مقابلات

أكاديمي جزائري: القمة العربية تسعى لتأسيس مرحلة جديدة

تنظم الجزائر في 1 و2 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل القمة العربية على مستوى القادة في دورتها العادية رقم 31- عربي21

قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، رابح لعروسي، إن "القمة العربية المقبلة ستؤسس لمرحلة وخريطة جديدة؛ إذ سيتم فتح كل الملفات، وسيتم وضع خريطة زمنية يتم من خلالها توحيد الصفوف العربية، وسيجري تذليل الصعوبات حتى يمكن تأسيس عمل عربي مشترك يكون أساسه المواطن العربي وطموحه المشروع".

وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "القمة العربية ستنجح بكل تأكيد في حال اتخاذ قرارات سريعة وجريئة، وأتصور أنه سيتم إصدار قرارات حاسمة تساهم في حل الخلافات العربية"، مؤكدا أن "غياب بعض القادة العرب عن حضور القمة لن يؤثر على سير العمل العربي المشترك"، على حد قوله.

وللمرة الرابعة في تاريخها، تحتضن الجزائر في 1 و2 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل القمة العربية على مستوى القادة في دورتها العادية رقم 31، ليرتفع عدد القمم تحت مظلة الجامعة العربية إلى 49 خلال 76 عاما من التحديات.

 

اقرأ أيضا: اجتماع وزراء الخارجية العرب بالجزائر تمهيدا للقمة الـ31

وتعود هذه القمة للجزائر بعد 17 عاما من آخر قمة استضافتها في عام 2005، وبعد 49 عاما من أول قمة بأرضها عام 1973، وبينهما قمة 1988 التي شهدت إصدار قرار بدعم الانتفاضة الفلسطينية.

وتحتضن الجزائر القمة، تحت رئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، بعد عدم انعقادها لعامين لأسباب أحدها مرتبط بتداعيات فيروس كورونا، وسط أزمات وتحديات كبيرة متعلقة بأمن الغذاء والطاقة وصراعات المنطقة.

لكن بحسب تقارير صحفية، سيغيب عن تلك القمة 6 من القادة العرب، من بينهم ملك السعودية وولي عهده محمد بن سلمان، وأمير الكويت نواف الأحمد الصباح، والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وآخرون.

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":


لماذا تأجل انعقاد القمة العربية المرتقبة في الجزائر أكثر من مرة سابقا؟

لقد تأجلت القمة عدة مرات بسبب جائحة كورونا، ومن أجل تحضير مختلف الأوراق التي تم التوافق عليها على مستوى الأمانة العامة للجامعة العربية بين الدول العربية الأعضاء. وبالتالي أعتقد أن انعقاد القمة العربية اليوم هو تحصيل حاصل للجهد الذي بذله الكثير من المندوبين والوزراء والقادة العرب حتى يذهبوا إلى قمة شاملة تلمّ الشمل العربي، ويكون فيها مصارحة بين الجميع وطرح مختلف الملفات التي تهم الشأن والمواطن العربي.

الجزائر رفعت شعار "لمّ الشمل العربي" في القمة العربية التي ستحتضنها يومي 1 و2 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.. فإلى أي مدى ستنجح القمة في تفعيل هذا الشعار على أرض الواقع؟

هذا الشعار جاء في ظل تحديات كبيرة تعيشها المنطقة العربية والإقليمية والدولية على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، ونتيجة بروز أقطاب عديدة على مستوى العالم ككل، والجسم العربي يجب أن يكون كتلة واحدة في ظل تلك التفاعلات، والجزائر فعلت كل ما بوسعها لتكون القمة العربية قمة شاملة وجامعة لا إقصاء فيها لأحد.

لذلك، هناك فرصة حقيقية وكبيرة تعول الجزائر عليها حتى يتم ترجمة هذا الشعار إلى أفعال على أرض الواقع من خلال الإرادة السياسية الحقيقية، والإيمان الحقيقي بين القادة العرب بوحدة المصير والتفاهم وتوحيد المصطلحات، وأرى أن هناك إرادة حقيقية في هذا الإطار، خاصة أن هناك مساعي وجهودا لتنحية الخلافات جانبا والمضي قدما إلى الإمام، لأن الخلافات التي وقعت بين الدول العربية لم تقدم شيئا إلا التفرقة وتقسيم المُقسّم وتفتيت المُفتت، وبالتالي لا توجد أي مبررات كي تبقى الجامعة العربية بعيدة عن الطموحات التي دائما ما تحن إليها الشعوب العربية.

لكن كيف ترى غياب بعض القادة العرب عن قمة الجزائر؟

نأمل أن تتجاوز القمة غياب هؤلاء القادة وتؤدي دورها كما يجب، خاصة أن أوراق القمة تم التحضير لها منذ فترة طويلة، والجهد الكبير الذي بذلته الدبلوماسية الجزائرية من خلال اتصالاتها الماراثونية مع مختلف الدول العربية يجعلنا نتفاءل بنجاح القمة.

لهذا فغياب بعض القادة لن يؤثر على سير العمل العربي المشترك، ولو كان هذا الغياب عبارة عن مقاطعة للقمة لاتفقنا أن هذه القمة ستكون فاشلة، لكن جميع الدول العربية ستكون حاضرة ومُمثلة في القمة بغض النظر عن مستوى تمثيلها في هذه القمة، وأتصور أنه سيتم إصدار قرارات حاسمة تساهم في حل الخلافات العربية.

الجزائر استضافت في السابق قمما عربية في محطات مهمة وحساسة.. فما هو المختلف لدى الجزائر بخصوص القمة المرتقبة؟

الشيء الجديد في هذه القمة يتعلق بعلاقات الجزائر مع باقي الدول العربية، حيث نلاحظ العودة النشطة للدبلوماسية الجزائرية على المستوى الإقليمي والدولي. ويجب أن نعترف بأن الجزائر كانت غائبة في السابق عن الساحة الدولية، ولكن بهذه العودة القوية والنشطة نجحت بلادنا في تحقيق شبه توافق وشبه إشادة دولية بدورها الهام في حل بعض الأزمات كإنجاز اتفاق مسار المصالحة الوطنية في مالي، وتسوية لمّ شمل الفلسطينيين، وما إلى ذلك.

هذه التطورات تجعل الجزائر نقطة قوة تُصدّر الاستقرار والسلام للمنطقة، ولا تطمع ولا تتدخل في أي بلد آخر بأي صورة من الصور. الجزائر اليوم تسعى من خلال هذه القمة العربية لكتابة صفحة جديدة ومختلفة في العمل العربي المشترك من منظور التكامل والتضامن والتآخي في كل الملفات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والسياسية.

كيف ستنعكس تلك القمة على الجزائر وعلاقاتها مع المغرب بشكل خاص؟


علاقة الجزائر بالمغرب هي علاقة تاريخية؛ فلدينا جذور وتاريخ وهدف ومصير مشترك، والجزائر قدمت شرحا وافيا ومبررات جريئة وحقيقية وصريحة بشأن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وهذا الخلاف لن يؤثر مطلقا على طبيعة العلاقات الجزائرية العربية ولن يؤثر حتى على العلاقات العربية المغربية.

ونحن نطالب المغرب بأن يكف عن سلوكياته التي تؤثر سلبا على أمن الجزائر؛ فمثل هذه الممارسات أصبحت تُشكّل اعتداءً وعدوانا سافرا على السيادة الجزائرية، وتُعدّ تطاولا على الرموز الجزائرية ومؤسستها. لذا، يجب على المغرب أن يُبدي حسن النوايا الحقيقية تجاه الجزائر، وأن يتراجع عن كل الأخطاء التي وقع فيها سابقا.

والجزائر اليوم ترحب بكل مبادرة يمكن أن تفتح صفحة جديدة مع المغرب، ولن تتأخر عن طي صفحة الخلافات، خاصة أن علاقة الجزائر بالمغرب هي علاقة تاريخية ويجب أن تكون مبنية على الندية والمصالح المشتركة والمصير المشترك ولمواجهة التهديدات المشتركة.

البعض يتساءل: كيف تحولت الجامعة العربية من حلم وحدة وقوة العرب إلى مثار للتندر والسخرية وحتى الشفقة؟

هذا نتيجة الفشل الذريع في إيجاد حلول لأزمات المنطقة؛ فعندما تجتمع قمة عربية وتُختزل مخرجاتها في عبارات الشجب والإدانة دون أن تقدم حلولا لمشاكل الدول العربية لا تنتظر شيئا سوى التندر والسخرية والشفقة.

ولقد رأينا قمما عربية سابقة عمّقت الفوارق ورسّخت الخلافات، خاصة أن بعضها صاحبها تشوهات وشتائم متبادلة بين القادة العرب، ومثل هذه السلوكيات السابقة هي التي جعلت الجامعة العربية في وضع بائس وخبر كان، وبالتالي لا بد أن يرتكز الحلم العربي على التوحد في وحدة واحدة، وقوة واحدة، وحلم مشروع، لكن يجب أن يتبع ويسبق هذا المشروع عمل دؤوب وجبار لطي الخلافات وتذليل كل الصعوبات، ويجب أن تؤمن الدول العربية بأن قوتها في وحدتها، لأنه لا مكان للضعفاء.

ما فرص نجاح القمة العربية في الجزائر؟

القمة ستنجح بكل تأكيد في حال اتخاذ قرارات سريعة وجريئة تؤثر تأثيرا إيجابيا على الدول العربية. ويجب ألا نكون في موقف نقد الأحكام المسبقة على مخرجات القمة العربية. وبالرغم من أن القمة قد لا تقدم حلولا سريعة لأزمات وخلافات الدول العربية، إلا أنني على يقين بأن اجتماع القادة العرب ومصارحة بعضهم البعض، سيفتح صفحة جديدة، وسيؤسس لمرحلة وخريطة جديدة؛ إذ سيتم فتح كل الملفات، وسيجري وضع خريطة زمنية يتم من خلالها توحيد الصفوف، وسيتم تذليل الصعوبات حتى يمكن تأسيس عمل عربي مشترك يكون أساسه المواطن العربي وطموحه المشروع.

الكاتب السعودي وأستاذ العلوم السياسية، تركي الحمد، شكك في جدوى مؤتمرات قمة الدول العربية، قائلا إن "القادة يجتمعون ويتبادلون القبل والابتسامات، وفي القلوب ما فيها، وكل ما يجمعهم، خلاف عروبة اللسان، لا يكاد يذكر".. ما تعقيبكم؟

هذا المسار الذي عرفته القمم العربية جاء في ظروف بعينها سادت خلالها الفرقة العربية، وغابت عنها الإرادة السياسية لتحقيق منفعة حقيقية للدول العربية ولم تكن هناك أي حلول لأزماتنا المختلفة، بينما قمة الجزائر تسعى لتأسيس عمل عربي جديد وفاعل بقوة في المنطقة، وستعمل على فتح صفحة جديدة في مجال التكامل العربي، وخاصة في المجال الاقتصادي، وستكون فرصة سانحة لفتح آفاق جديدة نحو تفعيل العمل العربي المشترك، وأعتقد أنه في أعقاب هذه القمة سيصبح الصوت العربي مسموعا على المستوى القاري والدولي.

هل ترون الجامعة العربية كمؤسسة صالحة للبقاء في ظل التغيرات التي يمر بها العالم العربي حاليا؟


أرى أنه لا بد من إعادة بعث روح جديدة في الجامعة العربية، حتى تكون جامعة مُلزمة في قراراتها؛ فغياب قاعدة الإلزام داخل الجامعة صعّب من فاعلية وأداء الجامعة العربية، وفي كل الأحوال ستبقى الجامعة كمؤسسة لأنها هي المدخل الحقيقي لتأسيس العمل العربي المشترك، والدول العربية بحاجة إلى تقوية هذه المظلة العربية الجامعة، ومن الضروري أن نحتمي بها جميعا، ولا يمكن الاستغناء عنها أو طي صفحتها.