مقالات مختارة

لماذا ندفع للنظام الدكتاتوري الذي يترأسه الفرعون السيسي في مصر؟

1300x600

على الرغم من أن الرئيس دونالد ترامب أعلن صراحة رغبته في سحب الولايات المتحدة من حروب الشرق الأوسط التي لا تكاد تنتهي، ما تزال واشنطن متورطة وبشكل خطير هناك. 

فها هي القوات الأمريكية تواجه قوات عسكرية معادية في الحرب الأهلية السورية، بينما تستمر الولايات المتحدة في احتلال العراق رغم مطالبة بغداد القوات الأمريكية بالمغادرة، وتساعد المملكة العربية السعودية في عدوانها الدموي على اليمن، وتهدد بالهجوم على إيران بعد أن شنت حربا اقتصادية وحشية ضد الجمهورية الإسلامية. 

ولا يقل إزعاجا عن ذلك دعم الإدارة الدائم لأسوأ الطغاة في المنطقة. بل لقد عمدت واشنطن من حيث الأساس إلى صياغة سياسة إقليمية على هوى النظام الملكي السعودي على الرغم من اعتداءاته على الحريات السياسية والمدنية داخل المملكة وعلى السلام والاستقرار خارجها. ولا تتفوه الولايات المتحدة بكلمة إزاء سحق نظام آل خليفة الملكي السني في البحرين لتطلعات الأغلبية الشيعية. ومازالت دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين – ما مجموعه ثمانون مليار عبر السنين – تمول فرعون مصر الجديد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري قبل سبعة أعوام. 

لقد وصل احترام الدكتاتور لحقوق الإنسان نقطة العدم. يقول تقرير حديث صادر عن منظمة هيومان رايتس واتش، إن مصر الآن تسيء معاملة الأطفال في السجن، وكجزء من القمع الذي يمارسه النظام بشكل مستمر "تقوم قوات الشرطة والضباط التابعون للأمن الوطني في وزارة الداخلية، بإلقاء القبض تعسفيا على المئات من الأطفال الذين تساء معاملتهم ويمارس ضدهم التعذيب. ولقد فاقم المدعون العامون والقضاة من هذه الإساءات من خلال انتهاكاتهم الصارخة للإجراءات القانونية المتعارف عليها، وحرمان المتهمين من محاكمات عادلة."

لا ينبغي أن يتفاجأ أحد بانحدار النظام إلى أسفل سافلين؛ فهو الذي نفذ بمساعدة النظام الملكي السعودي القمعي والوحشي انقلابا عسكريا وسجن الرئيس المنتخب، وألقى القبض على كبار المسؤولين في الحكومة وفي الحزب الحاكم وفي وسائل الإعلام، وقتل المئات من المتظاهرين من أنصار مرسي، الذين ربما تجاوز عددهم عدد من قتلوا في ميدان تيانانمن. 

ثم راح يلقي القبض على كل من يتظاهر أو ينتقده أو يعارضه، أو كل من له علاقة بمن يفعل ذلك. يقبع اليوم في السجن ما يقرب من ستين ألف معتقل، ويحكم على كثيرين بمدد طويلة من السجن أو حتى بالإعدام. 

اضطر النظام إلى إنشاء سجون جديدة لاحتجاز الأعداد الهائلة من السجناء السياسيين، وعن ذلك قالت منظمة فريدام هاوس (بيت الحرية): "نتج عن سلسلة من المحاكمات الجماعية خلال السنوات الأخيرة أحكاما قاسية، بما في ذلك السجن مدى الحياة والإعدام، بناء على أدلة هشة والأغلب أنها ترتبط بحوافز سياسية."

وفي عام 2014 رتب السيسي لنفسه انتخابات فاز فيها على خطى رؤساء الدول الشيوعية بنسبة 97 بالمائة من الأصوات. وقبل عامين سمح لشخص واحد فقط بمنافسته، وكان ذلك الشخص من أنصاره المعروفين، لدرجة أنه قال: "لست هنا لأتحدى الرئيس". وعندما أعلن مرشحون آخرون عن نيتهم منافسته، أجبرهم السيسي على الخروج من السباق مهددا إياهم، وفي بعض الحالات بإلقاء القبض عليهم، وانتهى المطاف بأنصار هؤلاء المرشحين، وفي بعض الأوقات بالمرشحين أنفسهم، في السجن. ولما كان هو الذي يعد الأصوات، فقد حقق تارة أخرى فوزا بنسبة 97 بالمائة، وبكل سهولة. إلا أن كل المناشدات الحماسية والرشاوي السافرة وحتى التهديدات القبيحة، لم ترفع نسبة المشاركة في الاقتراع عن 41 بالمائة. في نهاية المطاف، ما فائدة التصويت إلا أن يكون محاولة لشرعنة حكم الفرد. 

كشف التنكيل بمنافسي السيسي المحتملين في الانتخابات الرئاسية لعام 2018 عن عزم النظام على محو أي فرصة للتغيير السلمي في القيادة. فمن خلال التحكم بالعملية الانتخابية، وترهيب المرشحين الرئيسيين لإجبارهم على الانسحاب، وحرمان الأحزاب السياسية ذات المصداقية من أي حيز ذي معنى لكي ينشطوا بشكل فعال، فإن الحكومة تجعل من المستحيل على المعارضة أن تصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات. 

وهذا العام صنف فريدام هاوس مصر على أنها "بلا حرية"، مما منح النظام فقط 21 نقطة من مائة، بعد أن كان له 22 نقطة في العام الماضي وفي العام الذي سبقه 26 نقطة. لقد كان حكم المنظمة موجزا وبليغا: "لا تكاد توجد أي معارضة سياسية ذات معنى، حيث إن أي تعبير عن المخالفة يمكن أن يتسبب في محاكمة جنائية تنتهي بالسجن، وتفرض قيودا صارمة على الحريات المدنية، بما في ذلك حرية الصحافة وحرية التجمع."

وافقت هيومان رايتس واتش على أن عام 2019 كان عاما سيئا للشعب المصري، حيث "لجأت السلطات إلى سلسلة من الإجراءات القمعية ضد المحتجين وضد من تعدّهم منشقين، وشملت هذه الإجراءات الإخفاء القسري، والاعتقالات الجماعية، والتعذيب، وغير ذلك من أساليب المعاملة المسيئة، والاستخدام المفرط للقوة وإجراءات رقابة مشددة، وخاصة بعد الاحتجاجات ضد الرئيس في العشرين من أيلول/ سبتمبر". 

وبالفعل، أذهله انطلاق احتجاجات، حتى ولو كانت محدودة، بعد سنوات من القمع الدموي الفرعون فيما يبدو، فأطلق يد الأجهزة الأمنية لتقوم بأكبر حملة قمعية منذ أن استولى على السلطة، فألقي القبض على ما يزيد عن ثلاثة آلاف شخص.

وفي تقرير لها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قالت منظمة العفو الدولية: "قامت السلطات بحملة تمشيط واسعة ألقت خلالها القبض على المئات من المتظاهرين السلميين، هذا بالإضافة إلى القيام باعتقالات تعسفية استهدفت المحامين ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين، والنشطاء السياسيين وحتى السياسيين أنفسهم."

رغم الآمال التي علقها المسيحيون الأقباط، الذين أيد كثيرون منهم الانقلاب خوفا من تنامي نفوذ الإخوان المسلمين، فقد لاحظت منظمة العفو الدولية أن "السلطات قيدت حق المسيحيين في العبادة فأغلقت على الأقل 25 كنيسة، ورفضت منح تصاريح لبناء أو إصلاح آلاف أخرى". واعترفت أيضا وزارة الخارجية الأمريكية بوجود هذه المشكلة، حين أصدرت تقريرا من عشرين صفحة أشارت فيه، ضمن أشياء أخرى، إلى أن "المدعين العامين استخدموا تهم الإساءة للدين لكي يأمروا بالقبض على أي شخص يبدو من كلامه أنه ينتقد الإسلام أو المسيحية، وكانت النسبة الأكبر من تهم التجديف توجه ضد المواطنين المسيحيين في البلاد".

وكما لو أن النظام كان بلا سلطات كافية، قام بتغيير القانون عبر تعديلات دستورية، وكما تقول منظمة هيومان رايتس واتش، لكي "يعزز الحكم السلطوي ويقضي على ما تبقى من استقلالية هشة للقضاء، ويوسع من صلاحيات الجيش للتدخل في الحياة السياسية"، أحد نتائج ذلك كان التوسع في اللجوء إلى المحاكم العسكرية، والتخلي حتى عن التظاهر باللجوء إلى القضاء المدني. 

تقوم الحكومة بشكل روتيني بتوزيع تهم "الإرهاب" على ناقديها كوسيلة للقمع. وقد بينت منظمة العفو الدولي في تقريرها الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 أن " نيابة أمن الدولة العليا، تقوم بدور محوري في القمع الذي تمارسه السلطات المصرية، حيث دأب وكلاء النيابة على انتهاك حقوق المحتجزين في الحرية والمحاكمة العادلة، وإصدار الأوامر بالاحتجاز التعسفي للمئات من الأشخاص، والتواطؤ في انتهاكات خطيرة ارتكبها ضباط قطاع الأمن الوطني، بما في ذلك التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والإخفاء القسري".

كما يتم اعتقال الأطفال في سن 12 عاما، وتعرض بعضهم للإخفاء، وأدين بعضهم وتعرض للسجن والتعذيب. ولقد أوردت منظمة هيومان رايتس واتش شهادات لفتيان كل ما اقترفوه هو أنهم احتجوا على انتهاكات الحكومة –وفي بعض الحالات لم يكن جرمهم سوى أنهم كانوا قريبين من المظاهرات التي شارك فيها آخرون. وخلصت المنظمة إلى أن "جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، ألقى القبض تعسفايا على مئات الأطفال وأساء معاملتهم وعرضهم للتعذيب. ولقد فاقم المدعون العامون والقضاة من هذه الإساءات من خلال انتهاك ما هو متعارف عليه من إجراءات قانونية، ومن خلال نصب محاكمات غير نزيهة وغير عادلة".

أما تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في مصر فيأتي في 57 صفحة، وتفصل فيه الخارجية الأمريكية انتهاكات حقوق الإنسان التي يصر وزير الخارجية مايك بومبيو على تجاهلها: القتل غير المشروع أو التعسفي، بما في ذلك القتل خارج إطار القانون من قبل الحكومة أو عملائها أو الجماعات الإرهابية، الإخفاء القسري، التعذيب، الاعتقال التعسفي، أوضاع قاسية تهدد الحياة داخل السجون، مساجين سياسيون، التدخل التعسفي أو غير المشروع في الخصوصيات، أسوأ أشكال التقييد لحرية التعبير والصحافة والإنترنيت، بما في ذلك اعتقال الصحفيين وإحالتهم إلى المحاكمة، الرقابة على المطبوعات، حظر المواقع، وجود إجراءات غير مفعلة ضد التشهير، التدخل على نطاق واسع في حقوق التجمع السلمي وحرية التجمع، مثل القوانين المقيدة بشدة لنشاط منظمات المجتمع المدني، تقييد المشاركة السياسية، ممارسة العنف ضد الأقليات الدينية"، وغيرها كثير. 

إذا أخذنا هذا السجل بالاعتبار، لا ينبغي أن يفاجئنا أن كثيرا من النشطاء الذين ثاروا ضد حسني مبارك وساهموا بفعالية في إسقاطه عام 2011 باتوا الآن يتحسرون على أيامه، مشيرين إلى أن الفقر والقمع في تزايد، بل إن سوء حكم السيسي بيّض صفحة مرسي، لدرجة أن بائعا متجولا يبلغ من العمر 24 عاما قال عنه في تصريح لصحيفة ذي واشنطن بوست: "أعتقد أن الناس الآن يقدرونه أكثر".

ليس بإمكان الولايات المتحدة إجبار فرعون جديد على احترام حقوق الإنسان. ولا يعدّ وقف المساعدات الخارجية تهديدا خطيرا، بما أن السعوديين يمكنهم بسهولة أن يعوضوا أي نقص في التمويل، وهم الذين ذهبوا إلى حدّ شراء جزر طالما سال لعاب الرياض لها، ولكن كانت مصر تسيطر عليها، مما أثار سخطا جماهيريا كبيرا في مصر. 

علينا أن نعترف أن البديل عن السيسي قد لا يكون الديمقراطية – فالعسكر يحكم قبضته على البلاد منذ إسقاط الملك فاروق في عام 1952 –، ولكن مصر ستكون أفضل حالا تحت حكم مستبد أقل قمعا. 

على أية حال، لا تحتاج الولايات المتحدة للاستمرار في التواطؤ مع جرائم السيسي الكثيرة؛ فهو لا يملك خيارا سوى أن يعمل مع واشنطن، أخذا بالاعتبار اعتماد عسكره على التسليح الأمريكي، ولن يشن حربا على إسرائيل حتى لو قطعت عنه الإدارة كل دعمها. 

وأخيرا، من المحتمل أن ترتد سهام القمع اللامحدود الذي يمارسه السيسي على نحره؛ إذ قد تنفجر ثورة جديدة، وهذه قد تكون أشد عنفا وأخطر على الاستقرار من الثورة السابقة. ويحتمل أن يندفع المصريون نحو التطرف بسبب القمع الوحشي الذي يتعرضون له، وقد يشجعهم ذلك على التطلع إلى الإسلاميين المتشددين الذين يمارسون العنف. 

يخشى فيليب كراولي، الذي كان سابقا في الخارجية الأمريكية، من أن "بذور الثورة في حالة من التبرعم في مصر الآن." بينما حذر إتش إيه هيلير من المجلس الأطلنطي من أنه من خلال "إغلاق المجال أمام التعبير عن الرأي الآخر علانية، فإن إمكانية أن يحدث شيء أشد فوضوية مما حدث في عام 2011 باتت واردا جدا".

يجب على واشنطن إنهاء المساعدة المدنية والعسكرية والضغط على النظام ليحسن من أوضاع حقوق شعبه وحرياته. إن التسامح مع القمع الجماعي أمر سيئ، والأسوأ من ذلك هو التواطؤ معه.


عن موقع "المحافظ الأمريكي" ترجمة "عربي21"

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)