قضايا وآراء

هل زعزع كورونا النفوذ العسكري الأمريكي؟

1300x600

الطواقم العسكرية الروسية وصلت شمال إيطاليا لتبدأ عملها بتطهير الأماكن العامة ومستشفيات مقاطعة لومبارديا أكثر الأقاليم الإيطالية تضررا من تفشي وباء كورونا (كوفيد 19).

 

تنامي النفوذ الروسي والصيني

الأمر لم يقتصر على روسيا، إذ وصلت جحافل من الخبراء والمتخصصين من الصين لكل من إيطاليا وإسبانيا وصربيا والجبل الأسود؛ فجائحة كورونا تحولت إلى فرصة لتعزيز الحضور السياسي والاقتصادي والأمني الصيني الروسي فيما بات يعرف بديبلوماسية الكمامة الصينية الروسية في القارة الأوروبية العجوز.

النشاط الروسي الصيني ترافق مع حالة من الشلل الأمني في القارة الأوروبية، إذ طال الوباء المؤسسات العسكرية الأوروبية؛ فقائد أركان الجيش الإيطالي الجنرال سالفاتوري فارينا أصيب بالفيروس؛ في حين حجر على عدد من وزراء الدفاع الأوروبيين بعد اجتماعات مكثفة في بروكسل ثم في بوركينا فاسو بإفريقيا لتشكيل قوة جديدة بقيادة فرنسية لمكافحة ما يسمى الإرهاب؛ فالفيروس كوفيد 19 خلط الأوراق وأربك الاستراتيجيات العسكرية واخترق الغرف المحصنة في أوروبا .

 

اتساع دائرة الاهتمام الأمريكي والانتشار الواسع لقواتها في أكثر من 55 قاعدة عسكرية فاقم أزمة الولايات المتحدة الأمنية في زمن فايروس كورونا الذي اخترق التحصينات والغرف المغلقة لحلف الناتو وهدد بانكشاف أمني في منطقة الخليج العربي.

 



الجائحة الوبائية هددت المؤسسات الأمنية الأوروبية بشكل مباشر؛ دافعة أحد الجنرالات الإيطاليين  المتقاعدين للتحذير من النشاطات الروسية في بلاده وضرورة مراقبتها؛ في حين بدأت الدول الأوروبية تبدي حذرا متصاعدا من النشاط الصيني في القارة الأوروبية ما دفع جوزيب بوريل ممثل السياسة الخارجية الأوروبية لانتقاد النشاط الصيني في القارة الأوروبية؛ رد عليها الناطق باسم الخارجية الصينية مستنكرا موقف الاتحاد الأوروبي.

تحفظات تطورت فيما بعد لتشمل رفض الدول الأوروبية إدخال معدات طبية صينية إلى القارة الأوروبية بحجة عدم صلاحيتها وموافقتها للمعايير الأوروبية؛ وأطلقت صافرة إنذار أمريكية دفعها للتحرك لتقديم المساعدة لشركائها في الناتو لتسير بالتوازي مع حزمة إجراءات اقتصادية تحفيزية للاتحاد الأوروبي غير مسبوقة لمساعدة الدول المتضررة من جائحة انتشار فايروس كورونا على أمل استعادة التضامن الأوروبي لعافيته والتصدي للخروقات الصينية والروسية.

 

صعوبات أمام الدور الأمريكي

ورغم الجهود الأمريكية المتسارعة لاحتواء الموقف في القارة الأوروبية إلا أن الأزمة لم تقتصر تداعياتها على القارة الأوروبية؛ فسرعان ما اتخذت منحى أكثر درامية في المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي؛ بالإعلان عن إصابة 100 من طواقم حاملة الطائرات الأمريكية النووية العملاقة (يو. أس. أس ـ ثيودور روزفلت) بعد زيارة قامت بها إلى أحد الموانئ الفيتنامية مطلع شهر آذار (مارس)  الماضي.

إصابات دفعت حاملة الطائرات الأمريكية للرسو في ميناء جزيرة (غوام) دون الحصول على إذن بإجلاء الطاقم من الحاملة أو السماح بإجراءات حجر وتعقيم؛ ما دفع قائد الحاملة الأدميرال ريت كروزييه إلى توجيه نداء استغاثة دعا فيه إلى اتخاذ إجراءات الحجر وإخلاء حاملة الطائرات لحماية الجنود وهو أمر رفضه البنتاغون.

لم يقتصر الأمر على سحب حاملة الطائرات روزفلت من بحر الصين الجنوبي؛ إذ سارعت حاملة الطائرات (يو. أس. أس ـ رونالد ريغان) الناشطة في المحيط الهادي قبالة شبه الجزيرة الكورية للتوجه إلى قاعدة (غوام) بحجة انتهاء مهمتها في المحيط الهادي، وهو أمر يمنع توجهها إلى الولايات المتحدة للمباشرة بأعمال الصيانة الدورية؛ وبذلك فإن إثنتين من القطع البحرية الأمريكية خرجتا عمليا من الخدمة  لمدة 60 يوما عملا بالحظر الذي أعلن عنه وزير الدفاع مارك إسبر؛ الذي يمنع مغادرة الجنود لقواعدهم أو العودة إلى أمريكا لمدة 60 يوما.

الإجراءات المتعلقة بالحد من حركة الجنود الأمريكيين لم تقتصر على الحاملة ريغن وروزفلت؛ إذ  خضع أكثر من 900 ألف جندي أمريكي خارج الولايات المتحدة لذات الإجراءات المعلنة بعد تسجيل إصابات مؤكدة بلغت حتى يوم أول أمس الثلاثاء 31 آذار (مارس) الفائت ما يقارب الـ 400 حالة، ما استدعى إلغاء العديد من النشاطات التي هددت الفاعلية العملياتيه للقوات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي.

ورغم انتشار القوات الأمريكية الواسع والهواجس الأمريكية المتنامية من توسع النشاط الروسي والصيني في القارة الأوروبية؛ إلا أن العراق وإيران مثل الهاجس الأكبر للقادة العسكريين الأمريكيين ما دفع الولايات المتحدة إلى تكثيف نشاطاتها بتسريع عملية تسليم القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وتركيز قواتها ودفاعتها في عدد محدود من القواعد إلى جانب إجراء مناورات مشتركة مع قوات إماراتية في قاعدة الظفرة الجوية في الوقت الذي ألغت فيه واشنطن مناوراتها العسكرية مع القوات الكورية الجنوبية نتيجة تفشي وباء كوفيد 19.

 

كلفة التصعيد ضد إيران مرتفعة


فالخليج العربي والعراق وأفغانستان والقارة الإفريقية ورغم التطورات المتسارعة في مركز الاهتمام الأمريكي؛ أمر ناقشه في وقت سابق من شهر آذار (مارس) الماضي قائد المنطقة المركزية للقوات الأمريكية الجنرال كينث ماكنزي في مؤتمر صحفي مستبقا التطورات الدرامية في الأسبوع الأخير من شهر آذار (مارس) الفائت.

فالجنرال ماكنزي وجه تحذيرات لإيران بجاهزية الولايات المتحدة للدفاع عن قواتها في العراق وحلفائها في المنطقة؛ عززها فيما بعد بأطلاق مناورات في قاعد الظفرة بمشاركة من القوات الاماراتية؛ بل وحشد المزيد من القوات من ضمنها وحدات من الفرقة 101 وحاملتي طائرات .

 

فيروس كورونا كشف حجم التحول في أهمية الخليج العربي من ذخر استراتيجي أمريكي إلى عبء استراتيجي؛ بتهديد الصناعة النفطية في أمريكا نتيجة انهيار أسعار النفط؛ والأهم من ذلك أنه تحول إلى عبء أمني بمضاعفة المخاطر الأمنية.

 


 
الحشد الأمريكي الكبير لحاملتي طائرا ت في الخليج العربي (يو .أس .أس هاري ترومان) و(يو .إس .إس ـ ايزنهاور) تعرض للانكشاف بارتفاع معدل الإصابة بفايروس كورونا في حاملة الطائرات الأمريكية روزفلت القابعة في بحر الصين الجنوبي ليعيد الحسابات الأمريكية إلى نقطة الصفر؛ معززا الهواجس حول فاعلية القوات الأمريكية، خصوصا بعد بلوغ فايروس كوفيد 19 ذروة انتشاره في الولايات المتحدة الأمريكية خالطا الأرواق مجددا وفي ظرف أيام بل ساعات من التحركات والمناورات الأمريكية في الخليج العربي.

انكشاف الاستراتيجية الأمريكية في الخليج العربي نتيجة التقلبات السريعة التي فرضها كوفيد 19 هدد برفع كلفة التصعيد مع طهران ليفتح الباب مجددا لإمكانية مراجعة الإدارة الأمريكية لسياساتها تجاه طهران؛ فرغم التحفظات على الآلية الأوروبية لتجاوز العقوبات الأمريكية على طهران؛ إلا أن واشنطن غضت الطرف مؤخرا عن الجهود الأوروبية لفك الحصار عن طهران وتزويدها بالمعدات الطبية على أمل خفض التوتر والتصعيد.

ففيروس كورونا فتح الباب مجددا لإمكانية إطلاق مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران لخفض التصعيد بعيدا عن إرادة الرياض وحلفائها في الخليج العربي؛ وإطلاق أمريكا للمفاوضات مع طالبان متجاوزة في كثير من المحطات حكومة كابول أمر يمكن أن يتكرر رغم المناورات والحشود الامريكية في الخليج العربي.

ختاما: اتساع دائرة الاهتمام الأمريكي والانتشار الواسع لقواتها في أكثر من 55 قاعدة عسكرية فاقم أزمة الولايات المتحدة الأمنية في زمن فايروس كورونا الذي اخترق التحصينات والغرف المغلقة لحلف الناتو وهدد بانكشاف أمني في منطقة الخليج العربي.

ففيروس كورونا كشف حجم التحول في أهمية الخليج العربي من ذخر استراتيجي أمريكي إلى عبء استراتيجي؛ بتهديد الصناعة النفطية في أمريكا نتيجة انهيار أسعار النفط؛ والأهم من ذلك أنه تحول إلى عبء أمني بمضاعفة المخاطر الأمنية.