صحافة دولية

مركز روسي: لماذا تفشل روسيا وإيران في تكوين تحالف؟

تقيم روسيا علاقات مع حلفاء وأعداء إيران في آن واحد - جيتي

نشر مركز "ماسكوفسكي كارينغي" الروسي للدراسات، دراسة تحدث فيها عن محاولة موسكو الحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط، ولعب دور الوسيط الرئيسي خارج المنطقة، عكس إيران التي ترغب في أن تصبح دولة رائدة مهيمنة في المنطقة، الأمر الذي لا يخدم مصالح موسكو.

وقال المركز في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن إيران احتلت في السنوات الأخيرة، إيران مكانة متزايدة الأهمية في السياسة الخارجية الروسية، حيث تدعم موسكو باستمرار طهران في مختلف القضايا. وفي الوقت نفسه، صرح الدبلوماسيون الروس في العديد من المناسبات أن روسيا وإيران ليسا حلفاء. أما إيران فذكّرت بشكل مستمر بعلاقات الكرملين الوثيقة مع إسرائيل، التي تعد خصمها الاستراتيجي في المنطقة.

وأضاف المركز أنه على الرغم من وصول العلاقات بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق من التفاعل، إلا أن مسألة تشكيل تحالف روسي إيراني لا يزال أمرا صعبا بالنسبة للبلدين، لا سيما في ظل اختلاف أهداف كلا من الطرفين في الشرق الأوسط. ولسنوات عديدة، ظلت إيران بالنسبة لروسيا طرفا ثانويا عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.

ففي التسعينات وفي سنوات الألفين، رأت موسكو في علاقاتها مع طهران مجرد أداة تساعدها على التقرب من الغرب. في المقابل، تغيرت سياسة روسيا بشكل عام مع طهران مع عودة فلاديمير بوتين إلى السلطة سنة 2012، وبشكل خاص عندما تدخلت روسيا عسكريا في سوريا سنة 2015. وفي السياق ذاته، يعتقد مراقبون أن إيران تعد الطرف الذي أقنع الكرملين بالمشاركة في الحرب السورية بهدف إنقاذ نظام بشار الأسد.

وأفاد المركز أن دعم كل من روسيا وطهران لنظام بشار الأسد لا يكفي لتشكيل التحالف، لا سيما وأن التعاون الاقتصادي بين روسيا وإيران يعدّ متواضعا للغاية. علاوة على ذلك، تعد نسبة الصناعة الروسية في الأسواق الإيرانية منخفضة للغاية، وتمثل المنتجات الزراعية والمواد الغذائية ثلثي الصادرات الروسية إلى الأسواق الإيرانية، بينما لا تمثل السيارات والسكك الحديدية والعربات والمعدات والمعادن ومنتجات الصناعة الكيميائية سوى 20 بالمئة من جملة هذه الصادرات.  وبشكل عام، لا يمكن لروسيا وطهران تقديم الكثير لبعضهما البعض وسيبقى التعاون التجاري بينهما ضئيلا، لا سيما وأن البلدين يصدران المواد الهيدروكربونية وفي حاجة إلى التكنولوجيا الأجنبية والمنتجات الصناعية.

 وذكر المركز أنه على الرغم من دعم موسكو لطهران سياسيا، إلا أنها تغاضت عن التعاون مع إيران في مجال الأعمال، وذلك خشية من العقوبات الأمريكية. لذلك، انسحبت شركة زاروبيج نفط الواعدة، في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2018، من المشاريع المقرر إنجازها في إيران، خوفا من العقوبات الأمريكية، الأمر الذي يعكس الموقف السياسي للكرملين.

وأقر المركز أن اختلاف القضايا التي تهم شعوب الجانبين تعد من العوامل التي من شأنها أن تشكل عائقا أمام تشكيل تحالف يجمع البلدين، حيث يهتم الروس بالمواضيع المتعلقة بأوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة. أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فلا يهتمون سوى بمسألة التواجد الروسي في سوريا. على صعيد آخر، أدى اتفاق موسكو مع طهران بشأن استخدام القاعدة الإيرانية بالقرب من مدينة همدان خلال الحرب السورية إلى إثارة غضب المجتمع والبرلمان الإيراني، الذي يعتبر أن تمركز وحدات أجنبية على أراضي البلاد، أمرا غير مقبول.

 

اقرأ أيضا: هل ستقبل موسكو عقد صفقة حول سوريا مع تل أبيب وواشنطن؟

وبين المركز أنه طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، شكك الاتحاد السوفييتي ثم روسيا في العديد من المناسبات في السيادة الإيرانية، كما لا زال احتلال إيران من قبل القوات السوفيتية والبريطانية في عام 1941، من الأحداث التاريخية التي تمسّ من كرامة الشعب الإيراني. إلى جانب ذلك، تتقرب كل من الحكومة الإيرانية والجهات العسكرية الإيرانية من روسيا فقط خدمة لمصالحها. ومع ذلك، تحاول طهران وبشكل دائم تقديم حجج تثبت بها للرأي العام تطور العلاقات التي تجمعها مع الكرملين.

وأوضح المركز أن العلاقات بين روسيا وإيران وصلت إلى ما هي عليه بفضل النهج العملي الذي اتبعه كلا الجانبين، حيث انفصلت موسكو أخيرًا عن السياسات الليبرالية للغرب، وانتهجت إيران سياسة أخرى تختلف عما كانت تتبعها. ومع ذلك، لا تزال براغماتية الجانبين، من العوامل التي تخلق حاجزا أمام المزيد من التقارب. إلى جانب ذلك، لا تستعد روسيا إلى التعاون مع شركائها القدامى، على غرار سوريا ومصر وإسرائيل فقط، بل تسعى كذلك لبناء علاقات مع بلدان أخرى، مثل قطر والمملكة العربية السعودية. ونتيجة لذلك، بات من الواضح أن روسيا تسعى لإقامة علاقات مع الجميع، بما في ذلك حلفاء وأعداء طهران.

 وفي هذا الإطار، تحاول موسكو تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، مستفيدة من حقيقة تقليص الولايات المتحدة من تواجدها العسكري في المنطقة. وعلى الرغم من عدم افتقارها إلى الإمكانات الاقتصادية أو السياسية التي تخول لها أن تصبح قوة مهيمنة في الشرق الأوسط، إلا أن الحفاظ على توازن القوى، الذي يخول لها لعب دور الوسيط، يعدّ من الأهداف التي تسعى موسكو لتحقيقها. في المقابل، تسعى طهران إلى أن تصبح دولة رائدة في الشرق الأوسط، معتبرة أن ذلك من شأنه أن يضمن أمنها، الأمر الذي لا يخدم مصالح موسكو، ولا يؤدي إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، بحسب موسكو.

وفي الختام، نوه المركز بسعي روسيا إلى درء الخلافات بين البلدين، على الرغم من أن اختلاف السياسات المتبعة من شأنه أن يهدد تنامي التناقضات وتضارب المصالح.