وافق المشرّعون الأوروبيون الأسبوع المنصرم على قرار يطالب بفرض
المزيد من العقوبات على كيانات وأفراد
إيرانيين، وصوّتوا على تصنيف الحرس الثوري
ككيان إرهابي على خلفية مشاركته في قمع احتجاجات المواطنين الإيرانيين، ودعم روسيا
عسكرياً في غزوها لأوكرانيا. تأتي هذه الموافقة بعد فترة طويلة من التردد والإحجام
بذريعة إبقاء التواصل مع الجانب الإيراني، وذلك على أمل التوصل إلى تسويات تدفع
باتجاه حل المسائل الشائكة في العلاقة بين الطرفين.
وفي هذا السياق، هناك من يرى أنّ تصويت البرلمان الأوروبي على مشروع
لتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية والتمهيد لفرض عقوبات عليه، وعلى المرشد الأعلى
علي خامنئي، ورئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، يأتي ضمن خطّة أمريكية تقضي بزيادة
الضغط على إيران من أجل الموافقة على العودة إلى طاولة المفاوضات وتفعيل الاتفاق
النووي، بعد أن وصلت المفاوضات في هذا الشأن إلى طريق مسدود في أيلول/ سبتمبر
الماضي.
وكانت الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن قد وفّرت كل السبل اللازمة
لتسهيل موافقة طهران حتى إنّها عيّنت الرجل الأقرب إلى إيران في الولايات المتّحدة
الأمريكية، روبرت مالي، لإتمام هذه المهمّة، لكنّ طهران رفعت سقف مطالبها، ما
دفع الإدارة إلى التلويح بإدراج برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الخارجية
(الميليشيات على وجه التحديد) ضمن قائمة التفاوض، ردّا على رفع السقف الإيراني من
جهة، ولقطع الطريق على توظيف الملف من قبل الجمهوريين وتصوير الإدارة على أنّها
متساهلة مع إيران. ونتيجة للحسابات المختلفة، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود.
اندلاع الاحتجاجات داخل إيران مؤخراً عقّد الوضع على اعتبار أنّه قد
يُنظر إلى موافقة الحكومة الإيرانية على استئناف التفاوض في هذه الظروف على أنّه
خضوع للضغوط
الغربية واستجابة لوضع البلاد المأزوم داخلياً مما من شأنه أن يقوّض
من موقع إيران التفاوضي. ساهم غزو روسيا فيما بعد لأوكرانيا في ارتفاع نبرة وحدة
الانتقادات لإيران، لكن لم يحدث أي تغيير كبير السياسات الغربية منها. الدعم
العسكري الذي قدّمته طهران مؤخراً لموسكو في سياق هذه الحرب، ورغبة إيران في شراء
مقاتلات روسية، وإستمرار العمل في البرنامج النووي، كل ذلك أعاد الحديث عن ثنائي
التفاوض ـ العقوبات مع إيران.
الاتفاق النووي الإيراني مات من زمن، لكنّ أحداً لا يريد أن يُقيم
الجنازة ويُشيّعه. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا؟ الولايات المتّحدة كما هو
الحال بالنسبة إلى إيران تريدان إبقاء الموضوع حاضراً في خلفية المشهد لكي يُبقي
القنوات مفتوحة بين الطرفين بانتظار اللحظة المناسبة للإنخراط مُجدداً. من شأن هذ
التكتيك أن يُساعد على تفادي التصعيد غير المدروس أو الحسابات الخاطئة بين
الطرفين، لكنّ المشكلة أنّه لا يوقف التقدّم الإيراني في البرنامج النووي ولا يردع
إيران عن استمرارها في دعم روسيا أو في تغيير سياساتها في المنطقة.
يثير سيناريو الحرب مخاوف العديد من دول المنطقة وعلى رأسها الدول الخليجية التي ستكون المتضرر الأول من تصعيد عسكري إسرائيلي ـ إيراني. إذ سبق وأن هدّدت إيران بأنّ أي تصعيد عسكري ضدّها، سيدفعها إلى الرد على القواعد الأمريكية في المنطقة.
هل ستنجح حزمة العقوبات الأوروبية الجديدة في تغيير المعادلة؟ على
الأرجح لا، لأنّ العقوبات يجب أن تكون صارمة وشديدة، وهو أمر دأب الأوروبيون على
تفاديه طويلاً، ولا يبدو أنّهم مستعدين له الان في ظل الحرب الروسية ضد
أوكرانيا. فرض عقوبات شكلية أو تحويلها
الى مجرّد رسائل الى إيران، سيفتح الباب أمام العامل الإسرائيلي للدخول على الخط
وتصعيد الأزمة املاً في إيقاف طهران. الإسرائيليون هددوا مراراً بانّهم لن يسمحوا
لإيران بامتلاك السلاح النووي، وانّهم مستعدين لفعل كل شيء لمنع إيران من إمتلاك
القنبلة النووية. يشمل هذا التهديد بطبيعة الحال إحتمال شن عملية عسكرية إسرائيل
ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكن البيع ضيكك بمدى قدرة إسرائيل على فعل ذلك
منفردة، ومن دون الإنخراط الأمريكي.
لكن بغض النظر عن هذا التفصيل، يثير سيناريو الحرب مخاوف العديد من
دول المنطقة وعلى رأسها الدول الخليجية التي ستكون المتضرر الأول من تصعيد عسكري
إسرائيلي ـ إيراني. إذ سبق وأن هدّدت إيران بأنّ أي تصعيد عسكري ضدّها، سيدفعها إلى
الرد على القواعد الأمريكية في المنطقة. وبما أنّ دول اقتصادات دول الخليج تعتمد
بشكل أساسي على تصدير النفط والغاز، فإنّ أي استهداف لبنيتها التحتيّة الاقتصادية
سيؤدي إلى دمار هائل.
تفادي هذا الأمر يتطلب حسابات معقّدة، لكنّ الأكيد أنّ على الجميع أن
يتجاوز التفكير في موضوع الاتفاق النووي، ويبدأ التفكير في سيناريوهات ما بعد
الاتفاق النووي. طهران تمتلك القدرات البشرية والتقنية اللازمة لإنتاج قنبلة نووية
بغض النظر عمّا اذا كان سيتم السماح لها بذلك أم لا. هذا يعني أنه لا يمكن إيقاف
سيناريو إمتلاك إيران للقنبلة النووية على المدى البعيد. وهنا يُثار السؤال: ماذا
ستفعل الدول الخليجية في هذه الحالة، ما هي خياراتها، وكيف ستكون سياساتها؟