مقالات مختارة

عام جديد 2021

1300x600

الحكم العام هنا على العام الجديد أنه سوف يكون أفضل من ذلك الذي ذهب عالميا وإقليميا ومصريا. هذا ليس لأن ذلك الذاهب كان من أسوأ الأعوام وأكثرها شراسة فحسب، حيث لا يوجد ما هو أكثر سوءا من الإصابة بمرض أو الوفاة بسببه، ولمن عاشوا فإنه فضلا عن الركود الاقتصادي فإن أفضل ما حصلوا عليه هو «التباعد الاجتماعي». ولآلاف السنين عاشت البشرية لكي تكون أكثر صراحة وشفافية وصدقا فإذا بها ترتدي «الكمامة» من جديد.

ولكن هناك أسباب حملناها إلى العام الجديد، ما هو ذائع منها كان استخدام كل ما هو عن «بعد» في التعليم والصحة، وفي بلاد متقدمة نقل البضائع عن طريق مركبات فضائية. ولكن أعظم ما نقلناه كان عملية التعبئة الكبرى لإنتاج اللقاح الذي أتى بعد أقل من عام بعد أن كان المعتاد هو 10سنوات.

لن تأتي السعادة فورا فما زلنا في قلب الشتاء، ولكن الربيع قادم وساعتها سوف يكون مليارات من البشر قد حصلوا على اللقاح، وفي الصيف سوف يكون هناك انتعاش بعد أن تعود حركة التجارة والأعمال إلى الحركة، أما تجاوز الأزمة فربما فلن يحدث إلا مع نهاية العام. هناك سبب آخر على مستوى العالم يعطي بعضا من الراحة، وهو أنه سوف يستقر في ذهن السيد دونالد ترامب أنه قد خسر الانتخابات، أما ما سوف يأتي لذهن السيد جو بايدن فسوف يكون هناك فرصة لكي يلتقط العالم أنفاسه بعد أن يجد يدا مستقرة في الولايات المتحدة. هناك أمور لم يعد هناك عائد من مراجعتها، فلن تعود بريطانيا مرة أخرى إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتأكيد فإن «العولمة» لن تعود هذا العام إلى سابق عهدها، ولا يجب أن نحمل العام بأكثر من كونه فرصة لالتقاط الأنفاس بعد عام صعب، وربما التفكير فيما يجب عمله في هذا الكون.

إقليمنا في الشرق الأوسط تحمل ما تحملته بقية الكرة الأرضية من أعباء «الجائحة»، والتي رغم كل سوءاتها فإنها ربما ضغطت من أجل تهدئة في المنطقة، والتهدئة لا تزيد عن التقليل أو وضع حدود للعنف كما جرى في ليبيا وبدرجة أقل في سوريا. مثل ذلك فضل، وإذا زاد عليه أفضال السعي إلى السلام بين دول عربية وإسرائيل، وسعيا إلى التعاون في أمور الطاقة في شرق المتوسط أو استعادة العراق في شرق المشرق العربي، فإن الشهور القادمة تحمل رياحا طيبة. الأمر في الأول والآخر هو محض مخاطر يمكن تجنبها، وفرص يمكن انتهازها، والماهر هو من يكون لديه المهارة لكيلا يتجاوز الظرف فقط، وإنما يتعداه إلى آفاق جديدة؛ فالعام القادم لن يكون هو كل الأعوام، وما هو إلا العام الأول في عشرية جديدة نهايتها في 2030.

ولحسن الحظ أن مصر لم تخضع للفيروس وإنما قاومته، ومهما اختلفنا حول الأرقام، فإن المشهد الذي رأينا فيه العالم أوضح كثيرا أننا لم نكن بين الخاسرين في السباق. ومصر أيضا لم تكن ساكنة، فقد شهدت الواقعة وهي مصممة على البناء والإضافة، وفي النهاية ظل معدل النمو إيجابيا، ورغم كل سوءات العام المنصرم فإنه كان العام الذي شهد اكتمال الكثير من المشروعات، ولأسباب غير معروفة أطل علينا الفراعنة من خبيئة بعد أخرى في رسالة غير واضحة، ولعل في بعثهم الجديد خيرا.

وفي العام القادم سوف تكون هناك احتفالات كثيرة لافتتاح مشروعات ربما بات فرضا علينا أن نعد لها من الآن، بينما نضع حجر الأساس لمشروعات أخرى تكون في حقيقتها تشغيل كل ما أنجزناه حتى الآن في البنية الأساسية في الطرق والأنفاق والطاقة. اكتمل النظام السياسي كما جاء في الدستور مع انتخابات مجلس النواب وإنشاء مجلس الشيوخ وعودة أ. إبراهيم عيسى إلى شاشة التلفزيون مرة أخرى، في إشارة إلى انفتاح وحوار مدنى.

وإذا كان ذلك كله لا يسعد الناس لأن الأسعار ارتفعت، أو أن خدمات قد تأخرت، أو أن الحكمة ليست سائدة في كل الرجاء، فإن الدرس البليغ هو أنه لا غذاء بالمجان، وأن التجارب الكبرى في دنيانا كان ثمنها دائما الدم والعرق والدمع، وفي حالات أخرى كان التفكير والجهد والاجتهاد هي المداخل للتعامل مع عالم معقد دوليا وإقليميا. وربما قد آن الأوان لكي نفكر ليس لسنة أو سنتين، وإنما أن يكون موعدنا هو مساحة عقد في 2030 لكي ينتظم الكون، وتتوازن الحياة، ويكون في النفس رضا.

(عن صحيفة المصري اليوم)