على وقع
المصالحة الخليجية المباركة في العلا وآفاق تداعياتها في المنطقة عموما ولبنان خصوصا، هل يتبدّل المشهد في
لبنان الغارق بين بيان من هنا ورد من مكتب إعلامي هناك؟ في مشهد أقل ما يصفه الناس المقيدون بالإغلاق العام بسبب عودة تفشي كوفيد 19؛ بأنه مقرف وهزيل أمام جسامة الكارثة الاقتصادية والنقدية والمالية، في بلاد وُصِف سياسيوها عبر وزير خارجية فرنسا بأنهم في واد والواقع في واد آخر، وكأنهم منفصلون عن الواقع المرير والمزري الذي يقض جوانب الناس من كل جانب، وكأننا على شفير زوال لبنان.
حرارة الاستقبال ومتانة الدور العربي والإقليمي
جاءت قمة العلا
السعودية تتويجا للمسعى الكويتي المبارك، وترجمة للضغط الأمريكي من جهة، ورغبة الأطراف المعنية في لحظة إقليمية حرجة إلى لمّ الصف، حيث الأوراق متبعثرة في زمن السياسة المتحولة بين الفينة والأخرى، في منطقة تكاد تكون ليس على كف عفريت واحد، بل مجموعة عفاريت تعبث بأمنها واستقرارها.
وكم كانت ملفتة حفاوة الاستقبال السعودي عبر ولي العهد محمد بن سلمان لأمير
قطر الشيخ تميم بن حمد، لقد عكست حرارة الاستقبال أدوار قادمة في المنطقة لكل المنظومة الخليجية، وفي مقدمتها السعودية وقطر معا. من هنا لا بد من ضرورة استخلاص العبر من الأزمة، والبناء على المستقبل لما فيه خير البلدين، اللذين يعتبران مفاتيح في حلول المنطقة القادمة عند وقتها المستحق، وحبذا لو كان لبنان في طليعتها.
إن الوقوف عند الأدوار التسهيلية بين الطرفين في المنطقة، تبدأ من الانفتاح على بلورة حلول وبناء تصور مشترك وواقعي؛ له القدرة على الحياة والنور لتبصرة آلية عمل لنزع فتائل النار المحيطة في العالم العربي برمته، وذلك عبر أدوار ظاهرة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي على ما يبدو بحاجة إلى إيجاد تصور مع الحلفاء، لرسم صورة المنطقة في السنوات القادمة. ولا شك أن السعودية وقطر تملكان القدرة، وكل من موقعه، على خلق الأرضيات الدبلوماسية السياسية لإنضاج حل.
إن الحل المنشود برغم التشدد في البيان الختامي الخليجي، إن لجهة طهران أو لجهة حزب الله، إلا ان التعاطي الأمريكي سيظهر الأدوار، حيث الكلمة الفصل أمريكيّا هي التي تخط الحروف الأولى، ثم يأتي الباقي تباعا سعوديا وقطريا.
وعليه، لبنانيّا وحيث الساحة المعقدة والشبه مقفلة، هل من حلول لها في الأفق؟
هل يكون لبنان على طاولة البحث السعودية القطرية؟
اليوم لم يعد سرا أن الرئيس عون يرفض أن يكون سعد الحريري رئيسا للحكومة، وقد ظهر ذلك عشية التسمية النيابية خلال المؤتمر الصحفي الشهير لفخامة الرئيس، وعليه يعمل ما بوسعه على عدم تمكينه من تأليف الحكومة التي يحتجز تشكيلتها في أدراج مكتبه في قصر بعبدا برأي المستقبليين، في حين أن الحريري المدرك لتوجهات عون يتمسك بالتكليف ويضع ورقته في جيبه إلى أجل غير مسمى، وهو حتى إن لم ينجح في التأليف، فإنه يصر على أن يكون ممثل الطائفة السنية الأقوى على أي طاولة قد تعقد للحوار، التي قد تكون المصالحة السعودية- القطرية مدخلا لها، وذلك للبحث في كيفية الخروج من الأزمة المستعصية على الفرنسيين منذ انفجار "بيروتشيما" الشهير.
إن النظر مليا في البيانات بين بعبدا وبيت الوسط، يُظهر وكأن الجرة قد كُسرت، ولكن أليست هناك من إمكانية لإحداث اختراق؟ أعتقد جازما أنه في حلّ، كانت هناك حركة عربية خليجية، وبرغم التشدد الخليجي إلا أن حزب الله يمتلك البراغماتية الكافية للتفاعل مع الموجة العالية في الإقليم، خاصة أن الداخل المتشتت والمنهك اقتصاديا وماليا وإنسانيا وحياتيا حتى النخاع، لم يعد يحتمل هذه الانكفاءة الخليجية.
الاتفاق المنشود بين الطائف والدوحة
فهل تكون لغة البيان الخليجي إنذارا يسبق عاصفة ما؟ واقع الحال يشي بأن لبنان يحتاج اليوم إلى اتفاق جديد لبلورة عشرية جديدة من المساكنة السياسية بين مكوناته الطائفية. ربما ما نحتاجه لبنانيا اليوم هو اتفاق جديد بصيغة الرئيس ماكرون الذي تحدث عن عقد اجتماعي جديد، وفي التفسير هو عقد لاتفاق يكون أدنى من سقف اتفاق الطائف المبرم بالمباركة السعودية- العربية، وأعلى من اتفاق الدوحة المبرم بالمباركة القطرية- العربية لإنجاز صيغة تكفل نهوض لبنان، فيكون الاتفاق المنشود ضمن أطر المبادرة الفرنسية بالموافقة الأمريكية ضمن أوراق اعتماد إيرانية لدى الأمريكان، وتحرك خليجي عنوانه السعودية وقطر، نظرا لما للدولتين من دور وتأثير على أطراف الداخل اللبناني، وبذلك بداية فكفكة العقد الإقليمية بالقطعة، فهل يكون لبنان البداية؟
إن أكثر ما يُخشى أن يكون البيان تهديديا، وألا يدرك لبنان الجميل صيغة جديدة، فيرحل عنا كما رحل لبنان المرسوم بأغاني الرحابنة الذين ودعنا آخر عنقودهم، الأستاذ إلياس، الأسبوع المنصرم.