ملفات وتقارير

محللون يقرأون بيان الجيش السوداني.. مناورة أم نقطة تحول؟

ساد الشعور بالإحباط من بيان الجيش بعد أن تلا البيان نائب البشير- الأناضول

بإعلان الجيش السوداني إجباره الرئيس عمر البشير على التنحي، وتسلم مجلس عسكري انتقالي للسلطة، يبدو المشهد السياسي في السودان نظريا، على أعتاب مرحلة جديدة.


لكن سيناريوهات المستقبل ما تزال غامضة، بعد رفض واسع من قبل الثوار، وشكوك حول إن كانت خطوة الجيش للمناورة بدلا من إسقاط النظام القديم، بينما يرى فريق آخر أن التحول الذي شهدته البلاد اليوم، هو نقطة البداية لعملية تحول تتضمن عدة مراحل، وربما يساهم ضغط الشارع في تسريع وتيرة التغيير الشامل.


وساد الشعور بالإحباط من بيان الجيش، بعد أن تلا البيان نائب البشير ووزير الدفاع السابق الفريق عوض بن عوف، ورأى ناشطون في الحراك الشبابي الثائر، أن بيان ابن عوف يُعيد إنتاج النظام القديم بدون رأسه في إشارة إلى الرئيس البشير الذي أعلن ابن عوف إجباره على التنحي.


ويحمل الشباب الثائر على ابن عوف الذي يُعرف بصلة قوية بالبشير، أنه جزء من أزمة النظام السابق، وأن ظهوره في قيادة المجلس العسكري الانتقالي، تأكيدا على مناورة الجيش لصالح مؤسسات النظام القديم، ويذكر هؤلاء لابن عوف أنه قبل تعيينه نائبا أول للبشير وجه انتقادات لاذعة إلى الاحتجاجات التي خرجت تطالب برحيل نظام البشير، واعتبر الشباب الثائر وكلاء لما سماها بالمنظمات المشبوهة الأجنبية.


وصرح ابن عوف بأن الذين يتظاهرون الآن هم ذات الوجوه التي ظلت تعادي السودان وتؤلب عليه المنظمات الدولية، وقال إن القوات المسلحة ستتصدى بالقانون والملاحقة القضائية لكل المتظاهرين وما وصفهم بـ"الأصوات المشروخة" و"الأقلام المأجورة"، ولن تسلم البلاد إلى "شذاذ الأفاق".

 

اقرأ أيضا: وزير الدفاع السوداني يعلن اعتقال البشير وتعطيل الدستور


أما على صعيد القوى السياسية الحزبية، فقد انقسم الموقف بين القوى التي كانت تشارك الرئيس البشير في الحكومة التي تم حلها بقرار الجيش، وبين القوى السياسية المعارضة، حيث اعتبرت الأولى بما فيها حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل الدكتور حسن الترابي بأن بيان الجيش ما يزال ناقصا، وأن الفترة الانتقالية التي حددها بعامين طويلة، وتثير شكوكا حول محاولة تغلغل الجيش في السياسة، والانفراد بالحكم، فضلا عن إعلان حالة الطوارئ وضمانات حرية النشاط السياسي والمدني، بينما أعلنت القوى السياسية المعارضة تأييدها لمطالب الشارع، وحذرت من انزلاق البلاد إلى مواجهة بين العسكر والمعتصمين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، وأن التغيير يجب أن يكون شاملا، ومتفاوضا عليه بين الجيش وقوى الشارع والمعارضة، لتكوين حكومة انتقالية مدنية.


وكان مثيرا للانتباه، أن يعمم إعلام حزب المؤتمر الوطني الذي كان مهيمنا على السلطة في البلاد، منشورا مقتضبا ينتقد الخطوة التي أقدم عليها الجيش، وحسب المنشور الذي تسلمت "عربي21" نسخة إلكترونية منه، فإن الحزب يرفض بيان الجيش ويهدد بالنزول للشوارع، ويطالب بإطلاق قيادته دون قيد أو شرط، ويدعو الحكومة لتهيئة المناخ السياسي لعمل حر بعيدا عن القمع، وهو ما اعتبره معارضون محاولة لإعادة تقديم الحزب إلى المشهد السياسي بوجه جديد، بينما اعتبرها المتشككون منشورا "مفبركا" ويعزز فرضية (تبادل الأدوار) بين الجيش والحزب.


لكن المحلل السياسي علي عثمان سليمان رأى في حديث لـ"عربي21"  أن تشكيل مجلس عسكري انتقالي في مثل هذه الأوضاع هو الخيار الأفضل والمتفق عليه تاريخيا، ولكن الجديد هذه المرة أن المجلس سيضم مؤسسات لم تكن جزءا من مكونات الانتقال وهذه تفتح الباب لأسئلة معقدة.
وأوضح أنه في حال اكتفى المجلس بحفظ الأمن الداخلي والخارجي والتمثيل السيادي وترك إدارة شؤون الدولة لإدارة مدنية مكونة من القوى السياسية والشبابية أو التكنوقراط، سيعبر بالمرحلة الانتقالية إلى بر الأمان.


بيد أن المتخصص في العلاقات السياسية الدكتور كباشي البكري قال لـ"عربي21" إن المحك في الجدل الدائر حول خطوة الجيش، إذ قبلها الشارع أم لا، وإن كان الشارع السوداني الذي خرج ينشد التغيير، سيتحمل هذه الإجراءات ويمد حبل الصبر لهذا المجلس العسكري وحكومته الجديدة لتنفيذ برامجها أم لا.

 

اقرأ أيضا: النص الكامل لبيان الجيش السوداني الذي خلع نظام البشير


وأشار إلى أن سقف المطالب يصل إلى تحول كلي في النظام السياسي، ما يفتح الباب على مصراعيه لتنامي وامتداد حالة من عدم الاستقرار السياسي يتبعه عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتنامي ظاهرة دول الربيع العربي وصورها المتكررة.


وعلمت "عربي21"، من مصادر سودانية مطلعة أن دواعي تأخر إعلان بيان الجيش لوقت غير المعلن عنه في الصباح حتى منتصف النهار، يعزو إلى محاولة إجراء مشاورات بين المجلس العسكري الانتقالي الذي لم تعرف كامل عضويته بشكل رسمي حتى اللحظة، مع قيادات سياسية معارضة بينها زعيم حزب الأمة القومي المعارض الصادق المهدي، ومحاولات أخرى بالاتصال بممثلين لتجمع المهنيين.


إلا أن المصادر ذاتها قالت إن "الشكوك التي تساور الثوار الداعين لإسقاط النظام حول طبيعة التغيير العسكري الجاري حاليا، دفعت بالضباط المسؤولين عن هذا التحرك لمزيد من المشاورات الداخلية لتسمية أعضاء مجلس انتقالي يكون مقبولا للداخل والمجتمع الدولي، وأن هنالك تحفظات بين الجنرالات الكبار حول الأسماء المطروحة، وموقفها من التعامل مع الوضع القديم، وموقفها من تلبية مطالب الشارع الثائر".


ووفقا للمحلل السياسي الدكتور كباشي البكري، فإن تأخر البيان فتح الباب واسعا للكثير من التكهنات حول أسباب التأخير وانتظار الجميع وتدفق أعداد كبيرة لمحيط الاعتصام، وقال إن "كثيرا من السيناريوهات تصاحب هذه التغيرات في ترتيب صفوف القوات الأمنية داخليا وترابط صفوفها ووحدتها على كيفية الحكم في فترة ما بعد الانقلاب، خاصة في ظل تعدد هذه المكونات لهذه القوات التي تشير التسريبات إلى اشتراكها في الانقلاب العسكري"، موضحا أن "الأمر يحتاج إلى كثير من التدابير للخروج إلى العالم برؤية موحدة".


ورأى أن "المؤثرات الإقليمية والدولية قد يكون لها دور في تعطيل بيان الجيش، فهي تطل برأسها مع كل تغيير وتحاول وضع يدها على كل بادرة تغيير في الصراع الدولي والاقليمي المحتدم ومحاولات الاستقطاب الكبيرة الحادثة حاليا"، على حد قوله.