مقالات مختارة

الإخوان.. يعتبرهم ترامب إرهابيين، ولكن البعض يعتبرهم حلفاء

1300x600

لندن – في الكويت، تؤيد جماعة الإخوان المسلمين أمريكا علانية. 

وفي العراق، لم يتوقف الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين عن تأييد العملية السياسية المدعومة أمريكياً ومازال يشكل جزءاً من الائتلاف الحاكم. 

وفي اليمن، يتعاون الحزب المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين مع بعض أقرب حلفاء أمريكا من العرب في الحرب التي تخاض ضد فصيل تسانده إيران. 

ولذلك يثير مقترح الرئيس ترامب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية سؤالاً صعباً حول من هم بالضبط الذين ينوي استهدافهم. فالجماعة الإسلامية الأم، التي تأسست في مصر في عام 1928، أفرزت أو ألهمت الآلاف من المجموعات الاجتماعية أو السياسية المستقلة حول العالم، وهي أبعد ما تكون عن التطابق. 

يشتمل هذا الطيف الواسع على روابط ومجموعات دعوية في أوروبا وفي شمال أمريكا تعتبر ضمن التيار العام السائد، هذا بالإضافة إلى أحزاب سياسية معترف بها داخل عدد من الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة من المغرب إلى إندونيسيا. وعلى الرغم من أن معظم الأحزاب المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين تنتقد بشدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلا أن عدداً قليلاً منها – مثل تلك التي في الكويت والعراق واليمن – بادرت في بعض الأوقات إلى دعم الأهداف الأمريكية. 

معلوم أن التحريض ضد الإخوان المسلمين مصدره مجموعة واحدة من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وتتكون هذه المجموعة من كل من مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والتي ترى في جماعة الإخوان المسلمين ودعواتها لإجراء انتخابات خطراً يتهدد استقرارها. 

إلا أن الخطوة التي يعتزم ترامب اتخاذها يمكن أن تسخط مجموعة أخرى من الحلفاء بما في ذلك تركيا وقطر والأردن، التي إما أنها متحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين أو مستوعبة لها ضمن أنظمتها السياسي. 

لو تجاوزنا مسألة ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين أو الكيانات التي تفرعت عنها تنطبق عليها المواصفات القانونية للتصنيف كمنظمات إرهابية، يقول الخبراء إن المقترح يجازف بتوريط الولايات المتحدة في نزاع لا دخل لواشنطن به. 

يقول كريستيان كوتس أولريخسن، الباحث في معهد بيكر للسياسات العامة في جامعة رايس: "إنها الحرب الباردة الجديدة في المنطقة، وهي حرب لا يوجد فيها جانب جيد وجانب سيء من وجهة النظر الأمريكية. فكل هذه البلدان حلفاء مقربون للولايات المتحدة، والسماح لأنفسنا بالانحياز لصالح طرف على آخر من شأنه فقط أن يضر بالمصالح الأمريكية."

سوف يؤدي تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة أجنبية إرهابية إلى منع أعضائها من دخول الولايات المتحدة وسيحظر على أي إنسان داخل البلد مناصرة الجماعة أو حتى التشاور مع أي من أعضائها. 

إلا أن هذه الحركة ذات الانتشار العالمي يصعب وصفها على أنها منظمة واحدة. 

لم يبق اليوم ما يربط بين العديد من تفرعات جماعة الإخوان المسلمين سوى مكتب هادئ من طابقين يقع فوق محل مهجور كان يقدم البيتزا في حي من أحياء شمال لندن. وبسبب القمع الشديد الذي مارسته الحكومة في مصر على جماعة الإخوان المسلمين، فقد صار هذا المكان مقراً للقائم بأعمال زعيم جماعة الإخوان المسلمين المصرية، إبراهيم منير، المحامي الذي يبلغ من العمر اثنين وثمانين عاماً. 

يقول إبراهيم منير إنه لا يملك السلطة على، ولا التواصل مع، العديد من المنظمات المستقلة ذات الصلة بالإخوان المسلمين حول العالم. 

ويقول: "نسعى للتنسيق، ولكننا لسنا كياناً إدارياً."

ويضيف أن جماعة الإخوان المسلمين ليست تنظيماً بقدر ما هي فكرة – لا تنحصر في حدود، وتتخذ أشكالاً وتطبيقات متنوعة جداً ويكاد يكون من المستحيل شطبها. 

ويقول إبراهيم منير: "يعتقد ترامب أن بإمكانه التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين كما يتعامل مع ذلك الجدار الذي يريد أن يقيمه على الحدود مع المكسيك. ولكن لا يمكنك بناء جدار حول فكرة."

ما في تلك الفكرة من غموض – وهي التي تقول بأن الإحياء الديني الإسلامي من القاعدة إلى فوق سوف يؤدي إلى الإصلاح الاجتماعي المرجو – هو الذي يفتح المجال أمام الكثير من التفسيرات التي تتبناها مختلف الجماعات. 

ويبقى تنوع وانتشار تفرعات جماعة الإخوان المسلمين عقبة في طريق تصنيفها جماعة إرهابية. 

بموجب قانون الولايات المتحدة، يمكن تطبيق التصنيف فقط على المنظمات التي تمارس العنف بشكل مباشر ضد المصالح الأمريكية، ولا يوجد من الأدلة ما يثبت أن جماعة الإخوان المسلمين المصرية فعلت شيئاً من ذلك. 

لربما انطبق ذلك على عدد قليل من تفرعات الإخوان المسلمين – وبشكل خاص حركة حماس، الجماعة الفلسطينية المسلحة. ولكن حماس مدرجة من قبل الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب

إلا أن الخبراء العاملين في وزارة الدفاع (البنتاغون) وفي وزارة الخارجية وفي مجلس الأمن القومي اعترضوا على مقترح ترامب، على الأقل لهذه الأسباب القانونية. 

هذا بالإضافة إلى أن هذه ستكون المرة الأولى التي تطبق فيها الولايات المتحدة التصنيف الإرهابي على حركة شعبية وجماهيرية، حركة لديها ملايين الأتباع في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وليست مجرد منظمة صغيرة وسرية كما هو حال القاعدة. 

ومن بين حلفاء أمريكا، يعتبر الحزب الحاكم في تركيا قريباً فكرياً من جماعة الإخوان المسلمين. وأما في الأردن فطالما اعتمد الملك عبد الله على الحزب المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين لتوفير متنفس لمعارضة سياسية محدودة وغير عنفية. ولطالما سعت قطر لتوسيع نفوذها من خلال التحالف مع الإسلاميين ممن هم على شاكلة الإخوان المسلمين. 

كما أن الحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة في كل من البحرين والمغرب وتونس وإندونيسيا وماليزيا وكينيا كلها تعترف بالأحزاب السياسية التي تعود أصولها إلى فكر جماعة الإخوان المسلمين. 

حتى هذه اللحظة، التزمت هذه الأحزاب والحكومات الصمت إزاء مقترح ترامب، ربما خشية أن تجر إلى حرب مع البيت الأبيض بينما تبقى فرص القيام بأي إجراء في هذا السياق غير مؤكدة، وإن كان التوتر واضحاً مع ذلك. 

في تركيا، كتب ياسين أقطاي، السياسي المقرب من الرئيس رجب طيب أردوغان، في عمود له بإحدى الصحف مؤخراً يقول إن العقاب المقترح ضد جماعة الإخوان المسلمين من شأنه أن يوجه ضربة جديدة لمصداقية الولايات المتحدة وأن يشكل انطباعاً بأن هذا الإجراء ما هو سوى إعلان حرب شاملة ليس فقط ضد المنظمة بل وضد الإسلام.

وفي الأردن، حيث يحتل حزب سياسي منبثق عن جماعة الإخوان المسلمين ستة عشر مقعداً في البرلمان، ما لبث الملك عبد الله يقاوم مطالب تقدمت بها كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لحظر جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفها منظمة إرهابية. 

يقول عامر سبيلة، المحلل السياسي والكاتب الصحفي في عمان: "إن إقدام الأمريكان على فعل ذلك سوف يضع الأردن في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة."

وفي الكويت، يعود الفضل في الموقف الإيجابي لجماعة الإخوان المسلمين تجاه واشنطن إلى الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في تحرير الكويت من الغزو العراقي قبل ما يقرب من ثلاثة عقود. 

وفي العراق، شارك الحزب السني الذي تهيمن عليه جماعة الإخوان المسلمين في إبرام تحالفات تجاوزت الانتماءات الطائفية مع أحزاب يهيمن عليها الشيعة داخل الحكومات المتعاقبة، على الرغم من أن ذلك كلفه دعم بعض السنة في البلاد. 

وفي اليمن، شكل الحزب المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين تحالفاً غير مألوف مع كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في القتال ضد عدو مشترك، ألا وهو جماعة الحوثيين المدعومة من قبل إيران. 

وفي البحرين، التي تتخذ منها مقراً قاعدة بحرية أمريكية كبيرة، يشكل الحزب السياسي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين عموداً من الأعمدة التي يتكئ عليها النظام الملكي السني، والذي طالما واجه معارضة من قبل الأغلبية الشيعية في البلاد. 

أما حماس، الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، فتصنفها الولايات المتحدة منذ أكثر من عقدين منظمة إرهابية. وقد قال أنصارها هذا الأسبوع إن منظمتهم قد تستفيد من قرار السيد ترامب فرض حظر على الحركة الأم، لأن ذلك سيقلل من التكلفة التي سيتكبدها أنصار الإخوان المسلمين لو ساندوا أشقاءهم الفلسطينيين. 

وفي هذا السياق تساءل باسم نعيم، وزير الصحة السابق والعضو البارز في حركة حماس: "إذا كانوا سيعتبرون إرهابيين على أية حال فلم لا يدعمون حماس؟ فليس لديهم ما يخسرونه."

لاحظ عدد من الخبراء في واشنطن أننا لو تركنا حماس جانباً فسوف نجد أن الأحزاب ذات الارتباط الفكري بجماعة الإخوان المسلمين تشارك في العمليات السياسية البرلمانية وتنأى بنفسها عن العنف، وهو الأمر الذي يشجع عليه في العادة المسؤولون الأمريكيون. ولذلك فإن وصف الإخوان بأنهم منظمة إرهابية من شأنه أن يبعث برسالة مزعجة إلى الشباب في المنطقة حيث تقطعت بهم السبل الكفيلة بتحسين معيشتهم، كما يقول ميشيل دان، الباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي. 

وتضيف دان: "لا يمكنني التفكير في شيء أسوأ من ذلك وأردأ من حيث العواقب إذا ما كان الأمر الذي نرغب في تشجيع الشباب عليه هو انتهاج الطرق السلمية بديلاً للعنف." 

على مدى تسعين عاماً منذ نشأتها، لطالما تعرضت المنظمة لضغوط من قبل الدولة الأمنية في مصر. 

يقول السيد إبراهيم منير إنه انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين وهو في الرابعة عشرة من عمره وقضى في السجن ستة عشر عاماً عقاباً له على ذلك أثناء القمع الذي مارسه ضد الجماعة الرئيس جمال عبد الناصر. 

واليوم، ها هي جماعة الإخوان المسلمين قد انسحبت من النشاط السياسي المعارض تحت وطأة القمع الشديد الذي تتعرض له في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويذكر أنه بعد أن استولى على الحكم في عام 2013 بعد انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، أشرف السيسي بنفسه على قتل الآلاف وسجن عشرات الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان التي جاء منها الرئيس السابق. 

يقول السيد إبراهيم منير إن الوظيفة الأساسية للجماعة الآن هي توفير الدعم لعائلات من قتلوا أو من سجنوا.  

وقال إنه قبل سبعة أعوام فقط أمضى مسؤول كبير في جماعة الإخوان المسلمين أربعين دقيقة داخل المكتب البيضاوي مع الرئيس باراك أوباما وهو يتحدث معه حول مستقبل مصر الديمقراطي. 

هذا المسؤول هو عصام الحداد الذي كان مستشاراً للأمن القومي لدى الرئيس المصري محمد مرسي، والذي هو زعيم آخر من زعماء الإخوان المسلمين وأول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر. 

مضى الآن على السيد عصام الحداد ما يقرب من ست سنين وهو في السجن بتهم سياسية. 

يقول إبراهيم منير إنه مصدوم بسبب صمت المسؤولين الأمريكيين الذي تعرفوا على السيد عصام الحداد أثناء السنة التي قضاها السيد مرسي في الحكم. 

يقول إبراهيم منير: "إنها لصدمة، في الحقيقة. عندما ذهب عصام الحداد للتحاور مع الإدارة، هل كانت تلك مجرد لعبة؟"

 

(عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، ترجمة "عربي21")