كتاب عربي 21

الانقلابيون وآمالهم الحية

1300x600

أحيا الشعب التركي في جميع أنحاء البلاد، يوم الاثنين، الذكرى الثالثة لانتصار الديمقراطية وإفشال محاولة الانقلاب التي قام بها ضباط موالون للكيان الموازي؛ التنظيم السري لجماعة كولن. ونشرت وسائل الإعلام التركية مشاهد ولقطات من تلك الليلة، بالإضافة إلى قصص البطولات التي أبداها المواطنون خلال تصديهم لدبابات الانقلابيين بصدورهم العارية.

تركيا قامت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة بعمليات واسعة تهدف إلى تطهير أجهزة الدولة من خلايا الكيان الموازي، واعتقلت مئات من الانقلابيين، سواء من العسكريين أو المدنيين، كما هرب عدد كبير من قادة التنظيم السري وكوادره إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وأصدرت المحاكم التركية في حق عدد منهم أحكاما قضائية، فيما تستمر محاكمة آخرين. وبعد ثلاث سنوات من المحاولة الفاشلة، هل يمكن القول إن صفحة الانقلابات في تركيا طويت بشكل كامل؟

هذا السؤال تم توجيهه إلى الأتراك في الذكرى الثالثة لمحاولة الانقلاب الفاشلة، فرأى 43.5 في المئة منهم أنه ليس هناك خطر انقلاب في البلاد، فيما ذهب 30.2 في المئة إلى أن تركيا ما زال فيها خطر انقلاب. واللافت في نتائج استطلاع الرأي أن هذه النسبة الأخيرة، أي نسبة القائلين بأن الخطر ما زال موجودا، كانت العام الماضي 22.8 في المئة، ما يعني أنها في ارتفاع.

 

السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل قضى فشل محاولة الانقلاب على أحلام الكيان الموازي، أم التنظيم السري لا يزال يحمل في جعبته مفاجآت؟"

النتائج تشير إلى أن 77.4 في المئة من الأتراك قالوا إنهم سيخرجون إلى الشوارع من أجل التصدي للانقلابيين في أي محاولة انقلاب محتملة، فيما ذكر 22.6 في المئة أنهم لن يخرجوا إلى الشوارع إن حدثت محاولة انقلاب أخرى في المستقبل. وتؤكد هذه الأرقام أن الشعب التركي لن يسمح للانقلابيين باغتصاب الإرادة الشعبية تحت تهديد السلاح، حتى لو أعادوا المحاولة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل قضى فشل محاولة الانقلاب على أحلام الكيان الموازي، أم التنظيم السري لا يزال يحمل في جعبته مفاجآت؟".

الانقلابيون في تلك الليلة قصفوا المقر الرئيسي للقوات الخاصة بمنطقة غولباشي في العاصمة أنقرة، ليقتلوا 44 شرطيا وشرطية، كما أطلقوا النار على المواطنين، ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى. ودعوا رئيس دائرة مكافحة الإرهاب تورغوت آسلان إلى اجتماع وهمي، ولما دخل الرجل القاعة انقضوا عليه، وربطوا يديه، ثم أطلقوا على رأسه رصاصتين، وتركوه ظنا منهم أنه مات، ولكنه لم يمت، بفضل الله، وأفاق من الغيبوبة بعد أشهر ليبقى شاهد عيان ودليلا قويا على جرائم الانقلابيين.

 

هؤلاء الانقلابيون المعتقلون والمحكوم عليهم بالسجن لمدد متفاوتة؛ يقبعون الآن في السجون، ويأكلون ويشربون، ويحلمون باليوم الذي سيتم فيه إطلاق سراحهم، بعد سقوط رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان

المشكلة أن الانقلابيين الذين ارتكبوا كل هذه الجرائم لو كانوا في بلد يطبق عقوبة الإعدام لأعدموا منذ زمن، إلا أن تركيا ألغت تطبيق عقوبة الإعدام قبل سنوات، في إطار مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولذلك، هؤلاء الانقلابيون المعتقلون والمحكوم عليهم بالسجن لمدد متفاوتة؛ يقبعون الآن في السجون، ويأكلون ويشربون، ويحلمون باليوم الذي سيتم فيه إطلاق سراحهم، بعد سقوط رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، ليواصلوا خيانتهم للوطن.


الانقلابيون والقوى الدولية والإقليمية التي تقف وراءهم أدركوا، بعد عدة محاولات فاشلة لإسقاط أردوغان، أن الخيار الوحيد المتبقي لديهم هو إسقاطه عن طريق صناديق الاقتراع. وأثبتت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة أن التحالف المعارض يمكن أن يفوز مرشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة، لتتغير الأجواء السياسية في البلاد لصالح الانقلابيين، لتخلق مناخا يسمح لهم باستعادة نفوذهم السابق.

 

الانقلابيون والقوى الدولية والإقليمية التي تقف وراءهم أدركوا، بعد عدة محاولات فاشلة لإسقاط أردوغان، أن الخيار الوحيد المتبقي لديهم هو إسقاطه عن طريق صناديق الاقتراع

عناصر الكيان الموازي مثل الغاز الخالي من اللون والطعم والرائحة، وأشد تلونا من الحرباء. ويمكن أن يتسللوا إلى أي جماعة أو بيئة ويتأقلموا فيها، ليعملوا هناك لصالح التنظيم السري، ويمهدوا الطريق لإطلاق سراح الانقلابيين المعتقلين وعودة الهاربين إلى البلاد.

الفعاليات التي يتم تنظيمها كل سنة لإحياء ذكرى إفشال الشعب التركي محاولة الانقلاب العسكري؛ في غاية الأهمية لتخليد تضحيات المواطنين الذين خرجوا تلك الليلة للدفاع عن الديمقراطية والإرادة الشعبية. ولكن الأهم من ذلك، هي ضمان عدم عودة الانقلابيين وخلايا الكيان الموازي إلى أجهزة الدولة.

تركيا حققت في الآونة الأخيرة تقدما ملحوظا في مجال الصناعة العسكرية الوطنية، كما عززت قدرات جيشها من خلال شراء منظومة "إس 400" الدفاعية من روسيا. ولكن كل هذه الأسلحة والقدرات العسكرية بحاجة إلى حكومة وطنية تستخدمها لصالح البلاد والدفاع عن مصالحها العليا، وإن وقعت في نهاية المطاف بأيدي الانقلابيين فما الفائدة منها؟!

الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة تركوا للشعب التركي أمانة غالية، وهي الوطن الذي يعيش فيه المواطنون بحرية وكرامة. ويجب على الأتراك أن يحفظوا أمانة الشهداء ولا يسلموا البلاد إلى الانقلابيين بأي حال، كما أن الحكومة لا بد أن تتخذ كافة التدابير لدفن آمال الانقلابيين، وعدم عودة الكيان الموازي إلى أجهزة الدولة.