مياه النيل؟ وما احتياجات مصر؟

تقتسم مصر والسودان وإثيوبيا النيل حاليا وفقا لاتفاق وقع عام 1929 بين مصر وبريطانيا، وفي عام 1959 تمت مراجعة الاتفاق، وبلغت حصة مصر بموجبه 55.5 مليار متر مكعب سنويا، بينما بلغ نصيب السودان 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل البالغة 84 مليار متر مكعب سنويا، أي أن البلدين يحصلان على حوالي 87 % من مياه النيل.

تقدر موارد مصر المائية بحوالي 60 مليار متر مكعب سنويا من المياه، يأتي معظمها من نهر النيل، بالإضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار والمياه الجوفية العميقة بالصحاري، وفق إحصائيات رسمية نشرها الموقع الرسمي لهيئة الاستعلامات المصرية الحكومية.

في المقابل، يصل إجمالي احتياجات مصر المائية إلى حوالي 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، بعجز يصل إلى 54 مليار متر مكعب سنويا، ويتم سد هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام المياه، واستيراد محاصيل زراعية بما يعادل نحو 34 مليار متر مكعب سنويا، وفق بيانات رسمية.

وضع مصر المائي.. شح وتكاليف باهظة

مع فشل مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، سعت مصر إلى إيجاد بدائل مثل ترشيد الاستهلاك زراعيا وصناعيا، والاتجاه إلى تحلية مياه الصرف الزراعي والصحي، ضمن ما يسمى "الخطة القومية للمياه" حتى 2037.



تلك الخطة تكلف -وفق وزارة الري المصرية- نحو 50 مليار دولار، فيما دخلت القاهرة في أيلول/ سبتمبر 2021، موسوعة "جينيس" بـ3 أرقام قياسية بإنشاء أكبر 3 محطات للتحلية والمعالجة وإنتاج الأوزون، لكنها لا تعوض النقص الكبير في المياه.

وتستهلك الزراعة أكثر من 85% من إيرادات مصر المائية التي تحصل عليها من نهر النيل، ورغم ذلك تستورد نحو 50% من غذائها، خاصة السلع الإستراتيجية مثل القمح، وهو ما يستنزف أيضا احتياطات العملات الأجنبية.

الأزمة الأكثر خطرا في تاريخ مصر

وتوقع أستاذ هندسة السدود ونائب رئيس الاتحاد للأمن المائي، محمد حافظ، أن "تنتهي إثيوبيا من بناء السد نهاية العام المقبل، وعند هذا التوقيت سوف تظهر بقوة آثار السد على حصص مصر والسودان من المياه، والتي سوف تنخفض إلى مستويات تهدد المصريين".

مضيفا لـ"عربي21" أن "الشعب المصري، الذي لا يتصور أن يعيش دون مياه نهر النيل، أو أن نقص المياه قد يصبح واقعا ملموسا، منهمك في أزمة اقتصادية كبيرة، ولا تسمح الدولة بوجود أي حراك على المستوى المجتمعي لمناقشة الأزمة وأبعادها، والتعامل معها من منظور النظام القائم على التفاوض إلى ما لا نهاية، دون الوصول إلى أي نتائج ملموسة".

واعتبر حافظ أن "مسألة المياه عموما في مصر هي أكبر من أي ملف يجب أن ينتبه له الشعب المصري جيدا؛ لأنها مفتاح وجوده على هذه الأرض منذ آلاف السنين، لكن وجود السيسي في السلطة ساعد في التفريط في حقوق المصريين المائية، وهو المسؤول مسؤولية كاملة عن التوقيع منفردا على اتفاق إعلان المبادئ الذي يتضمن بنودا تحرم مصر من حقوقها التاريخية، قد تصبح مسألة نقص المياه هي الأزمة التاريخية في البلاد، وتدخلها في اضطرابات لا يحمد عقباها".