ملفات وتقارير

كيف جمعت احتفالات المولد النبوي شعبي مصر والسودان؟

يشترك ملايين الأتباع الصوفيين في مصر والسودان في كثير من الطرق مثل "الشاذلية، والقادرية"- عربي21

على الرغم من التباينات السياسية بين مصر والسودان في ملفات حيوية مثل ملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي، والخلاف بينهما على مثلث حلايب وشلاتين؛ إلا أن احتفال الطرق الصوفية بالمولد النبوي الشريف من أكثر المناسبات التي تجمع الشعبين.


وعلى امتداد نهر النيل من السودان مرورا بالوادي وحتى دلتا النيل في مصر، تنتشر الاحتفالات الشعبية بالمولد النبوي الشريف بنفس الطريقة.


وتستبق الطرق الصوفية في مصر ذكرى المولد النبوي الشريف بالاحتفالات والمواكب الشعبية وخاصة في الريف المصري، وتستمر الاحتفلات طوال شهر ربيع الأول والتي يتخللها ذبح الذبائح وإعداد الطعام وخاصة وجبة "الفتة" و"اللحمة" والتي ينتظرها الفقراء في كل قرية.


وفي الوقت الذي تنتقل تلك المواكب من قرية مصرية إلى أخرى؛ أكد أحد القيادات الصوفية بالطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية بمنيا القمح -إحدى أهم الطرق الصوفية التي تمتد بين مصر والسودان- أنهم على تواصل دائم وخاصة فى المناسبة العطرة مع مريدي الطريقة بالسودان، وأن هناك تنسيقا بين والقائمين على الطريقة بالبلدين.


وقال الشيخ صلاح دنيا، إنهم يقومون قبل حلول المولد النبوي الشريف بإرسال دعاة الطريقة ومشايخها وأقطابها الصوفيين من مصر إلى السودان كل عام للخطابة في المريدين السودانيين والمشاركة في الاحتفالات بالجارة والشقيقة الجنوبية.

 

اقرأ أيضا: حلوى المولد بمصر .. عادة تأبي الاختفاء رغم المعاناة


وأكد أن "احتفالات الطريقة البرهانية على سبيل المثال بمولد النبي تشهد حضورا شعبيا كبيرا في مصر والسودان، مشيرا إلى أن الإخوة والطريق والعهد الصوفي يجمع مريدي الطريقة في البلدين".


وبين أن الطريقة مقرها الخرطوم وأنها في الأصل بدأت من السودان في القرن الماضي على يد السوداني الشيخ محمد عثمان عبد البرهاني، فيما تولى العهد من بعده ابنه الشيخ إبراهيم الذي كان يقيم في مصر لفترات كبيرة، وكذلك شيخها الحالي الحفيد محمد إبراهيم عثمان عبده البرهاني المقيم في السودان حاليا.

 

الدعاة المصريون


وأضاف أن "شيخ الطريقة يستعين سنويا بمئات الدعاة المصريين من جميع المحافظات المصرية ويتم توزيعهم على الأقاليم السودانية، وأهمها الخرطوم وأم درمان والمناطق النائية لمباشرة أعمال الدعوة والوعظ والإرشاد".


وأكد الشيخ صلاح، أنه كان من المقرر سفره أيضا للسودان هذا العام، موضحا أن نفس طقوس الاحتفال بالملولد النبوي واحدة في البلدين ابتداء من نصب الشوادر في الميادين، وتجمعات الأهالي حول الطعام وذبح النذور وعمل فرق للطهي في المطابخ التي تُخرج نحو 100 ألف وجبة كل ليلة في بعض المناطق بالسودان".

 

اقرأ أيضا: هكذا احتفل الأتراك بذكرى المولد النبوي (شاهد)


ورأى شيخ الطريقة البرهانية أن هذا الأمر لا يقتصر على الطريقة البرهانية، ولكن باقي الطرق تقوم بنفس الأمر في مصر والسودان، معتقدا أن "مريدو الطرق الصوفية في البلدين يعتبرون أخوة في الله وتربطهم مشاعر روحية، ويتعاملون بروح بيعة العقبة عندما آخي النبي بين مسلمي مكة والمدينة".


وذكر أن "الصوفية في مصر والسودان قادرة على توحيد الشعبين، لو أنهم بعيدون عن العمل السياسي ويكتفون بالدعوة والذكر".


وفي رؤيته لدور احتفالات الطرق الصوفية بالمولد النبوي في الجمع بين أهل مصر والسودان، أكد الكاتب والمحلل السياسي السوداني حسن إبراهيم، إن هناك تقارب كبير بين الشعبين في هذا الإطار.


إبراهيم، أحد المتصوفين الذين مارسوا التصوف في مصر والسودان، أكد بحديثه لـ"عربي21"، أن "الطريقة البرهانية والشاذلية مشتركة بين البلدين، وأنه في احتفالات المولد النبوي يلتقي الجميع".
وأشار إلى أن "هناك من المصريين من يتبعون الطريقة القادرية، والتيجانية، المنتشرتين في السودان، إلى جانب زيارة السودانيين لمسجد السيد البدوي في طنطا (وسط الدلتا)".

 

موافقة السلطات


وأوضح أنه متصوف حر لا يتقيد بطريقة صوفية محددة، إلا أنه من خلال مشاهداته لاحتفالات المولد النبوي بالبلدين فهناك تشابه كبير بينهما وتطابق في بعض الطقوس مثل المواكب التي تنظمها جميع الطرق، وتوزيع الفتة، وإطعام الفقراء، وإيواء المشردين، وتوزيع الصدقات، وتناسي الثأر والتسامح، وحلقات الذكر، وحلاوة المولد.


وأكد أن هناك ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا نحن أبناء وادي النيل، مضيفا وإن كانت الصوفية لعبت هذا الدور في جمع الشعبين تاريخيا فيمكن أن تلعبه اليوم في ظل الظروف السياسية الصعبة بين الشقيقتين.
وختم الكاتب والمحلل السياسي المتصوف بالقول إن "المجتمعات تعقدت كثيرا لكن الصوفية من المكونات الثقافية الهامة وإن تراجع دورها السياسي".


وفي نفس السياق، أكد أحد الشخصيات الفاعلة في الطريقة البرهانية في مصر لـ"عربي21"، أن جميع احتفالاتهم بالمولد النبوي  تتم عبر طريق شرعي وبموافقة السلطات الأمنية والشرطية والإدارية.


وتلقى الطرق الصوفية وأعضاؤها قبولا كبيرا لدى النظام الحاكم في مصر، وهناك تواؤم بين القيادات الصوفية وبين النظام وتوافق تام مع توجهاته، إلى جانب دورهم في مساندة النظام في جميع الاستحقاقات الانتخابية منذ 2014 وحتى التعديلات الدستورية 2019.


وبمصر نحو 77 طريقة صوفية، مسجل منها 67 طريقة بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية، وتعد "الرفاعية، والبدوية، والدسوقية، والشاذلية، والقنائية، والقادرية، والخلوتية، والعزمية" الطرق الرئيسية.


وبالسودان أكثر من40 طريقة أشهرها "القادرية بفروعها، والختمية، والسمانية، والشاذلية، والمكاشفية، والمجذوبية، والإدريسية الاحمدية، والرشيدية، والتيجانية، والإسماعيلية، والبرهانية والتسعينية والدندراوية والعزمية".


ويشترك ملايين الأتباع الصوفيين في مصر والسودان في كثير من الطرق مثل "الشاذلية، والقادرية، والإبراهيمية الدسوقية، والرفاعية، والأحمدية البدوية، والبيومية، والبرهانية، والعزمية، وغيرها".


وفي ظل عدم وجود إحصاء رسمي حول أعدادهم، أكد شيخ مشايخ الطرق الصوفية الدكتور عبدالهادي القصبي، في كانون الأول/ ديسمبر 2017، أن هناك أكثر من 15 مليون صوفي، في مصر.


أما التيار الصوفي فحسب تقديرات صحفية يملك قاعدة شعبية عريضة تصل ما بين 70 و75 بالمئة من المجتمع السوداني، إلا أنهم على الأغلب لا يتدخلون في الشان السياسي.