نشر موقع "ديكلاسيفايد يو كيه" تقريرا قال فيه إن بريطانيا حصلت على النفط الليبي بعد 11 عاما من سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي.
وقال الموقع إن شركتي النفط البريطانيتين "بي بيه" و"شيل" عادا إلى ليبيا بعد 11 عاما من الفوضى التي دفعت لها بريطانيا، في الوقت الذي لا تعترف به المملكة بأن ذلك كان حرباً من أجل النفط.
ووافقت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الشهر الماضي على أن تبدأ شركة النفط البريطانية "بي بيه" بالحفر لإنتاج الغاز الطبيعي في مشروع كبير في البحر إلى الشمال من ساحل هذا البلد الشمال أفريقي.
تأتي إعادة تشغيل عمليات شركة النفط البريطانية بعد التوقيع في عام 2018 على مذكرة تفاهم مع مؤسسة النفط الوطنية في ليبيا وشركة النفط الإيطالية إيني لاستئناف التنقيب، حيث تقوم" إيني" بدور المشغل الرئيسي لحقوق النفط.
وفيما يلي النص الكامل للمقال الذي ترجمته "عربي21":
وافقت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الشهر الماضي على أن تبدأ شركة النفط البريطانية (بي بيه) بالحفر لإنتاج الغاز الطبيعي في مشروع كبير في البحر إلى الشمال من ساحل هذا البلد الشمال أفريقي.
تسيطر المؤسسة البريطانية، التي يحتل مقعداً في مجلس إدارتها مدير المخابرات البريطانية (إم آي 6) السابق السير جون سووارز، على مساحات للتنقيب في ليبيا تساوي ما يقرب من ثلاثة أضعاف مساحة ويلز.
لطالما سعى المسؤولون البريطانيون إلى جني الأرباح من النفط في ليبيا، والتي يقدر احتياطيها بثمانية وأربعين مليار برميل – وهو أكبر احتياطي للنفط في أفريقيا، والذي يعادل ما يقرب من ثلاثة بالمائة من احتياطي النفط في العالم بأسره.
وشركة النفط البريطانية واحدة من عدد قليل من شركات الغاز والنفط الأجنبية التي منحت تراخيص تنقيب وإنتاج داخل ليبيا. وكانت ممتلكاتها هناك قد خضعت للتأميم من قبل معمر القذافي مباشرة بعد استيلائه على السلطة في انقلاب عام 1969، والذي نجمت عنه مصاعب واجهها الموقف البريطاني داخل البلد وفي المنطقة.
بعد سنوات من التوتر بين البلدين، التقى رئيس الوزراء طوني بلير بالقذافي في عام 2004 واتفقا على إبرام ما سمي حينها "صفقة في الصحراء" والتي اشتملت على اتفاق تنقيب وإنتاج بقيمة 900 مليون دولار بين شركة النفط البريطانية والمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا.
عادت شركة النفط البريطانية ودخلت إلى البلد في عام 2007 إلا أن عملياتها تعطلت بسبب نشوب الحرب في عام 2011 عندما قامت القوات البريطانية والفرنسية والأمريكية بدعم من قطر والمتشددين الإسلاميين بالإطاحة بالقذافي.
ما لبث الإرهاب والحرب الأهلية أن ابتلعا البلد من بعد ذلك فتوقفت جميع عمليات شركة النفط.
تأتي إعادة تشغيل عمليات شركة النفط البريطانية بعد التوقيع في عام 2018 على مذكرة تفاهم مع مؤسسة النفط الوطنية في ليبيا وشركة النفط الإيطالية إيني لاستئناف التنقيب، حيث تقوم إيني بدور المشغل الرئيسي لحقوق النفط، وحينها أشاد رئيس شركة النفط البريطانية بوب دادلي بالصفقة باعتبارها خطوة مهمة "نحو العودة إلى عملنا في ليبيا."
يتضمن المشروع المشترك لشركة النفط البريطانية وشركة النفط الإيطالية، والذي تقدر قيمة الاستثمار فيه بما يقرب من 8 مليار دولار، منطقتين للتنقيب في حوض غدامس البري وأخرى في حوض سيرت داخل البحر، بمساحة إجمالية قدرها 54 ألف كيلومتر مربع. مشروع التنقيب في حوض سيرت وحده يغطي مساحة تزيد في حجمها عن مساحة بلجيكا.
كما تستعد شركة النفط البريطانية الكبرى الأخرى، شيل، للعودة إلى ليبيا كلاعب رئيسي فيها، كما صرحت بذلك الشركة في وثيقة سرية. فبعد أن علقت جميع عملياتها داخل ليبيا في عام 2012، تخطط الشركة الآن للتنقيب عن حقول جديدة للنفط والغاز في مناطق متعددة.
الرشوة النفطية
وهناك شركة بريطانية ثالثة اسمها بيتروفاك، متخصصة في تقديم الخدمات الهندسية لعمليات التشغيل النفطي، وهذه ضمنت لنفسها عقداً قيمته مائة مليون دولار في شهر سبتمبر / أيلول من العام الماضي، لكي تساعد في تطوير حقل نفط يعرف باسم إيراوين، في جنوب الغرب الليبي.
كانت بيتروفاك حينذاك رهن التحقيق من قبل سلطات مكافحة الاحتيال في بريطانيا لعلاقاتها بقضية رشوة.
فقد اعترف أحد كبار المدراء فيها، رئيس المبيعات العالمية دافيد لوفكين، في عام 2019 بأحد عشر تهمة رشوة وجهت له.
في الشهر التالي لحصول بيتروفاك على العقد في ليبيا، أدانتها سلطة مكافحة الاحتيال في بريطانيا بسبع تهم رشاوى ارتكبت ما بين عام 2011 وعام 2017. اعترفت بيتروفاك بأن كبار المدراء فيها استخدموا وكلاء لرشوة مسؤولين بمبالغ تصل إلى 32 مليون جنيه إسترليني من أجل الحصول على عقود نفطية في العراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
لاحظت سلطة مكافحة الاحتيال في بريطانيا أن "أهم ما يميز القضية هو الأساليب المعقدة والملتبسة عمداً التي استخدمت من قبل كبار المدراء هؤلاء لدفع الأموال إلى الوكلاء عبر الحدود، وإخفاء الدفعات المالية عبر مقاولين بالباطن، واختلاق عقود زائفة لخدمات وهمية، وفي بعض الحالات، تمرير الرشاوي عبر أكثر من وكيل وأكثر من بلد، للتستر على أفعالهم."
تعمل بيتروفاك مع شركة النفط البريطانية في العديد من البلدان حول العالم، بما في ذلك العراق وأذربيجان وسلطنة عمان وكذلك في بحر الشمال.
الدعم الحكومي
عودة جميع الشركات البريطانية الثلاث إلى ليبيا لها ارتباطات قوية مع الحكومة البريطانية. فخلال بعض السنين التي شهدت دفع بيتروفاك للرشاوي، كان يقود الشركة أيمن أصفري، الذي تبرع هو وزوجته بمبلغ 800 ألف جنيه إسترليني لحزب المحافظين ما بين عام 2009 وعام 2017.
في عام 2014، عين رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون أيمن أصفري، الذي يشغل حالياً منصب مدير غير تنفيذي في بيتروفاك، واحداً من سفراء الأعمال لديه.
كما أن بيتروفاك، التي تم تسجيلها كشركة في جزيرة جيرزي المعفية من الضرائب، استفادت كذلك من التأمين الذي يوفره لها دافعو الضرائب في بريطانيا عبر ما يسمى تمويل الصادرات البريطانية.
وفي مايو / أيار من عام 2019، عندما كانت بيتروفاك رهن التحقيق من قبل سلطة مكافحة الاحتيال في بريطانيا، قدم تمويل الصادرات البريطانية 700 مليون جنيه إسترليني كتأمين مشروع في عملية تصميم محطة تكرير نفط في دقم، داخل سلطنة عمان التي يحكمها نظام دكتاتوري، وهو المشروع الذي جرى فيه تعيين بيتروفاك مورداً بريطانياً وحيداً.
وفي شهر يونيو / حزيران من هذا العام، كانت بيتروفاك واحدة من الشركات التي ترعى الحفل الرسمي لإعادة افتتاح السفارة البريطانية في طرابلس. قالت السفيرة كارولاين هيرندول مخاطبة الحضور: "أشعر باعتزاز خاص بالمؤسسات البريطانية التي تتعاون مع الشركات الليبية والتي تترك أثراً ذا معنى في التنمية الاقتصادية في ليبيا. وكثير من هذه المؤسسات ممثلة هنا هذا المساء."
شركتا بي بيه وشيل بالذات قريبتان جداً من الحكومة البريطانية، وثمة تقليد راسخ ومستمر منذ وقت طويل يبقي الباب مفتوحاً أمام التحاق كبار موظفي الدولة السابقين بالعمل فيهما.
نشاطات اللوبي (الضغط السياسي)
في عام 2018 كتب فرانك بيكر، الذي كان حينذاك سفير بريطانيا في ليبيا، يقول إن بريطانيا "تساعد على خلق بيئة أكثر تسهيلاً للتجارة والاستثمار، كما تساعد في الكشف عن فرص سانحة أمام الخبرات البريطانية للمساعدة في إعادة إعمار ليبيا."
منذ ذلك الحين والسفيرة الحالية، هيرندول، تجري اللقاءات مع وزير النفط الليبي محمد عون لمناقشة عودة شركات النفط البريطانية إلى ليبيا. في هذه الأثناء فتحت شركة النفط الوطنية الليبية مركزاً لها في لندن، والذي يكاد يكون الوحيد خارج ليبيا والولايات المتحدة.
ينوي مكتب شركة النفط الوطنية الليبية في لندن، والذي دُشن في أوائل عام 2021، "منح عقود استشارات وإدارة موجودات بمئات الملايين من الجنيهات الإسترليني للشركات البريطانية على مدى السنوات العديدة القادمة" كما جاء في تقرير لصحيفة التايمز.
كما يقوم بدعم المصالح النفطية البريطانية بكثافة مجلس الأعمال الليبي البريطاني، والذي يتولى إدارته اللورد تريفغارنه، الوزير السابق في حكومة مارغريت ثاتشر، وهو المجلس الذي يترأس مجلس إدارته السفير البريطاني السابق في ليبيا بيتر ميليت.
يقول مجلس الأعمال الليبي البريطاني، الذي أرسل وفداً إلى ليبيا في وقت سابق من هذا الشهر، إنه يعمل "كمجموعة مناصرة مؤثرة ومطلعة نيابة عن الأعمال البريطانية في ليبيا – وذلك من خلال الحوار مع الحكومة البريطانية" ومع غيرها.
في شهر أكتوبر من عام 2018 وقع مجلس الأعمال الليبي البريطاني وشركة النفط الوطنية الليبية "بيان نوايا" حول موضوع "تعزيز التعاون والتنمية في قطاع الغاز والنفط الليبي". كما دعا إلى إبرام "عقود تحظي بالرضى المتبادل".
وحينها قال رئيس مجلس إدارة شركة النفط الوطنية الليبية، مصطفى صنع الله، إن "بريطانيا شريك هام في ليبيا في المساعي المبذولة لتعزيز إنتاج النفط" ورحب بما قال إنه "تعزيز هذه الشراكة." وتعهد مجلس الأعمال الليبي البريطاني "بتيسير وصول الرئيس مصطفى صنع الله إلى وزراء الحكومة البريطانية."
في العام الماضي كانت ليبيا ثالث أكبر مصدر للنفط بالنسبة لبريطانيا بعد النرويج والولايات المتحدة، حيث وردت ما نسبته 7.8 بالمائة من مستوردات النفط البريطانية. يعتبر النفط شريان الحياة بالنسبة لليبيا إذ أنه يشكل 90 بالمائة من إيرادات البلد.
إلا أن الحرب الأهلية التي تدور رحاها داخل البلد أشعلت معركة من أجل السيطرة على قطاع النفط فيه، وهو القطاع الذي قيل إنه في حالة من الفوضى العارمة في ظل "انعدام الوضوح بشأن من في الواقع يتحكم بالمورد الأعلى قيمة في البلاد." وذلك أن حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من قبل الأمم المتحدة تتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، بينما تتواجد في شرق البلاد حكومة منافسة لها.
تتواجد معظم حقول النفط الليبية في الشرق، وهذه المناطق تخضع لسيطرة خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي التابع له، والمتحالف بدوره مع الحكومة الشرقية.
في خضم التنافس الدولي على الوصول إلى النفط الليبي، طالما سعى وزراء الحكومة البريطانية إلى وضع الأيادي البريطانية على هذا المورد الهام. ويتضح من الوثائق التي كشفت عنها في 2009 منظمة بلاتفورم، وهي منظمة غير حكومية مهتمة بقضايا النفط، عن أن الوزراء وكبار المسؤولين في حكومة العمال البريطانية التقوا فيما لا يقل عن أحد عشر مناسبة مع شركة شيل لمناقشة مصالح الشركة النفطية في ليبيا، بل لربما وصل عدد اللقاءات إلى ستة وعشرين لقاء في أقل من أربعة أعوام.
كانت شيل واحدة من أوائل الشركات النفطية الغربية التي عادت ودخلت إلى ليبيا بعد رفع العقوبات التي كانت مفروضة من قبل الأمم المتحدة وعلى أثر تعهد القذافي بالتوقف عن تمويل الإرهاب والامتناع عن السعي للحصول على أسلحة نووية.
لم تحل حرب عام 2011 دون سعي بريطانيا وراء مصالحها النفطية. فخلال الشهور الأولى من الانتفاضة ضد القذافي، قدمت شركة فيتول البريطانية، التي تتاجر بالنفط، للثوار نفطاً مكرراً مقابل تزويدها في المستقبل بالنفط الخام، الأمر الذي مكنهم من الإبقاء على نشاطاتهم العسكرية.
وفي الفترة من 2014 إلى 2016، وكذلك في مطلع 2020، عندما أقدم أمراء الحرب الليبيين مثل حفتر على إغلاق المرافق النفطية الليبية، ساعدت فيتول باستيراد المنتجات المكررة.
وتارة أخرى، من المتوقع أن تترافق المصالح النفطية البريطانية بارتفاع في الحضور العسكري البريطاني في ليبيا. في شهر سبتمبر / أيلول من هذا العام، ناقش المسؤول العسكري البريطاني الكبير في الشرق الأوسط، المارشال مارتن سامبسون، برامج التدريب العسكري مع رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبه.
وجاء ذلك اللقاء بعد رسو السفينة الحربية البريطانية ألبيون لأول مرة منذ ثمانية أعوام في ميناء طرابلس. أقيم حفل استقبال على متن السفينة حضره ما يقرب من مائة من الشخصيات الليبية والأجنبية، بما في ذلك "شخصيات ليبية كبيرة سياسية وأمنية ومن منظمات المجتمع المدني."
الاندبندت: انهيار نظام اللجوء في بريطانيا.. والآلاف بقوائم الانتظار
التايمز: روما تواجه زيادة بالمهاجرين المصريين من شرق ليبيا
اتهام أمير بلجيكي بابتزازه الصندوق السيادي الليبي