حول العالم

"الفطر السعيد" في مرسيليا.. بأية حال عدت يا عيد؟ (صور)

تبدو مدينة مرسيليا الفرنسية عشية عيد الفطر السعيد شبيهة بالعديد من العواصم العربية- عربي21

تبدو مدينة مرسيليا الفرنسية عشية عيد الفطر السعيد، شبيهة بالعديد من العواصم العربية، بما فيها مظاهر الكآبة وتداعيات الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، بيد أن ارتفاع حرارة الصيف بالتزامن مع حلول المناسبة، جعل المدينة تضج بالحركة بين سائح يستمتع بالتسكّع في مدينة بحرية ومقيم يتسوق ثياب جديدة لأطفاله أو إمرأة تشتري حاجيات الحلوى والطعام لتحضيرها في المنزل وتقديمها للعائلة والأصدقاء. هنا في ثاني أكبر مدينة فرنسية قد يكون للعيد نكهة خاصة وسط غالبية من المهاجرين العرب والمسلمين.

 

في الأيام الأخيرة من شهر رمضان ثمة حركة كثيفة تمتد من المرفأ القديم غرباً حتى كنيسة فنسان دي بول شرقاً عبر شارع كانبيير، بينما تفوح رائحة الحلويات الشرقية من الجنوب الغربي حيث أسواق نوايي Noailles في أحياء غالبية سكانها من شمال إفريقيا وبعض دول المشرق العربي وصولاً إلى الشمال حيث بوابة إكس التاريخية، يفاجئك محل صلاح الدين بعطوره وحلوياته والصابون المغربي والحلبي الذي تشد رائحته المارة من بعيد.


يتحدث أمين الشاب الجزائري الذي يعمل في المحل، إلى "عربي21" باقتضاب بسبب كثافة الزبائن، فيشير إلى أن الطلب يتزايد في رمضان وأيام العيد الأولى على العطور والحلويات الجاهزة ومكونات الحلويات التي يستوردها المحل من الدول العربية مثل النشاء والسمن البلدي والزيوت والتمور وعجينة الصابلي وجوز الهند المبروش والمربيات والعسل.


وبالنسبة لأطباق الطعام لديه كل ما يلزم من بهارات وتوابل ومكونات خاصة بالأطباق المغاربية والشامية الى حد ما، وسط أكوام البقلاوة والراحة والعوامة والفواكة المجففة والمُحلاة بالسكر، يلفت أمين إلى وجود نحو ثلاثين مسجداً ومصلىً في مرسيليا، منها ثلاثة مساجد كبار، يؤمها المصلون صباح يوم العيد قبل أن يتوجه بعضهم للاحتفال أو لتهنئة من يهمهم أمره، بينما تتوجه الغالبية الى أعمالها لأن هذا اليوم ليس عطلة رسمية في فرنسا.


حسان الذي يعمل في مطعم تونسي يتحدث بمرارة لـ "عربي21" قائلاً: "عن أي عيد تتحدث، نحن هنا بعيدون عن أهلنا ووطننا لا يوجد معنى للعيد في ظل هذا الوضع، حتى أننا يوم العيد نعمل كبقية الأيام"، مؤكداً أن المطعم المُختص بالطعام التونسي لا يقدّم وجبات خاصة بيوم العيد بل يستمر بتحضير ما يقدّمه في الأيام العادية من أطباق وحلويات.


في فرن صغير وسط شارع ضيّق تنتشر فيه البضائع على الجانبين، ويكثر فيه المتسولون، والمارة، تفوح رائحة المُسمن المغربي وخبز السميد، ويحتشد الزبائن أمام واجهة الحلويات الشرقية، مثل مقرود اللوز والغريوش والكعك الجزائري وكعب الغزال، حيث يقول صاحب الفرن لـ "عربي21"، إن بعض الناس يشترون الحلويات كهدايا أثناء زياراتهم للمعايدة وبعضهم يقدّمونها للضيوف أو للأطفال.

 

اقرأ أيضا: زيارة لأحياء المهاجرين وعبق السوق العربي بمرسيليا (شاهد)

وإلى جانب الفرن ملحمة وضعت يافطة "حلال" كبيرة، وقد اصطف الناس أمامها لشراء حاجياتهم، ففي هذه المناسبة تكثر الطلبات على لحم الخروف، بحسب ما يوضح صاحب الملحمة لـ "عربي21"، مشيراً إلى أن آخر أيام رمضان تكثر الطلبات على لحم الخروف الصغير "العلوش" ولحم العجل لطبخها مع طبق الكوسكوس الذي يُعتبر أساس المائدة المغاربية في هذا العيد.


وتشترك الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا وليبيا في هذه الأطباق وإن اختلفت الوصفات بين منطقة وأخرى، حتى في البلد الواحد، ففي غرب الجزائر، على سبيل المثال يصنعون أطباقاً تختلف عن شرقه مثل المُحمرة مع الدجاج او مع اللحمة والدشيشة بمرق الأعشاب والشخشوخة وطاجين البرقوق، وكذلك الحلوى تختلف وصفتها ومكوناتها بين منطقة وأخرى، بحسب ما تقول فاطمة الزهراء، السيدة الجزائرية المقيمة بالقرب من مرسيليا، حيث تقول لـ "عربي21" إنها "للأسف ستكون في العمل يوم العيد، لكن وجود أعمامها في المدينة نفسها يؤنس وحدتها في الغربة، فتحاول أن تقضي ما تبقى من نهارها معهم بشرب القهوة وتناول الحلويات البيتية وبعض الطعام المخصص للعيد.


مع ذلك تشهد مرسيليا ازدحاماً لافتاً، حتى في صالونات الحلاقة وفي حركة الحجوزات على الفنادق والشقق المفروشة، لأن بعض السواح العرب يفضلون قضاء إجازة العيد في هذه المدينة التي لا يشعرون فيها بالغربة عن عبق الشرق، وحيث إمكانية التواصل باللغة العربية مُتاحاً فيها أكثر من غيرها من مدن أوروبية.


أصناف عديدة أيضاً في المطبخ المغربي المُخصص ليوم العيد؛ منها حلويات السمسم والمقرود باللوز والكريب، وأطباق الطاجين والكوسكوس والحريرة والرفيسة والباستيلا، وعلى بعد أمتار محل تركي فخم للحلويات مثل اللوقوم (الراحة) على أنواعها والبقلاوة التي كثر عليها الطلب خلال الأيام الأخيرة من رمضان وعشية العيد، بحسب ما تقول صاحبة المحل.

 

لعل هذه الأطباق الشهية والحلويات التي يسر منظرها الناظرين، هي أبرز ما بقي من عيد الفطر في الغربة، حيث التزاور لم يعد مألوفاً بسبب ضغوط العمل، لكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف يمكن القول إن العيد ما زال سعيداً، رغم قول المتنبي البليغ: "عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. بمَا مَضَى أمْ بأمرٍ فيكَ تجْديد".