كتاب عربي 21

عُمان في الأزمة الأمريكية ـ الإيرانية.. ناقلة رسائل لا وسيط

1300x600

تبذل العديد من الدول محاولات حثيثة للتخفيف من التوتر المتصاعد بين الولايات المتّحدة وإيران في الخليج العربي. تتصدّر هذه الجهود ثلاث دول على وجه التحديد وهي العراق وسلطنة عُمان وقطر. المسؤولون العُمانيون هم الأكثر تفاعلاً مع الإعلام في الوقت الحالي وذلك أمر مفهوم في السياق التاريخي للدور الذي لطالما لعبته السلطنة في مثل هذه الظروف. 

 

مقوّمات الدور العُماني


عُمان واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بعلاقات جيّدة مع الطرفين الأمريكي والإيراني في نفس الوقت. سياساتها الوسطية حيناً والمحايدة أحياناً جعلتها مقصداً مفضّلاً لأولئك الذين يبحثون عن وسائل لتخفيف التوتر أو إيصال الرسائل أو حتى التفاوض بين الولايات المتّحدة الأمريكية وإيران. وهي مدركة لهذا الأمر، قامت السلطنة بتوظيف سمعتها للتأكيد على مصداقية دورها في هذه المجالات. وعلى مر السنين، وخاصة في الأوقات الصعبة، رسّخت مسقط دورها كقناة خلفية موثوقة بين إيران والغرب لاسيما الولايات المتّحدة الأمريكية. 

لقد كان للسلطنة دور إيجابي دوماً في معالجة القضايا العالقة المرتبطة بطهران، ونجحت عدّة مرات في إقناع إيران أو وكلائها بالإفراج عن الرهائن الغربيين البريطانيين والأمريكيين. كما سبق لمسقط أن مهّدت الطريق لمحادثات أمريكية ـ إيرانية سرّية أدت فيما بعد إلى الصفقة النووية، وذلك من خلال توفير المكان المناسب لإجراء هذا الحوار. ولهذه الأسباب بالتحديد، ما أن يزداد التوتر في المنطقة، حتى تتصدّر عُمان قائمة المرشّحين للقيام بالمساعي الحميدة.

 

علاقات مسقط المتصاعدة مؤخراً مع تل أبيب بعثت شيئا من الشك في الجانب الإيراني


سفيرة السلطنة لدى واشنطن حُنينة المغيري، عبّرت مؤخراً عن استعداد بلادها للتوسط بين أمريكا وإيران لحل النزاع بين الدولتين. لكن بالرغم من هذه المزايا التي تحدّثنا عنها، هناك شكوك في الوقت الحالي إزاء قدرة السلطنة على لعب فعّال بين أمريكا وإيران. إدارة ترامب قد لا تفضّل على الأرجح أن يتم تكليف الدولة نفسها ـ التي لعبت دوراً في التهيئة للتوصل إلى الاتفاق النووي في عهد أوباما ـ في أي عملية وساطة جديدة مع طهران. وفي المقابل، هناك من يشير إلى أنّ علاقات مسقط المتصاعدة مؤخراً مع تل أبيب بعثت شيئا من الشك في الجانب الإيراني ولذلك فإنّ طهران حذرة من الاستعجال في تكليف أحد بالوساطات.

ملاحظات الطرفين تحوّل دور عُمان من وسيط محتمل أو مسهّل ممكن إلى مجرّد ناقل للرسائل، وهو الدور الذي تلعبه عدّة دول أخرى في المنطقة أيضاً. تصريحات المسؤولين العمانيين بالإضافة إلى الإيرانيين تؤكّد هذا الأمر. الجانب العُماني نفى صراحةً أن يكون في موقع الوساطة حالياً، وأشارت وزارة الخارجية إلى أن السلطنة تسعى مع أطراف أخرى لتهدئة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. في المقابل، يُفهم من تصريح مجلس الأمن القومي الإيراني أنّ الزيارات التي قام بها مسؤولو الدول الإقليمية إلى طهران في الآونة الأخيرة، تمّت بالنيابة عن الولايات المتّحدة الأمريكية، وهو ما يؤكّد أيضاً أنّها لا تلعب دور الوسيط بقدر ما تنقل رسائل. 

 

التهدئة مصلحة إقليمية

الرسالة غير المعلنة حتى الآن تتمحور على الأرجح حول تجنّب المواجهة العسكرية والذهاب باتجاه المفاوضات. كل الدول التي حملت الرسائل الأمريكية هذه سواء كانت عُمان أو العراق أو قطر لديها مصلحة مباشرة أيضاً في عدم حصول تصعيد أو مواجهة بين الطرفين. سبق وأن صدرت دعوات من واشنطن وأيضا من طهران بضرورة الذهاب باتجاه الحوار المباشر، لكن في ظل التعنّت الإيراني من جهة والسقف المرتفع لواشنطن من جهة أخرى، سيكون من الصعب على هذه الدول القيام بدور الوساطة. ولهذا السبب بالتحديد، تنشط جميعها بما في ذلك عُمان في نقل الرسائل حالياً فقط. 

إذا ما تخطّت عُمان هذا الدور في المرحلة المقبلة إلى توفير مكان مناسب للقاء الطرفين الأمريكي والإيراني فيها، عندها فقط نستطيع أن نقول إنّ هناك تطوّراً في مسار احتواء التوتر وتخفيف الأزمة بين الطرفين، وما دون ذلك لا يرقى إلى ما يتم الترويج له عن وجود وساطة عمانية أو حتى لعب دور المسهّل في المحادثات المباشرة المفترضة بين الجانبين.