مقالات مختارة

«نبع السلام» والأكراد والعرب

1300x600

الحقيقة الواضحة أن تركيا من أكثر الدول التي يلجأ إليها السوريون، بحكم أنها دولة مجاورة وحكومتها تحاول رعاية اللاجئين بكل إمكانياتها، ولذلك يساعد الأوربيون والعالم هذه الجهود التركية الإغاثية للسوريين، ويرون في تركيا أنها «دولة مصدّ» للاجئين السوريين، لكى لا يتسللوا إلى أوروبا.

ومما لا شك فيه أيضا أن سوريا في مجملها غير آمنة، سواء في الأراضي التي يسيطر عليها النظام السوري أو الميليشيات الطائفية التابعة له، أو الأراضي التي يدور فيها القتال مع بقايا الإرهابيين، أو تلك التي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية الكردية، أو التي تحت سيطرة الجيش الحر.
ووفقا للمعطيات السابقة، فإن تركيا من أكثر الدول المستقبلة للاجئين السوريين، وحدودها الجنوبية مع سوريا لم تعُد آمنة.

ومع احتمالية تزايد توافد اللاجئين السوريين إلى تركيا إذا سيطرت القوات الكردية على المناطق الحدودية السورية التركية، فإن تركيا أطلقت عملية «نبع السلام» في الشمال السوري يوم الأربعاء الماضي، وتهدف وبحسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «إلى إزالة الممر الإرهابي الذي يحاولون إقامته جنوب بلادنا وإحلال السلام في المنطقة، وبفضل المنطقة الآمنة التي سنقيمها سنضمن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم».

 

من المؤكد أن الأكراد السوريين وبقيادة حزب العمال الكردستاني، اعتقدوا بإمكانية تحقيق حلم الدولة الكردستانية في ظل الأوضاع السورية والعراقية المتردية، ومع توفر الدعم الأميركي، ولكن يبدو أن الحلم تحوّل إلى كابوس، فالأمريكان انسحبوا، والأتراك دخلوا بكل قوتهم إلى المناطق الحدودية السورية، والروس والحكومة السورية يقفان متفرجين دون عمل شيء مؤثر، وفي النهاية حتما سيتلاشى حلم الدولة الكردية في سوريا كما كان الحال في العراق.

عموما الانشقاق وسط الحروب عمل غير نبيل، وفي الغالب غير ناجح، كما حاول الانفصاليون في الجنوب اليمني الاستقلال والتخلي عن حلفائهم المحليين والإقليميين، ولكنهم فشلوا في ذلك.

حتى أبناء جلدتهم أكراد العراق، وبالرغم من محاولاتهم المتكررة للانفصال عن العراق -مرة عندما تحصلوا على حكم ذاتي بعد حرب الخليج 1990-1991، مستغلين المنطقة الآمنة التي مُنع فيها الطيران لحمايتهم من قوات صدام حسين، ومرة ثانية بعد حرب العراق 2003 حاولوا الاستقلال ولم يؤيدهم أحد، والمرة الأخيرة التي حاول أكراد العراق الانفصال فيها بعد الحرب العالمية ضد الإرهاب، حين نظّم الأكراد في كردستان العراق سبتمبر 2017، استفتاء عاما حول الاستقلال عن العراق، وبالفعل اختار أكراد العراق الانفصال، ولكن لم يسمح لهم بذلك سواء من أبناء بلدهم الأم العراق، أو الدول الإقليمية المجاورة أو الدول العظمى.

ختاما: لم يلفت نظري كثيرا دخول الأتراك فقد كان متوقعا، خصوصا أنها لم تكن المرة الأولى، ونتذكر جميعنا عملية درع الفرات، وكذلك لم يفاجئنا الأكراد السوريون في محاولتهم السيطرة على الشمال السوري، ولكن الذي لم يكن متوقعا هو رد فعل جامعة الدول العربية التي تنادت بعض دولها إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة التدخل التركي في سوريا!!

أيعقل أن يتحرك بعض العرب للتنديد بتدخل له مسوغاته، في منطقة لا يتواجد بها قوات سورية أصلا، بل مجموعة من المسلحين ومن فئات مختلفة، ولم يتنادوا أو يتخذوا موقفا قويا من تقطيع وذبح السوريين بالملايين، وتهجير الملايين من السوريين العرب على أيدي الميليشيات الطائفية والقوات الروسية، نعلم أن انزعاج بعض العرب من الأتراك نتيجة مواقف خاصة لهم من القيادة التركية فقط!!

الخلاصة: سوريا دولة فاشلة بحسب المعايير الدولية، وينتشر فيها الإرهاب والجماعات المسلحة، وهي محاذية للحدود التركية الملتهبة أصلا من جماعة حزب العمال الكردستاني، فهل تنتظر تركيا أن يصل التهديد إلى أراضيها ومواطنيها، وحتما لن تنتظر موافقة جامعة عربية بائسة لم تحل قضية عربية قط.

عن صحيفة العرب القطرية