صحافة دولية

نيويورك تايمز: كيف تعززت قومية إيران وضعفت الإسلاموية فيها؟

نيويورك تايمز: إيران تصبح قومية بعد ضعف الإسلاموية- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للأستاذ في جامعة A&M في تكساس، ومؤلف كتاب "السياسة الإسلامية لإيران" محمد طبار، يقول فيه، إنه بعد أربعين عاما من ثورة عام 1979، فإن الإسلاموية أنهكت نفسها بصفتها قوة تمنح الشرعية للجمهورية الإسلامية في إيران

ويشير طبار في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن دراسات دعمتها الحكومة الإيرانية تظهر أن الاستياء من الرموز الدينية للدولة وصل ذروته، لافتا إلى أنه بحسب ذراع البحث التابع للبرلمان الإيراني، فإن حوالي 70% من النساء الإيرانيات لا يطبقن الإملاءات الرسمية بحذافيرها بخصوص ارتداء الحجاب. 

ويلفت الكاتب إلى أن "المشاعر ضد رجال الدين تحولت إلى العنف، وبغض النظر عن علاقتهم بالحكومة، فإن رجال الدين يهاجمون ويطعنون في الشارع من أشخاص معارضين للنظام غاضبين". 

ويقول طبار إن "إيران تتعامل مع هذا الوضع بحذر من خلال التقليل من التركيز على الإسلاموية، والتشديد على القومية والتهديدات الأجنبية لكسب المواطنين الساخطين، ويعترف الزعماء الإيرانيون بهذا التحول الاجتماعي عن الإسلاموية، بالإشارة بشكل غير مسبوق إلى القومية، وإظهار تصميمهم على تضمين مشاعر وطنية في عقيدة الدولة، خلال احتفالات الذكرى الأربعين للثورة في شباط/ فبراير".

ويذكر الكاتب أن الزعيم الروحي الإيراني ناشد بشكل متكرر الشعب الإيراني لدعم حكومته، حتى وإن كانوا لا يؤيدون أيديولوجيتها الإسلامية؛ لأجل بلدهم ولأجل أمنهم.

وينوه طبار إلى أن الحرس الثوري، الذي تم إنشاؤه للحفاظ على قيم ثورة 1979، يصور نفسه الآن على أنه حارس الأمة ورمز القوة الإيرانية في وجه العدوان الأجنبي، بالإضافة إلى أن صور آثار بيرسيبوليس، والإشارات إلى بلاد فارس قبل الإسلام، أصبحت تطغى على الإعلام الحكومي الرسمي.

ويفيد الكاتب بأن تغير استراتيجية الحكومة هذه جاء عندما أظهر الإيرانيون حنينا للقومية، وتحدوا النظام السياسي الديني، وفوجئ المراقبون والحكومة بالتظاهرات الشعبية تتم عفويا حول قبر مؤسس الامبراطورية الفارسية قورش، المعروف بتسامحه مع البلدان التي غزاها ومع الأديان الأخرى، وقامت قوات الأمن بقمع تلك المظاهرات.

ويبين طبار أن "معاداة القيادة الإيرانية للأمركة يصطدم برغبة الشعب بإنهاء العزلة الدولية، واحتج الناس في الشوارع ضد استخدام النظام للدين ومعاداة أمريكا، ودعمها للحكومة السورية، ودعمها للمجموعات الوكيلة على حساب رفاهيتهم، وخلال مظاهرات على مستوى البلاد عام 2018 كان يهتف كثير من الإيرانيين: (دعوا سوريا وفكروا فينا)".

ويشير الكاتب إلى أن الضغط الشعبي أدى دورا مهما في جعل إيران توقع الاتفاقية النووية عام 2015، وأمل الإيرانيون بأن تكون الاتفاقية خطوة نحو اضطرار النظام للانفتاح على العالم، لافتا إلى أن الرئيس روحاني يعترف في كتابه "الأمن القومي والدبلوماسية النووية"، بأن القيادة التفتت إلى استطلاعات حكومية سرية قبل اتخاذ قرارات حاسمة بشأن البرنامج النووي.

ويقول طبار إن "الزعيم الروحي الإيراني وقيادات الحرس الثوري لم يخفوا ترددهم في قبول الصفقة النووية وما يتبعها، وفي حملته للانتخاب رئيسا مرة ثانية عام 2017 وعد روحاني بأنه بعد تأمين الصفقة النووية سيقوم بحل المشكلات العالقة، قاصدا العلاقات مع أمريكا.

 

ويلفت الكاتب إلى أن انتخاب دونالد ترامب، وما تبع ذلك من انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية، وفرض عقوبات على إيران، تسبب بإيقاف زخم الإصلاح لدى روحاني، وبدلا من ذلك ظهر شعور بين الإيرانيين بتهديد بلدهم من أمريكا.

ويفيد طبار بأن المتشددين الإيرانيين شعروا بأن هناك بداية لتغير المزاج العام، مشيرا إلى أن صحيفة "كيهان" المقربة من الزعيم الروحي والحرس الثوري، قال قبل أسبوعين إن "إنهاء الوهم الغربي" كان "أعظم إنجاز" تم في العام الفارسي المنصرم، الذي انتهى في 20 آذار/ مارس، وأصبحت النخبة، التي كانت تحرك المجتمع وتحصل على الأصوات بالوعد بتحسين العلاقات مع أمريكا، اليوم تردد شعارات منافسيها المحافظين ذاتها.

ويقول الكاتب: "أصبح اليوم جواد ظريف، الذي كان وزير خارجية إيران المبتسم، والمفاوض الرئيسي للاتفاقية النووية، يتحدث كأنه الرئيس المتشدد السابق محمد أحمدي نجاد، وحتى علي أكبر صالحي، خريج جامعة ماستشوستس ورئيس منظمة الطاقة الذرية في إيران، والمفاوض النووي، قال مؤخرا إن مؤيدي ومعارضي النظام و(الثوريين ومعارضي الثوريين أصبحوا يعتقدون أن أمريكا هي العدو)".

ويجد طبار أنه "بسحب ورقة الضغط النووي من إيران، وفرض العقوبات ثانية، وتسليح المنافسين الإقليميين، فإن أمريكا تسببت بتكثيف المخاوف الإيرانية على الأمن القومي في الجمهورية، والنتيجة هي خطاب أمني قومي يجلب الشعب والنخبة معا، وإدارة ترامب توفر المصداقية لهذا الخطاب".

ويرى الكاتب أن "الجمهورية الإسلامية نجحت في البقاء، ليس فقط بسبب الأجهزة الأمنية، لكن لأن الزعماء تمكنوا من إدارة المشاعر العامة، بالإضافة إلى الصراعات من بين أمور أخرى، ووجدت القيادات الإيرانية أن عداء الرئيس ترامب تجاه إيران يساعدهم على تجميع المواطنين الذين كانوا معارضين لخلق أيديولوجية إسلامية – قومية جديدة مترابطة".

ويعلق طبار قائلا: "قد يكون لهذا أثر سلبي على تحريك المجتمع المدني الإيراني السري، ويقوي من نفوذ الحرس الثوري في السياسة الخارجية، فلم يعد هناك من المعارضة من يقف في وجه ادعاء خامنئي بأنه لو لم يكن الحرس الجمهوري يقاتلون الإرهابيين في دمشق، فإنهم كانوا سيقاتلونهم في طهران، وفي الغالب سيعد الكثير أن الوقوف مع النظام يزيد من أمن البلاد، فما كان ينظر إليه سابقا على أنه أمن للنظام أصبح ينظر إليه على أنه أمن قومي".

ويلفت الكاتب إلى أنه "على مدى أربعة عقود، قامت الحكومات الأمريكية والإيرانية بنظام مكافآت وعقوبات ضد المواطنين الإيرانيين لأهداف متعاكسة، وكانت واشنطن تأمل في أن تتسبب بانتفاضة ضد النظام، أما طهران فسعت لالتزام الشعب وبقاء النظام".

ويختم طبار مقاله بالقول إن "العقوبات مع قمع النظام تسببا في كثير من الأحيان بالاستياء، وتحويل الانتخابات إلى حركات سياسية، والطلاب والنساء إلى متظاهرين جريئين، وباستخدامه هذه المشاعر ربط الرئيس باراك أوباما الفرص الأفضل بالاتفاقية النووية في رسالته بمناسبة النوروز، أما رسالة الرئيس ترامب بمناسبة النوروز، فكانت تكليف المواطنين الإيرانيين بمهمة أصعب هي تغيير النظام، للحصول على فرص أفضل".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)