قضايا وآراء

جمال مبارك يواجه الجنرال مرة أخرى وليست أخيرة!

1300x600
اعتاد سميعة الطرب والمغنى وما شابه في القاهرة في قرابة السبعينيات من القرن الماضي، أيام كانت عاصمة المجال العربية، كان يحلو لمحبي الفنانين ممَّنْ هم أدنى من السيدة أم كلثوم وأعلى من أحمد عدوية، أن يعقدوا "زفة فل" بين مقاطع الأغاني الطويلة، فيخرج عدد من الحاضرين بصورة تبدو عشوائية ليصرخوا فيما يشبه الجنون: "بص.. شوف فلانة بتعمل إيه".. وجاء ظهور جمال مبارك (58 عاما) في عزاء الراحل المحامي فريد الديب في حي السيدة زينب الشعبي، في 25 من تشرين الأول/ أكتوبر، يذكر تماما بزفة الفل التي كان من المتعارف أن المطربات والمطربين يؤجرون "الزافين" نكاية بعضهم في بعض، فظهر نجل المخلوع وتكاد تحمله فوق الأعناق طائفة من بسطاء المصريين، الذين يعلم الله بهم وبسبب تفضيلهم له على الجنرال الحاكم عبد الفتاح السيسي (أراحنا الله من كليهما)!

قبلها بأسابيع ولسبب لسنا شغوفين للأمانة بمعرفته، ذهب جمال أيضا لنصب الجندي المجهول بمدينة نصر، شرقي العاصمة المصرية القاهرة، أو حتى إن كان رافقه أو أخذ في يده أخاه الأكبر علاء، فضلا عن مجرد الاهتمام أو البحث في السبب الذي جعل والدتهما سوزان ثابت، الشهيرة بسوزان مبارك، تود منذ سنوات بل تضغط بقسوة على زوجها الراحل المخلوع لتجعل ابنهما الأصغر مكانه على كرسي حكم مصر، سواء أكان هذا في محيا حسني مبارك أو بعد مماته، حتى كان الأخير (بجلال قدره) يضطر أحيانا للمداراة والمداورة في آخر سنوات حكمه. عموما دارت الأيام عموما، فجرفت السبب ومُسببه المباشر، والتفسير في آن واحد، ولله في شؤون الحكام والملوك تدابير وتصاريف تخفى عن العقول والأفئدة! لكن المدعو مبارك الصغير أو "جيمي" (كما يحب أن يناديه المقربون)، أضاع حلم والدته سوزان في وراثة أبيه في حياته و"على حياة عينه"، كما يقول بسطاء المصريين، أو بعد وفاته.

والسيدة سوزان ذات أصول إنجليزية بالمناسبة، إذ ولدت في عام 1941م لأم بريطانية عملت بالتمريض وأب مصري صعيدي من مدينة مطاي بمديرية المنيا. لكن الأم التي كانت تشتهي أن تعمل "راقصة باليه"، تعرفت عن طريق أخيها الطيار العسكري بمبارك، فصارت بعدها بقدرة قادر سيدة مصر الأولى المتجبرة، التي تعين وتقيل الوزارات، وتقيم مصر وتقعدها، لمدة قاربتْ 30 عاما.

لكن سوزان آثرت أن تترك بصمتها بأصغر ابنيها؛ حتى بعد أن تسببت البصمة الدامية في ثورة 25 يناير التي عصفت بحكم زوجها، ومن ثم آماله بتوريث نجله، لكن الحلم "كبر" في عقل الابن، ولم تفلح رؤيته بأم عينيه لتغييرات كبرى في حياة مصر وشعبها في إفهامه، ومنها دماء الآلاف التي سالت وما تزال منذ بداية حكم أبيه وحتى اليوم. كما لم يفلح سجنه عام 2012م لثلاث سنوات وعدة أشهر في "تهذيب" حلم فتي في ذهن كهل تجاوز الصبا والشباب وسطوتهما، حتى بعد أن صار يخطو بجدارة نحو الشيخوخة، بعد أن أدرك الجنرال عبد الفتاح السيسي أن خصمه لن يتوانى أو يتأخر عن شطحاته، ولم تشفع لجمال لديه محبة أبيه الذي رقى السيسي ورفعه لمدير المخابرات الحربية، وعليه أهّله للقفز لوزير دفاع، مع إدمان الجنرال الذوبان في شخصية مبارك، التي لم تكن لتغادر مصلحة شخصية إلا طمحت إليها، وسعت بكل ما تملك لنيلها، وعلى الطريق الوعر نفسه سار السيسي حتى استطاع الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي.

لم يشفع لجمال ماضي أبيه وأفضاله المادية والمعنوية على الجنرال؛ لما أدرك الأخير أنه لا يريد إلا كرسيه، فيما يكمل السيسي طريقه للحفاظ عليه بكل ما أوتي، ولو استدعى الأمر اعتقال قرابة 65 ألفا من خيرة رجال ونساء الوطن، ولو استدعى الأمر التسبب في استشهاد مرسي الذي رقاه ترقيتين دفعة واحدة نادرة في تاريخ العسكرية المصرية، ووثق فيه وقدّمه على غيره، ولو استدعى الأمر أسر الجنرال للفريق والمرشح الرئاسي الأسبق أحمد شفيق في بيته ومنعه من مغادرته، وإغلاق سبل النجاة على المناضل رئيس حزب مصر القوية المرشح الرئاسي الأسبق (أيضا) عبد المنعم أبو الفتوح منذ سجنه في 2018م، مع استمرار سجن عقيد الجيش أحمد قنصوة منذ 2017م لمجرد إعلان رغبته في حكم مصر، أو باختصار قطع الطريق بالقوة على كل مَنْ تسول له نفسه الحلم بحكم مصر مكانه. ولذلك، عمد السيسي (كذلك) إلى إصدار الحكم المخل بالشرف على جمال وشقيقه علاء بالتبعية، فكان حكم بالسجن ثلاث سنوات المنتهي في 2015م في قضية القصور الرئاسية.

ورغم حزم السيسي وقبضته الغادرة الخائنة التي تعتمد على كون "ضربة الجبان دائما نافذة"، لأنه لا يملك غيرها، إلا أنها لم تمنع جمال من مواصلة شطحاته؛ معتمدا على حلم قديم وبريق يراه في أعين بسطاء المصريين الذين يشتهون إزاحة السيسي وبطشه بهم بالاعتقال والسجن والمطاردة تارة، وبتعمده إرهاق المواطن بين متوسط الدخل المتدني بشكل فج، ومتطلبات الحياة المرهقة التي تحتاج معجزات لمجرد استمرار الحياة لا تحقيق آمال أو قفزة اجتماعية تارات، ومن ثم صار أمثال هذا المواطن يتلفتون في شغف، متمنين رئيسا مدنيا يفك أسرهم، وقبضة الجيش والشرطة والقضاء من جانب والأسعار من جانب آخر.

يعرف جمال أنه لما خطب في المصريين في أيار/ مايو الماضي بالعربية والإنجليزية؛ منتهزا حكما قضائيا غريبا ببراءة أبيه من سرقة 70 مليار دولار وتهريبهم للخارج، أو لما ظهر قرب قبر بذكرى 6 أكتوبر وانتصارها المجيد، أو قريبا من السيدة زينب بزفة لم تراع حتى قدسية المقابر، كما سيظهر في مرات مقبلة عبر افتعال ظهور غير مبرر آخر، يعرف جيدا أن ما يفعله لن يؤهله لنيل شيء في وطن تعمد أبوه أن يقلل من شأنه ليناسب قدراته المتواضعة. وجاء السيسي من بعده خائفا عاصفا بالوطن وأبنائه ومقدراته؛ لئلا يستطيع أحد محاكمته ومحاسبته على جرائمه الكبرى في حقه، وفي ظل الاستخفاف بمصر، يأمل الجنرال أن يبقى في الحكم، ويطمع مبارك الابن أو "جيمي" في الوثوب إليه ليغير حياته من عاطل ورث الملايين من كد وكفاح المصريين لحاكم لهم يواصل ظلمهم، متاجرا برغبتهم في تخفيف قبضة الجنرال عن رقابهم.

وبين شطحات جمال مبارك وقبضة السيسي، ما زال عقلاء المصريين يرون ألا خلاص لمصر إلا بالعصف بهما معا، والتخلص من ميراث استبدادي ضخم تركه مبارك وأسرته وانتهزه الجنرال للوثوب للحكم، والخلاص منهما ومن أحلامهما وشطحاتهما هو ما نرجو أن يكون قريبا، لتوفق الأقدار المصريين لتعديل وتصحيح مسار حياتهم ومستقبلهم بعد أن أعيتهم الحيل وفاض بهم الكيل، وحتى يتحقق هذا سنرى من المكايدات بينهما ألوانا وصنوفا، نرجو الله أن يرحمنا منها.