صحافة دولية

WP: كيف يكرس ابن سلمان قوته للتأثير على الدعاة المعارضين؟

واشنطن بوست: سيطرة ابن سلمان على الخطاب الديني تؤثر على الدعاة المستقلين- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للأكاديمية ريحان إسماعيل، تقول فيه إن ظهور الشيخ عائض القرني، الذي يعد أحد أبرز رموز رجال الدين السلفيين، مؤخرا، على التلفزيون السعودي، أثار انتباها محليا وإقليميا.

وتشير إسماعيل في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى ان عائض القرني استخدم المقابلة للاعتذار للسعوديين عن "الأخطاء التي لا علاقة لها بالإسلام والفتاوى المتطرفة"، التي وقع فيها رجال الدين في حركة الصحوة، التي كان عضوا فيها لفترة، لافتة إلى أن القرني لم يكن من بين الذين شملتهم الاعتقالات العريضة التي طالت زملاءه من رجال الدين، مثل عوض القرني وسلمان العودة.

وتلفت الكاتبة إلى أن الحكومة السعودية، والكوميدي المشهور ناصر القصبي أشادا بكلام القرني، فالحكومة رأت في المقابلة أن القرني تخلى عن عقود من المعارضة الإسلامية داخل المملكة، فيما رحب القصبي بتحول القرني.

 

وتعلق إسماعيل قائلة إن "هذه الأحداث تثير تساؤلات حول التحولات التي تمر فيها الدوائر الدينية في السعودية، وتثار هذه الأسئلة في السياق الأوسع لقيام ولي العهد السعودي بتجميع السلطة في السعودية في يده، التي جاءت على حساب المنافسين والمعارضين، بمن فيهم أعضاء العائلة الحاكمة، ورجال الأعمال الأثرياء وناشطو حقوق الإنسان". 

 

وترى الكاتبة أن "مقابلة القرني تقدم دليلا واضحا على أن أحد مصادر الإزعاج الداخلي -المعارضة الدينية في المملكة التي مضى عليها عقود- تم شطره إلى قسمين".

 

وتنوه إسماعيل إلى أن "حركة الصحوة، التي ظهرت في الستينيات، كانت تعمل خارج السيطرة المباشرة للحكومة، وكانت هذه الحركة ابتداء تسعى لمعارضة لبرلة المجتمع السعودي، ثم اخذت شكلا سياسيا عندما عارضت استضافة القوات الأمريكية على الأراضي السعودية عام 1991 في حرب الخليج، وقامت السلطات السعودية حينها بسجن العديد من رجال الدين من الصحوة؛ خشية أن يثيروا استياء الشعب من علاقات العائلة الحاكمة بأمريكا".

 

وتفيد الكاتبة بأنه "بعد إطلاق سراحهم عاد هؤلاء إلى نشاطهم، وإن لم يشككوا في شرعية حكام البلاد، إلا أنهم قاموا بتأييد الحركات الثورية في كل من مصر وسوريا وليبيا وتونس، وهو ما تعارض أحيانا مع سياسات المملكة الخارجية، وأشاد العودة بانتفاضات الربيع العربي في ليبيا وتونس ومصر، وانتقد الحكم العسكري الذي دعمته السعودية بعد الثورة".

وتقول إسماعيل: "يبدو أن صعود محمد بن سلمان أدى إلى انقسام الصحوة، وقام النظام بالاستيلاء على مصطلح (الإسلام المعتدل) لنفسه، في الوقت الذي قام فيه بشيطنة الصحوة على أنها تروج للتطرف، وتم توسيع تعريف مصطلح (الإرهاب) في السعودية ليشمل حركات مثل الإخوان المسلمين في مصر، وليس فقط تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، وكون أعضاء الصحوة مرتبطين أو يتعاطفون مع الإخوان المسلمين يجعل حكام السعودية ينظرون للحركة على أنها مصدر تهديد". 

 

وتبين الكاتبة أن "مقابلة القرني شكلت مصادقة كاملة على ما تقوم به الدولة السعودية، حيث احتج بأن نشر دعوة الصحوة لعقود طويلة لتقديم الأمة عمل بشكل خاطئ على تقويض أولوية الدولة القومية. ولا يعير (أم بي أس) أهمية في سياسته للفلسطينيين أو غير ذلك من القضايا الاسلامية الدولية، مثل الإيغور، بالمقدار ذاته الذي يعارض فيه الإصلاحات السياسية في الدول العربية، وقيام القرني بجعل أهمية الأمة أقل من أهمية الدولة القومية يعطي محمد بن سلمان الغطاء الديني لاتباع أجندة قومية.

 

وتنقل الصحيفة عن القرني قوله عن ولي العهد في المقابلة: "أنا مع الإسلام المعتدل والمنفتح.. كما يدعو له ولي العهد، محمد بن سلمان"، ثم مضى ليمتدح جهود "أم بي أس/ محمد بن سلمان" في سعيه للقضاء على التطرف، وتبني "الإسلام المعتدل".

 

وتقول إسماعيل إنه "ليس من الواضح ما الذي يقصده (أم بي أس) بالإسلام المعتدل، فكثير من شيوخ الصحوة الذين اعتقلوا عام 2017 أقل أصولية ممن هم خارج الحركة، بمن فيهم الموالون للحكومة، الذين يشغلون مناصب في المؤسسة الدينية في المملكة".

 

وتشير الكاتبة إلى أن "العودة، الذي يعد من أبرز الشيوخ المعتقلين، قد شارك في الحوار الوطني الذي رعاه الملك عبد الله عام 2003، ودعا إلى التسامح الديني، وهو أكثر تفهما للأقلية الشيعية في المملكة من أكثر الشيوخ الموالين للحكومة، وحذر العودة باستمرار من السفر لأفغانستان والعراق وسوريا للقتال هناك، وطريقة التعامل معه مقارنة مع التعامل مع القرني تشير إلى أن هذا الانقسام الديني لا علاقة له بمعتدل ومحافظ، بل إن الأمر يتعلق بالسياسة المحلية".

 

وتفيد إسماعيل بأن "القرني ليس أول شيخ يتخلى عن نشاطه الماضي، فالشيخ محمد العريفي تفاعل مع الخلاف الدبلوماسي السعودي مع قطر، من خلال مهاجمة قطر، ودعوتها للتوقف عن التدخل في الشؤون السياسية للدول الأخرى، وكان يعرف عن العريفي علاقته الحميمة مع قطر وأميرها، فمثل قطر، كان العريفي متعاطفا مع الإخوان المسلمين في مصر، والآن يحرص العريفي على أخذ الصور مع (أم بي أس)". 

وترى الكاتبة أن "تخلي القرني والعريفي عن الصحوة لم يأت من فراغ، ففي السنوات الأخيرة خفف الرجلان من نشاطهما بالتركيز في خطبهما ومحاضراتهما على العبادات الشخصية والنواحي الروحية في الإسلام، متجنبين القضايا الخلافية، ويبدو أنهما تحولا مؤخرا من الصمت الحذر إلى دعم (أم بي أس) العلني".

 

وتجد إسماعيل أن "هناك تفسيرين لتخلي القرني عن أنشطة الصحوة، الأول هو أنه متحول حقيقي إلى قناعات العائلة الحاكمة وشيوخ المؤسسة، وتائب عن الأصولية الماضية، والثاني هو أنه يخشى أن يصيبه ما أصاب أعضاء حركته واستسلم للسلطة من باب حفظ نفسه، ومهما كان السبب فإن دعم القرني لمحمد بن سلمان يساعد على إضفاء شرعية على قمع النظام للشيوخ الذين تم إعلان بأنهم أعداء للدولة".

 

وتلفت الكاتبة إلى أن "تحرك (أم بي أس)، الذي يصر على تقديم نفسه على أنه وجه (الإسلام المعتدل) في حقوق النساء والتقدم الاقتصادي، للسيطرة على الخطاب الديني في السعودية، يعد جزءا من السعي لمركزة السلطة". 

 

وتبين إسماعيل أن "البيئة السياسية الجديدة في السعودية تحت قيادة (أم بي أس) تستهدف أصوات المعارضة، ويتضح ذلك في اعتقال الناشطات والشيوخ والصحافيين المعارضين، ويمنح (أم بي أس) مساحة للشيوخ الموالين، ويمنعها عن الشيوخ الذين يرفضون دعمه علنا".
 
وتنوه الكاتبة إلى أنه "حتى صعود (أم بي أس) إلى سدة الحكم، فإن الدولة كانت تتعامل مع معارضة الشيوخ، مثل العودة، عن طريق استخدام العصا والجزرة، وتقمع الصحوة أحيانا، وتعطيها مساحة للانتقاد المحسوب أحيانا أخرى، لكن الآن فإنه حتى الشيوخ الذين لا يعلقون على القضايا السياسية ويعدون موالين أصبحوا مستهدفين، ففي آب/ أغسطس، اعتقل الشيخ صالح الطالب إمام الحرم المكي؛ بتهمة انتقاده للممارسات (غير الإسلامية)، حيث اعتبرت خطبته انتقادا ضمنيا لسياسات اللبرلة الاجتماعية التي ينتهجها محمد بن سلمان". 

 

وتختم إسماعيل مقالها بالقول إنه "في الوقت الذي كان يتم فيه التجاوز في الماضي عن الانتقادات الضمنية من الشيوخ الموالين، فإنه يطلب الآن الدعم العلني من الشيوخ كلهم".  

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)