كتاب عربي 21

"الأولتراس" العربي والصراع الروسي الغربي في أوكرانيا!

1300x600

لماذا نسأل عن العرب في صراع بعيد عنهم بين الناتو وروسيا في أوكرانيا؟


لأن العالم لم يكن في أي وقت من الأوقات مترابطا كما هو حاله اليوم. بات أي حدث في أي بقعة من الأرض يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على كل دول العالم، كنتيجة لثورة المواصلات والاتصالات و"العولمة" والتشابك الاقتصادي غير المسبوق.


ولكن هذا السؤال البديهي في القرن الواحد والعشرين قد يفضي إلى إجابات هي أقرب للفضيحة منها للتحليل السياسي، إذ يبدو أن عقلية الأولتراس هي ما تتحكم بالسياسة العربية، بدلا من الدراسات الاستراتيجية.


يجب أن نستدرك هنا لنقول بأن المقصود ليس الإساءة لـ"الأولتراس" سواء كفكرة أو كأشخاص، إذ أن وجوده أمر حيوي للرياضة، ولكن الأمر غير الحيوي -بالإضافة لغياب الرياضة العربية المتميزة عالميا أصلا- هو أن تتحكم عقلية "الأولتراس" بالسياسة وليس بالرياضة!


تنقسم مواقف كثير من العرب من الصراع استنادا لموقعهم من صراعات محلية أو إقليمية. يبدو هذا واضحا مثلا من غالبية داعمي نظام الأسد ومحور إيران وخصومه على حد سواء. لا تخطئ العين طبيعة التغطية الإعلامية لمحور دعم نظام بشار الأسد الذي يتفوق في الدعاية على الإعلام الروسي، انطلاقا من "حفظ الجميل" لبوتين الذي أنقذ هذا النظام.

تنقسم مواقف كثير من العرب من الصراع استنادا لموقعهم من صراعات محلية أو إقليمية. يبدو هذا واضحا مثلا من غالبية داعمي نظام الأسد ومحور إيران وخصومه على حد سواء. لا تخطئ العين طبيعة التغطية الإعلامية لمحور دعم نظام بشار الأسد الذي يتفوق في الدعاية على الإعلام الروسي، انطلاقا من "حفظ الجميل" لبوتين

غالبية مؤيدي الثورة السورية بدورهم يتبنون الدعاية الأمريكية والأوروبية بشكل كامل في الصراع، أيضا انطلاقا من موقعهم المعادي للتدخل الروسي في سوريا.


أما الدول المنتجة للنفط والغاز فيبدو أن ما يعنيها من الصراع هو التصاعد المطرد والمحتمل بأسعار الطاقة، في ظل المخاوف على إمدادات الغاز الروسية لأوروبا، وخوف أسواق النفط من التصعيد.


وعلى أهمية كل هذه الاعتبارات، إلا أنها تبقى إما عاطفية وإما آنية، ولا يجب أن تتحكم بطريقة تحليلنا ورؤيتنا للصراعات الكبرى في العالم.

 

وإذا نحّينا هذه الاعتبارات "الأولتراسية"، فإن أولى العناصر التي يجب أن تحكم رؤيتنا للصراع هي تأثيراته الاستراتيجية على التوازن الدولي وقوة الأقطاب المختلفة، وما يحمله ذلك من تأثيرات على منطقتنا العربية. يعتبر هذا الصراع بشكل من الأشكال بداية لحرب باردة ثانية، ما يعني أنه سيؤدي لتشكيل قطبي جديد في العالم. يقف الناتو وأوروبا على جانب من هذا الصراع، وتقف روسيا وتدعمها الصين بشكل غير مباشر على الجانب الآخر. ما يهمنا كعرب استراتيجيا هو أن كسر أحادية القطبية أمر حيوي للتوازن في العالم، ولكن هذا يستدعي أن يكون للدول العربية مشروع واضح للتعامل مع هذا التوازن، وذلك من خلال البحث عن المصالح مع كل الأطراف، وعدم وضع كل البيض في سلة واحدة، كما كان الحال في معظم الأحيان!

ما يهمنا كعرب استراتيجيا هو أن كسر أحادية القطبية أمر حيوي للتوازن في العالم، ولكن هذا يستدعي أن يكون للدول العربية مشروع واضح للتعامل مع هذا التوازن، وذلك من خلال البحث عن المصالح مع كل الأطراف، وعدم وضع كل البيض في سلة واحدة، كما كان الحال في معظم الأحيان!

لا ينطلق هذا الموقف من قناعة بأن روسيا دولة "جيدة" بالنسبة للمصالح العربية، إذ أن سياساتها خلال السنوات الماضية لم تكن سوى دعم الاستبداد وتوثيق العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، ولكن ما يقصد به هو الاستفادة من إمكانية حصول نوع من التوازن في العالم، وانكسار حدة السيطرة الأمريكية المطلقة، ولكن هذا يتطلب كما قلنا رؤية استراتيجية عربية للتعامل مع الواقع متعدد الأقطاب الجديد.

ثاني الاعتبارات المهمة التي يجب مراعاتها في خضم هذا الصراع هي الاستراتيجيات الاقتصادية في الدول العربية، خصوصا فيما يتعلق بالسلع الحيوية. في مقال لـ"محمد عايش" بعض الأرقام المهمة عن حجم استيراد الدول العربية للقمح، وتظهر على سبيل المثال أن مصر التي تحظى بأراض زراعية شاسعة وبمياه النيل والجزائر التي تنتج كميات كبيرة من الطاقة تستوردان ما مجموعه 10 بالمئة من جميع القمح الذي يتم تداوله في العالم.
في ظل الصراع الدائر الآن في أوكرانيا، يجدر أن تتنبه الدول العربية المستوردة للقمح وتضع خططا قصيرة المدى لأنها تستورد جزءا من قمحها من أوكرانيا وروسيا، ولكن الأهم هو وضع استراتيجيات طويلة المدى تقلل الاعتماد على القمح المستورد حتى لو كانت كلفة الاستيراد أقل من الإنتاج

في ظل الصراع الدائر الآن في أوكرانيا، يجدر أن تتنبه الدول العربية المستوردة للقمح وتضع خططا قصيرة المدى لأنها تستورد جزءا من قمحها من أوكرانيا وروسيا، ولكن الأهم هو وضع استراتيجيات طويلة المدى تقلل الاعتماد على القمح المستورد حتى لو كانت كلفة الاستيراد أقل من الإنتاج، إضافة لضرورة العودة لدراسة "التكامل الاقتصادي العربي" بشكل جاد، بما يتيح اكتفاء ذاتيا عربيا تستفيد منه جميع دول المنطقة.


قد يمثل الصراع بين روسيا والناتو في أوكرانيا سببا لأزمات عاجلة وآنية، وقد يمثل فرصة للتموضع على طريقة "الأولتراس"، ولكن الأهم والأخطر أنه قد يكون بداية لحرب عالمية باردة جديدة، تحتاج الدول العربية لاتخاذ مواقف استراتيجية منها وعدم الاكتفاء بهتافات "التشجيع" لهذا الفريق أو ذاك!