قضايا وآراء

الثروة النفطية اللبنانية بنكهة رئاسية

1300x600
إن باكورة التسوية الرئاسية التي عصفت بها رياح الناس في لبنان، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر2019، تجلت في كانون الأول/ ديسمبر 2017، حينما أقرت الحكومة اللبنانية برئاسة سعد رفيق الحريري منح رخصتين للتنقيب عن النفط في البلوكين 4 و9 من حصة لبنان في البحر المتوسط، لكونسورتيوم (تحالف) شركات "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية.

وتتضمن الرخصتان حق التنقيب في الرقعتين الأولى في المنطقة الشمالية لبيروت قبالة السواحل الكسروانية، لا سيما منطقة الصفرا التي ستكون نقطة الانطلاقة. وتعرف هذه الرقعة باسم (بلوك 4)، وتبلغ مساحتها حوالي 2030 كلم مربعا وبعمق بين 686 و1845 مترا تحت سطح البحر.

أما الرقعة الثانية فهي ما تعرف بالرقعة التاسعة (بلوك 9)، وتبلغ مساحتها حوالي 1742 كلم مربعا وبعمق بين 1211 و1909 أمتار تحت سطح البحر.

وفعليا انطلقت في لبنان يوم الخميس (27 شباط/ فبراير 2020) بداية العمل للحفر لأول بئر استكشافي في الرقعة رقم (4) والواقعة شمال العاصمة بيروت، بحضور رئاسي تمثل بفخامة الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب. وكان سبق ذلك مساء الأربعاء (26 شباط/ فبراير 2020) كلام للرئيس عون أعلن فيه دخول لبنان نادي الدول النفطية، مع إشارته إلى جهود الوزير جبران باسيل في هذا المضمار. وكان الوزير باسيل قد غرد عبر توتير: "مشوار طويل تمسخروا عليه وشكّكوا فيه، حتّى الحلم صار حقيقة". وقال: "بذكّر (أذكر) كل اللبنانيين اليوم بالخير، يلّي تعبوا لوصلنا لهون وحتى يلّي عرقلوا، لأن كل لبنان رح يستفيد. وبقول النفط والغاز كنز مخبّأ ببحرنا وبرّنا وأكيد رح يظهر، المهمّ نبقى حاميينه من فساد الداخل وطمع الخارج".

ولقد توقف المراقبون عند هذا الكلام، معتبرين أن الثروة النفطية باتت تدخل بازار السياسة اللبنانية، وكأن الكلام عن الثروة النفطية والمكامن الغازية تفوح منه الروائح للانتخابات الرئاسية. وتاليا، هل نسينا أزماتنا المالية والاقتصادية والنقدية وحتى السياسية منها، في ظل المواقف الخليجية الشبه سلبية تجاه الحكومة والمصحوبة مع موقف حاد لرئيس الحكومة حسان دياب تجاه الأوركسترا التي تحرض على البلاد، على ما قاله في اليومين الأخيرين؟

ويسأل اللبنانيون المترقبون لما سيقوله بحرهم عن النفط والغاز ليشكل بارقة أمل في زمن ليس فيه المعجزات، لكنهم أنفسهم حائرون خائفون على ودائعهم المصرفية في آليات الكابيتال كونترول غير المعلنة ولا المقوننة، ويتخبطون مع حكومتهم وكثرة الآراء عن أزمة سندات اليوروبوند التي لم تحسم جدليتها للدفع أو المفاوضة مع الدائنين تمهيدا لإعادة الهيكلة والجدولة؟

وانطلاقا من هذا الكلام ومع علمنا للعديد من الإشارات الإيجابية القادمة من بحر بلد غارق بالأزمات المالية والاقتصادية، حيث تقول بعض الدراسات إن إمكانات وجود الغاز والنفط عالية. وفي تفاصيل هذا الاكتشاف الذي وصلت نتائجه قبل عمليات الحفر، أن الشركة نفسها التي تولت تحليل المعطيات، والتي خلصت إليها عبر عمليات المسح عبر الطريقة الثنائية ثم الثلاثية الأبعاد للعديد من المناطق البحرية أثبتت وأكدت وجود المكامن النفطية السائلة والغازية فيها.

ولكن وبالطرق العلمية لم يدخل لبنان النادي النفطي حتى ينتهي العمل، وبطريقة علمية بحتة، من إنهاء عملية حفر لثلاثة آبار في الرقعة المحددة خلال 55 يوما، ثم يصار إلى أخذ النتائج إلى المختبرات، حيث تخضع للفحوصات الجيولوجية والكيمائية المحددة، والتي بدورها تحتاج إلى ما يقارب 60 يوما إضافيا وبعدها اعتمادا على النتائج القادمة يصار للحديث عن دخول البلاد إلى العهد النفطي الذي تحتاج مسارات بلوغ الإنتاج فيه وتسويقه ما لا يقل عن ثلاث إلى أربع سنوات، هذا إن لم يفاجئنا البحر بنتائج لا سمح الله سلبية المنحى، وبالتالي مزيد من هدر الوقت الذي صاحب مسار الطاقة في هذا البلد المتعب.

وهنا لا بد من الإضاءة على الخطر والأطماع الإسرائيلية المتأتية على الرقعة التاسعة جنوبا، والتي ستكون عملية الحفر فيها في الأشهر القادمة بمثابة شرارة حرب إذا لم تكن مهمة المبعوث الأمريكي ديفيد شينكر في ترسيم الحدود البحرية قد لاقت النجاح.

وفي ظل إصرار لبنان الدولة على ترسيم الحدود البرية والبحرية معا، وفي ظل تباعد وجهات النظر بين الرؤيتين اللبنانية والإسرائيلية، فإن الطريق النفطي لن يكون سهلا، خاصة إذا نظرنا في المسار الأمريكي للضغط عل لبنان وحكومته ومصارفه، وآخرها جمال ترست بنك، وصولا إلى العقوبات على كل الكيانات التي تتعامل أو تحتضن حزب الله وبيئته، وليس آخرها العقوبات الصادرة منذ يومين. فقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن أدراج ثلاثة شخصيات لبنانية و12 كياناً على قوائم العقوبات الأمريكية بسبب ارتباطهم بمؤسسة "الشهداء" التابعة لحزب الله. وشملت القائمة قاسم بزي، مسؤول عن مؤسسة الشهداء، وجواد محمد شفيق نور الدين، المسؤول عن تجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى سوريا واليمن، فضلا عن يوسف عاصي، مؤسس أتلاس هولدينغ.

إن رحلة لبنان ليكون بلدا نفطيا بدأت مع السفينة "تنغستين إكسبلورر"، حيث تقدر بعض البيوت الاستشارية النفطية أن حجم الاحتياطيات البحرية من الغاز بنحو 96 تريليون قدم مكعب، ومن النفط بحوالي 850 مليون برميل. لعل هذا الكلام يغدو حقيقة مؤكدة تنتشل لبنان واللبنانيون من الأزمات التي تعصف بهم على كل الصعد، اجتماعيا واقتصاديا ونقديا وماليا، وحبذا لو يحيد القطاع البترولي وهيئاته الناظمة عن منظومة الفساد والفاسدين ويبقى بعيدا جدا عن زواريب السياسة الضيقة، في زمن لا يحمل لبنان ترف الوقت والمماحكة.