نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لمديرة برنامج آسيا في مجموعة الأزمات الدولية، لوريل ميلر، قالت فيه إنه عندما انسحبت أمريكا من أفغانستان الصيف الماضي، كان أمامها خيار حاسم: السماح بانهيار دولة بقيت في الغالب واقفة على قدميها بسبب المساعدات الخارجية أو العمل مع طالبان، أعدائها السابقين.
بعد أكثر من أربعة أشهر من مغادرة آخر رحلة عسكرية أمريكية لكابول، لم تتخذ إدارة بايدن قرارا واضحا بعد، حيث اختارت أن تتعامل مع أنصاف الإجراءات وسط أزمة إنسانية متصاعدة، والوقت ينفد، بحسب المقال الذي ترجمته "عربي21".
وقال الكاتب إنه "يجب على أمريكا أن تتقبل الدواء المر للعمل مع الحكومة التي تقودها طالبان من أجل منع دولة فاشلة في أفغانستان"، معتبرا أن خنق الحكومة من خلال العقوبات والمساعدات المجمدة لن يغير حقيقة أن طالبان هي المسيطرة الآن، ولكنه سيضمن انهيار الخدمات العامة العادية، والاقتصاد، وتقلص سبل عيش الأفغان بشكل أكبر.
وأضاف: "ستكون الدولة الفاشلة أرضا خصبة لازدهار الجماعات المتطرفة، مع وجود مساحة صغيرة للغرب للعمل مع الحكومة - بغض النظر عن كون الوضع ليس مثاليا - لمنع المزيد من التهديدات".
لقد بدأ الأفغان بالفعل بالعد التنازلي للكارثة. إن اقتصادهم القائم على النقد محروم من العملة، والجوع وسوء التغذية آخذان في الازدياد، وموظفو الخدمة المدنية إلى حد كبير بدون رواتب، والخدمات الأساسية في حالة يرثى لها.
ليس من المستغرب أن أمريكا وحلفاءها ردوا على استيلاء طالبان على السلطة بإجراءات عقابية: وقف تدفق المساعدات التي كانت تدفع لثلاثة أرباع الإنفاق العام، وتجميد أصول الدولة الأفغانية في الخارج، وقطع البلاد عن نظام التمويل العالمي والإبقاء على العقوبات على طالبان - والتي تعاقب الآن الحكومة التي يرأسونها بأكملها. هذه هي الطريقة التي تحاول بها واشنطن عادة معاقبة الأنظمة المرفوضة. لكن النتيجة كانت كارثية على المدنيين.
ومع إطلاق منظمات الإغاثة إنذارات يائسة أكثر من أي وقت مضى، فقد اتخذت أمريكا ودول غربية أخرى خطوات إضافية لمساعدة الأفغان من خلال محاولة الالتفاف حول طالبان، حيث نما تمويل المساعدات الطارئة التي تقدمها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، إذ قدمت واشنطن الحصة الأكبر، ما يقرب من 474 مليون دولار في عام 2021. كما وسعت الحكومة الأمريكية بشكل تدريجي المقتطعات الإنسانية من عقوباتها وأخذت زمام المبادرة في الحصول على إصدار مجلس الأمن استثناءات من عقوبات الأمم المتحدة، ما يسهل على من يقدمون المساعدات القيام بعملهم دون مخاطر قانونية.
لكن هذه الخطوات غير كافية باعتبار أن الغذاء والدعم للرعاية الصحية وأنواع أخرى محدودة من المساعدات المقدمة لحد الآن لن تكفي إلا للتخفيف من الظروف الأليمة التي يعيشها المدنيون الأفغان، بحسب الكاتب.
وقال المقال: "يجب على أمريكا أن تميز بين طالبان كمتمردين سابقين والدولة التي يسيطرون عليها الآن. ويبدأ ذلك برفع العقوبات عن طالبان كمجموعة (ترك عقوبات على بعض الأفراد وحظر توريد أسلحة) وتمويل وظائف حكومية محددة في مجالات مثل التنمية الريفية والزراعة والكهرباء والحكم المحلي واستعادة عمليات البنك المركزي لإعادة ربط أفغانستان بالنظام المالي العالمي".
كما أن اتخاذ هذه الخطوات يخدم المصالح الغربية. وسيساعد في الحد من الهجرة المتزايدة من البلاد وزيادة إنتاج المخدرات غير المشروعة من قبل الأفغان اليائسين للحصول على دخل. يمكن أن ينتج عنه أيضا فرصة محدودة على الأقل لجعل طالبان تتعاون مع أمريكا لقمع التهديدات الإرهابية من فرع تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان والجماعات الأخرى.
ستصبح أفغانستان بلا شك أكثر فقرا في ظل حكم طالبان مما كانت عليه في السنوات الأخيرة، ولن تعيد أي بلد المساعدة إلى المستوى الذي تمتعت به الحكومة السابقة. لكن السكان بحاجة إلى مسار يعتادون خلاله على مستوى متناقص من الدعم، بدلا من القطع المفاجئ الذي أصاب الاقتصاد بصدمة.
يمكن معالجة مخاوف العواصم الغربية من أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تعزز مكانة طالبان أو قدرتها على تحويل الأموال إلى أغراض غير شرعية، من خلال فرض القيود والمراقبة.
اقرأ أيضا: FP: طالبان تضغط لإجراء عملية تبادل سجناء مع أمريكا
وأضاف الكاتب: "أستطيع أن أتفهم هذا التردد، والذي قد يهدف أيضا إلى الحفاظ على الضغط على طالبان. لكنني رأيت خلال العقدين الماضيين كيف بالغت القوى الغربية باستمرار في تقدير قدرتها على حمل السلطات الأفغانية - أيا كانت - على الإذعان لمطالبها. فقد تجاهلت الحكومات التي كانت تعتمد كليا على الأمن والدعم المالي الأمريكي الضغط لتبني استراتيجيات واشنطن المفضلة لصنع السلام وخوض الحروب ومكافحة الفساد".
هذا لا يعني أن الغرب يجب أن يتخلى عن جهوده لجعل طالبان تحترم حقوق الإنسان وتتعاون في الأولويات الأمنية. لكن التوقعات يجب أن تكون متواضعة.
وختم الكاتب مقاله بالقول إنه "لن يكون لدى طالبان أبدا سياسة بشأن حقوق المرأة تتوافق مع القيم الغربية. إنهم لا يبدون أي بوادر على تبني حتى أشكال محدودة من الحكم الديمقراطي. كما أنه من غير المحتمل أن يتخذوا إجراءات فعالة لتدمير أو تسليم فلول القاعدة، على الرغم من أنهم قد يقيدون نشاطهم".
FP: طالبان تضغط لإجراء عملية تبادل سجناء مع أمريكا
NYT: جيمي كارتر خائف على الديمقراطية الأمريكية
صحيفة إسبانية: 3 سيناريوهات لحروب قد تنشب في 2022