قضايا وآراء

متى كان حزب المخلوع "عفاش" مظلة لكل الشرفاء؟

1300x600
إن أعظم مقولة قرأتها، وأنا على وشك الانتهاء من كتابة هذه المادة، للكاتب اليمني نبيل قاسم، نشرها مؤخرا بصفحته ‏في فيسبوك: ثلاث كوارث حلت باليمن ‏منذ فجر التاريخ؛ انهيار سد ‏مأرب، ‏المؤتمر الشعبي العام، ‏حرب 94.‏

لا زلت أؤمن بأن حزب المؤتمر حزب كارثي، ظل يقبض ‏على ‏الثروة والسلطة -ولا يزال- بمساندة ‏القبيلة، ‏وبمبرر ‏الأغلبية ‏الساحقة، فأعاق تطبيق القوانين، ونحر دستور ‏البلاد من الوريد ‏إلى الوريد، وعلى وجه ‏الخصوص ‏‏(قانون ‏الأحزاب ‏والتنظيمات السياسية)، إذ عمل بشكل ممنهج ‏على تفريخ ‏الأحزاب الوطنية الأخرى، ولم ‏يتح ‏للحريات ‏الحزبية والإعلامية أن ‏تمضي في طريق بناء الوطن.‏

لقد ظل هذا الحزب يمارس سياسة التضييق، و"التطفيش" ‏على ‏نشاطات الأحزاب، ومصادرة حقوقها، ‏وبعض ‏مقراتها، ‏وأوغل ‏في احتواء الكثير من الشخصيات الحزبية المؤثرة ‏سياسيا، ‏فحول ‏الاشتراكي والناصري ‏والبعثي ‏والإصلاحي، في ظرف ‏يوم وليلة، إلى "مؤتمري"، ولم يسمح ‏لأي حزب آخر أن ‏يتجاوز ‏قاعدته ‏الجماهيرية.

سخّر المال ‏العام من أجل الحفاظ ‏على سطوته على السلطة، وخوَّن رموز ‏حركات ‏وطنية، ‏وفكرية، وسياسية، وإعلامية مناهضة له، وأفرط في ‏مضايقتها، ‏وملاحقتها، ولفّق لها تهما كيدية، وحرّض ‏ماكينته الإعلامية الرسمية وأبواقه، على تسفيه وتشويه تاريخ نضالاتها، وفبركة قصص للنيل من شرف أفراد ‏أسرتها.

مارس الترهيب والترغيب، وأقصى، وهمّش، ونكّل، ونفى، واختطف، وزج في السجون والمعتقلات، وعذّب ‏الكثير منهم، وأخفى قسريا العشرات، لا يزال مصيرهم مجهولا حتى هذه اللحظة، وتورط في تصفية ‏الكثير، ما دفع ‏بالعشرات منهم إلى الفرار خارج الوطن، بعد ‏نجاتهم من ‏الموت بأعجوبة، ومنهم من فارقوا الحياة تحت ‏التعذيب.‏

ويعرف كثيرون كيف تم بناء قاعدة حزب ‏المؤتمر، ‏سلبيا، ‏وبلطجة.‏

وغير مرة قلت؛ إننا كنا نعيش في عهد المخلوع ‏‏"عفاش" وهما ‏ديمقراطيا، ولو كان هذا الحزب ‏انتصر ‏للمنافسة ‏الشريفة، لكان ‏أكثر من حزب وطني تجاوز شعبيته ‏بالأغلبية الساحقة.‏

وتتذكرون كيف سارع أربعة منافسين للرئيس صالح، للقبول ‏بفوزه ‏في انتخابات 2006م الرئاسية، ورفض ‏نتيجتها ‏آنذاك ‏المنافس ‏الخامس الراحل المهندس فيصل بن شملان، مرشح ‏أحزاب اللقاء ‏المشترك رحمة الله عليه، ‏حيث ظل ‏على موقفه ‏الثابت ‏والوطني المشرف والشجاع، بعدم الاعتراف بنتائج ‏الانتخابات ‏الرئاسية. وكان عظيما ‏بكل ما تعنيه ‏الكلمة، بإصراره ‏حتى ‏النَّفَس الأخير من حياته، على عدم تهنئة المخلوع نتيجة ‏"فوز ‏مشبوه" أُعلن ‏عنه‎ ‎‏رسميا قبل ‏انتهاء عمليات ‏الفرز ‏النهائية، في ‏أغلب الدوائر الانتخابية، ما كان يجب ‏على ‏أحزاب ‏اللقاء ‏المشترك، أن ‏تباركه بمؤتمر ‏صحفي، لا سيما ‏أن "ابن ‏شملان" ‏خاض، آنذاك، بشجاعة المنافسة ‏الانتخابية ‏باسمها، ‏بشعار ‏"رئيس من ‏أجل اليمن، لا ‏يمن من ‏أجل الرئيس"، في ‏إشارة ‏واضحة إلى أن اليمن كان تحت قبضة ‏رئيس عصابي، ‏وزع ‏ مفاصل ‏السلطة على ‏أفراد أسرته، ‏ومقربيه، لإدارة ‏مناصب ‏مهمة وسيادية.‏

صحيح أن الأحزاب الأخرى لها سلبياتها ومساوئها، لكن ‏لم ‏تكن بدرجات جرائم حزب المؤتمر، ‏وكانت ‏مخنوقة ‏بنظام ‏بوليسي ظل يتدخل في شؤونها، ونشاطاتها ‏وسياساتها.‏

أما "المؤتمر الشعبي"، فقد كان مسنودا بالقبيلة، وبجيش ‏عرمرم، ‏ومال، وشعبية كبيرة من ‏الفاسدين ‏والمنتفعين، ‏والمخبرين، واللصوص.‏

من ثم، فإن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بقوة: ماذا أسس ‏صالح ‏لليمن؟

بكل تأكيد.. أسس لثقافة الفساد، ‏والمحسوبية، ‏والعمالة.‏

ومن المضحك أن "العفاشيين" يفاخرون ببلاهة، بأن ‏حزبهم ‏ليس حزبا مستوردا، ولا يخجلون من أن المخلوع ‏ظل ‏أحد ‏أبرز ‏أدوات الوصاية السعودية، إن لم نقل إن أغلب ‏القيادات ‏المؤتمرية لا تزال تتسابق على تقديم ‏الولاء ‏والطاعة ‏للنظام ‏السعودي.‏

فمنذ العام 78م ظل المخلوع يدير البلاد بالأزمات ‏الاقتصادية ‏والسياسية، والنزاعات المسلحة، ‏والحروب ‏المفتعلة، ‏فأهدر ‏الآلاف من فرص النهوض باليمن، إلى ما يلبي ‏الآمال في بناء ‏دولة النظام والقانون، ‏كواجب وطني، ‏وسياسي، ‏وأخلاقي، يحتم ‏عليه المضي في ترجمة القسم ‏الجمهوري الذي أقسمه أمام نواب ‏الشعب.

‏ورغم كل هذه ‏الجرائم ‏المتوالية، لا يزال "العفاشيون" ‏يصفون هذه الجرائم ‏بـ"الأخطاء"، ليس هذا فحسب، بل ‏إنهم ‏يختصرون الأمن ‏والأمان ‏بـ"توفير الدولة للغذاء"، كمقياس ‏لوجود دولة، وهذا ليس ‏صحيحا، مقارنة بتردي ‏الخدمات، ‏وانعدام بعضها، ‏وتفشي ‏الفساد ‏الإداري والمالي، ناهيك عن ‏ازدهار الرشى في ‏كل ‏دوائرها ‏الرسمية‏، بلا ‏استثناء، مقابل ‏إنجاز ‏معاملات ‏الناس، ‏تحت مسمى ما يعرف شعبيا "حق ابن هادي".‏

وإذا ما افترضنا أن متطلبات المواد الغذائية كانت متوفرة ‏بأسعار ‏رخيصة، ما قبل 2011م، فليس منطقيا أن ‏يقال ‏اليوم "‏سلام الله ‏على عفاش"، لا سيما أن النظام ظل يشجع بشكل ‏ممنهج على ‏التلاعب بكل المتطلبات الشاملة، ‏حيث لم نسمع ‏أو ‏نشاهد يوما ‏تاجرا واحدا ‏تورط برفع الأسعار، بل كان المخلوع كلما يظهر ‏أمام شاشات التلفزة، ‏يتظاهر بأنه ‏سيحاسب التجار ‏والمتاجرين ‏بدماء ‏الناس، ارتفعت الأسعار يوما بعد آخر، أكثر ‏وأكثر.. إيه ‏والله.‏

نسبة الأمية، والفقر، والبطالة، وسوء الخدمات ‏الطبية، فضلا عن سوء التشخيص الطبي، أقل ‏ما ‏توصف بـ"المخزية".‏

أما الفساد القضائي، والشرطي، فقد كان "حديت الساعة" ‏طوال ‏حكم المخلوع، ونهب وعبث مسؤولين ‏لمليارات ‏المال ‏العام، ‏وصل إلى دهاليز الجهاز المركزي للرقابة ‏والمحاسبة، وثلاث ‏هيئات لمكافحة الفساد، حازت على ‏ثقة ‏مجلس النواب، وإلى ‏منظمات دولية، ودول صديقة داعمة ‏لعملية الإصلاح ‏الإداري ‏والمالي، وإلى مراكز دراسات ‏اقتصادية- ‏سياسية- يمنية، ‏وعالمية، وإلى كبرى دوائر الإعلام العربي،‏ والأجنبي، ورغم ‏إدانة النظام لنفسه ‏بنفسه ‏بهذه الفضائح، لم يقدم يوما ‏فاسدا واحدا ‏للتحقيق.‏

ونتذكر اليوم ما قاله الأمين العام للمؤتمر ورئيس ‏الوزراء ‏السابق، الراحل عبد القادر باجمال: "من لم يغتن ‏في ‏عهد ‏علي عبد الله صالح، فمتى سيكون ‏غنيا". وفي مناسبة أخرى قال: الفساد ملح التنمية، في إشارة ‏إلى ‏فساد ‏المخلوع ونظامه.‏

فعن أي وطن يتحدث "العفاشيون" إبان حقبة الـ33 عاما ‏من ‏حزب في شخص، وشخص في حزب؟ ولست متطرفا إن ‏قلت؛ ‏إن كل "عفاشي"، أو كائنا من كان، ‏لا ‏يفرق بين أخطاء وجرائم ‏المخلوع، هو طبل أجوف، ‏بالفطرة.‏

لقد كانت القبيلة، ولا تزال، هي من تعيق أهداف ‏وخطط ‏التنمية، ‏بعد أن تآمرت مع صالح على تصفية رمز ‏الدولة ‏المدنية، ‏الرئيس إبراهيم الحمدي، وشقيقه "عبد الله " -‏رحمهما ‏الله- عام 77، وبإشراف ودعم سعودي مباشر، وقذر.‏

هذا هو تاريخ ما يسمى "المؤتمر الشعبي العام، احتفل ‏أعضاؤه ‏وأنصاره يوم 24 من آب/ أغسطس ‏الماضي، ‏بالذكرى ‏الأربعين ‏لتأسيسه، كحزب عاث فسادا وتدميرا، وسط ‏إصرار عجيب يثير ‏الفكاهة، والسخف، على ‏أن هذا ‏الحزب "‏مظلة كل الشرفاء"، ‏فمتى كان حزبا للشرفاء؟

بالمجمل، لم يبن رئيس الحزب الحالم جيشا يدين بالولاء ‏لله ‏والوطن، ولا نظاما صحيا، ولا تعليميا، ولا اقتصادا، ‏ولا بنية ‏تحية، ‏ولا حتى نظاما مروريا، بل بنى تحالفا "عسقبليا" زيديا ‏هضبويا متخلفا، يدين ‏بالولاء، أيضا، لنظام آل ‏سعود.‏

لقد خان "عفاش" واجباته الوطنية، والوظيفية، مرارا ‏وتكرارا، ‏وقيم ومبادئ الوحدة، والجمهورية، وهذا ما ‏يجهله ‏الكثيرون.‏