تسعى إسرائيل بدعم من إدارة ترامب إلى اختلاق قضية لاجئين ليهود الدول العربية، حيث عاود نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته إثارة ما يسمى أملاك اليهود في الدول العربية، وأشار في تصريح له أخيراً، إلى أن اسرائيل ستطالب الدول العربية بدفع مبلغ 150 مليار دولار أمريكي تعويضا لهم.
ويمكن الجزم بأن الحركة الصهيونية وإسرائيل بالتعاون مع دول الغرب وخاصة بريطانيا، كانوا وراء تهجير اليهود من الدول العربية إلى إسرائيل بعد نشأتها في عام 48، لأنها حاجة إلى المهاجرين اليهود الجدد كمادة بشرية لترسيخ وجودها جغرافياً وديموغرافياً. ورغم ارتفاع عدد المهاجرين اليهود من دول أوروبا الغربية والشرقية والإتحاد السوفييتي في أربعينيات القرن العشرين، إلا أن تلك الموجات من الهجرة كانت لا تلبي طموحات وأحلام الحركة الصهيونية وحلفائها في الغرب، ولهذا التفتت الحركة الصهيونية ليهود الدول العربية، وخاصة في العراق والمغرب، الذين لم يكونوا في أجندتها أصلاً، نظراً لأن اليهود العرب كانوا يعيشون كجزء من النسيج الاجتماعي العربي.
أخطر وثيقة
تعتبر الوثيقة التي تمّ إعدادها من قبل مجلس الأمن القومي في إسرائيل، بأمر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل عدة سنوات من أخطر الوثائق لترسيخ قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية، حيث تضمنت بشكل أساسي توصيات بشأن كيفية تعامل إسرائيل مع قضية ما يسمى اللاجئين اليهود، وفي مقدمتها المطالبة بالتعويضات لليهود الذين هاجروا من الدول العربية الى فلسطين المحتلة.
وتذهب الوثيقة الى أبعد من ذلك، حيث تعرّف اللاجئ اليهودي من الدول العربية بأنه اليهودي الذي ترك بيته في الدول العربية وهاجر إلى فلسطين المحتلة. أما عدد هؤلاء اللاجئين، فقد جرى احتسابه ابتداء من تاريخ قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في تشرين الثاني / نوفمبر 1947 وانتهاءً بعام 1968. ووفق هذا المعيار، أحصت الوثيقة 800 ألف لاجئ يهودي، في مقابل 600 إلى 700 ألف لاجئ فلسطيني خلال هذه الفترة.
ثمة مساع متسارعة لترسيخ مصطلح اللاجئ اليهودي بغرض جعله بنداً جوهرياً في الخطاب السياسي الإسرائيلي
وأوصت الوثيقة التي حملت عنوان "خلاصة العمل الأركاني" إلى تكريس مصطلح اللاجئين اليهود في المفردات الدولية المستخدمة. ورأت أن هناك مصلحة إسرائيلية في تأسيس رابط بين "مأساة اللاجئين اليهود" و"قضية اللاجئين الفلسطينيين"، مشددة على ضرورة طرح المسألتين ككتلة واحدة في مفاوضات محتملة حول اللاجئين في إطار قضايا الحل الدائم.
كذلك أوصت الوثيقة بألا تكتفي دولة
الاحتلال بالمطالبة بتعويضات شخصية للاجئين اليهود من أصل عربي، بل أن تطالب بتعويض دولة الاحتلال التي أنفقت موارد في سبيل استيعابهم خلال الخمسينيات والستينيات. ودعت الوثيقة إلى أن تكون نسبة المطالبة بالتعويضات 2 إلى 3 لمصلحة "اللاجئين اليهود"، ليس فقط بسبب عددهم، بل أيضاً في ضوء وضعهم الاقتصادي الأفضل إبان تلك الفترة. وقدّرت الوثيقة قيمة الممتلكات التي خسرها اللاجئون الفلسطينيون في تلك الفترة بنحو 450 مليون دولار، وهو مبلغ تقدر قيمته الحالية بنحو (4) بليون دولار، أما "اللاجئون اليهود"، فقد خسروا ما قيمته 700 مليون دولار، أي نحو 6 بلايين دولار. وقد أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تعليمات لممثلياتها في الخارج بإثارة هذا الموضوع في أنشطتها السياسية وتشجيع الجاليات اليهودية المحلية على الانشغال بها أيضاً.
تغييب القرار194
اللافت أن ثمة مساع متسارعة لترسيخ مصطلح اللاجئ اليهودي بغرض جعله بنداً جوهرياً في الخطاب السياسي الإسرائيلي، في وقت تحاول فيه إسرائيل فرض ما يسمى "قضية اللاجئين اليهود" على أجندة الحل السياسي للقضية الفلسطينية، في مواجهة قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق عودتهم الذي كفلته القرارات الدولية وخاصة القرار 194 الصادر عام 1948.
وفي الجانب العملي لاختلاق قضية اللاجئين اليهود، صادقت الإدارة العامة لإدارة الأملاك في وزارة الخارجية الإسرائيلية على قانون خلال عام 2012، يلزم حكومة الاحتلال بمطالبة الدول العربية برد أملاك اليهود قبل أن يتركوها في العام 1948، والتي قدرت بنحو (300) مليار دولار أمريكي، وتشمل الدول التالية: مصر، السعودية، موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، السودان، العراق، لبنان، الأردن، البحرين واليمن. وهناك مخططات صهيونية لتعيميم وترسيخ مصطلح "قضية اللاجئين اليهود العرب"، عبر عقد ندوات في دول العالم وفي منظمات الأمم المتحدة، وقد تواتر الخطاب السياسي الإسرائيلي لجهة إثارة موضوع أملاك "اللاجئين اليهود في الدول العربية"، وخاصة بعد التصويت بأغلبية كبيرة في الأمم المتحدة يوم 13 كانون أول (ديسمبر) الماضي، بالتمديد لعمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الاونروا .
أوصت الوثيقة بألا تكتفي دولة الاحتلال بالمطالبة بتعويضات شخصية للاجئين اليهود من أصل عربي، بل أن تطالب بتعويض دولة الاحتلال التي أنفقت موارد في سبيل استيعابهم خلال الخمسينيات والستينيات.
في مقابل محاولات دولة الاحتلال الصهيوني اختلاق وابتكار فكرة قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية، برزت إلى الأمام تصورات لحل قضايا الوضع النهائي، وبشكل خاص قضية اللاجئين، حيث ثمة أطروحات أمريكية، وفي المقدمة منها، وبقوة مسعى دولة الاحتلال لنزع صفة "لاجئ" عن أبناء الفلسطينيين الذين هجروا من فلسطين إثر نكبة عام 1948، وكذلك عن الفلسطينيين الذين نزحوا من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية إبان حرب حزيران / يونيو 1967، وفي السنوات اللاحقة، وذلك بحجة أن هؤلاء ولدوا أصلاً خارج فلسطين وهم ليسوا لاجئين بل هم مواطنون في المنطقة التي ولدوا فيها.
وثمة محاولات صهيونية في الآونة الأخيرة إلى بدء مساعي من قبل وزارة الخارجية الصهيونية في الأمم المتحدة لتغييرالصفة القانونية الخاصة بتعريف اللاجئين الفلسطينيين، حيث ترى دولة الاحتلال بأن نقل صفة لاجئ لتمنح لأبناء اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا قراهم ومدنهم بعد إنشاء دولة الاحتلال هو أمر مضلل، ولم تتوقف الانتقادات الصهيونية لوكالة الأونروا التي تسمح للاجئين الفلسطينيين بنقل هذه الصفة لأطفالهم.
ويبقى القول أن الهدف الإسرائيلي الجوهري من ابتكار قضية لاجئين يهود من الدول العربية ومحاولة ترسيخه في الخطاب السياسي الإسرائيلي هو العبث بقضية اللاجئين وشطب حق العودة لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني إلى وطنهم فلسطين، الذي كفلته قرارات الشرعية الدولية وفي المقدمة منها القرار 194.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا