صحافة دولية

WP: هكذا ساعدت هذه الأم السورية بكشف جرائم الأسد

واشنطن بوست: كشف عمل الخطيب عن فظائع وجرائم الأسد- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافي تيموثي بيلا، يقول فيه إن وعد الخطيب كانت تستقبل مولودتها الجديدة كل صباح بابتسامة، وهي تخشى الاعتقال والقصف والموت، وكانت هذه الأم السورية محتارة كيف ستربي ابنتها سما في هذا العالم المليء بالرعب والحرب.

 

وينقل التقرير ، الذي ترجمته "عربي21"، عن منتجة الأفلام لابنتها في الفيلم الوثائقي، قولها: "صباح الخير يا حبيبتي.. بالنسبة لسما.. هناك غارات جوية كثيرة اليوم، صحيح؟".

 

ويقول بيلا إن "الكابوس الآخر كان في الطابق الأرضي، وكان أيلول/ سبتمبر 2016، الشهر الثالث لحصار المدينة من قوات الرئيس السوري بشار الأسد، وقتل المزيد من الأطفال، والخطيب هي مواطنة صحافية وناشطة، وبدأت بتوثيق الرعب المتكشف في مناطق الثوار في حلب عام 2011، وصورت امرأة فقدت ابنها في آخر حملة قصف، وكانت الأم تحمل جثة ابنها وتقول لأي شخص مستعد لسماعها: (هذا ابني، حبيبي مات.. إنه ميت)".

 

وتفيد الصحيفة بأنه "حتى على بعد 7000 ميل من ذلك المشهد اليوم، وهي تجلس في غرفة اجتماعات هادئة في فندق هيلتون في مركز مدينة أوستين في وقت سابق منه هذا الشهر، فإن الخطيب تقول إنها لا تزال تستطيع ان تشم رائحة حلب على جلدها، وصورة تلك المرأة لم تغادرها أبدا".

 

وقالت الخطيب في مقابلة مع "واشنطن بوست" في مهرجان أفلام "ساوث باي ساوث وست"، حيث عرض فلمها الوثائقي حول الحرب "لأجل سما"، لأول مرة في وقت سابق من هذا الشهر: "تشعر بالعجز، لم أستطع أن أفعل شيئا في هذه اللحظة المهمة.. فما كان يحصل كان أقوى منا، وفي الواقع كان يسعى لتدميرنا جميعا".


ويستدرك التقرير بأن ما يخفف عن منتجة الأفلام السورية معرفتها بأن تضحيتها لم تكن لأجل لا شيء، فالخسائر جراء الصراع في سوريا، الذي يعد من أكثر الأزمات الإنسانية تدميرا في العالم، تظهر جلية خلال الفيلم الذي أنتجته لأجل طفلتها الأولى، مشيرا إلى أن فيلم الخطيب، الذي يروي قصة شخصية جدا للأمومة خلال الحرب، فاز بجائزة أفضل وثائقي قصصي في المهرجان، معطيا المشاهد الأمريكي نافذة أفضل على الدمار الذي جلبه الأسد والجيش المدعوم من روسيا لحلب.  

وقالت الخطيب لـ"واشنطن بوست": "هناك الكثير من المدنيين الذين لا يزالون هناك، وليس لديهم خيار المغادرة.. إنهم يبغضون أنفسهم، ويبغضون حياتهم بسبب هذه الوضع السيء هناك".

 

ويلفت الكاتب إلى أن "عمل الخطيب يبدأ بلحظات عابرة من الأمل، لكنها في النهاية تتحول إلى دمار وخراب وسط قمع الأسد الوحشي، ففي نيسان/ أبريل 2012 كانت الخطيب لا تزال طالبة في جامعة حلب عندما تكثفت المظاهرات ضد الأسد، وفي البداية أعطت الألعاب النارية والغناء والرقص والهتافات في الشارع الأمل لهذا الحراك، لكن المظاهرات تحولت إلى حرب أهلية، وتم إعدام المواطنين برصاص في الرأس، وقتل الأطفال في القصف".

 

وتبين الصحيفة أن الخطيب أحبت وأنشأت عائلة في أسوأ الأوقات التي كانت سوريا تمر بها، فتزوجت حمزة في عام 2014، وهو طالب طب تعرفت عليه خلال المظاهرات، ورقصا على موسيقى أغنية "Crazy" لويلي نيلسون يوم عرسهما، وعندما ولدت سما في 2015، اعطت هذه المولودة أمها أملا، حتى لو اضطرت للعيش في غرفة نوافذها محمية بأكياس الرمل لمنع أصابتها بأذى من شظايا القصف، مشيرة إلى أن هذه الحياة الجدية كانت هشة، وكانت فرحة الأم ينغصها الخوف، خاصة أن ثماني مستشفيات من أصل 9 في حلب تم قصفها وتدميرها.

 

وتقول الخطيب: "كنا نعلم أن حماية هذه الطفلة لن تكون سهلة، لكن في الوقت ذاته كنا نعلم أن هذه هي حياتنا وهنا سنعيش فلم لا ننجب مولودا هنا؟".

 

وينوه التقرير إلى أن العيش في حالة دائمة من الخوف في المدينة المحاصرة جعل الخطيب تقوم بتوثيق ما يحصل على كاميرا هاتفها ابتداء من عام 2011، وفي تصويرها لجرائم الحرب المتزايدة في حلب كانت تأمل أن يتجاوب العالم مع الأزمة. 

 

ويفيد بيلا بأن الخطيب تحولت من طالبة إلى ناشطة ومواطنة صحافية، وقامت بالتصوير كلما استطاعت، سواء في أوقات الهدوء القليلة مع العائلة والأصدقاء، أو في المظاهرات العنيفة، أو خلال القصف، لافتا إلى أنه بعد مولد ابنتها سما قطعت على نفسها عهدا بأن تترك ما صورته لابنتها؛ "لتعرف ما الذي قاتلت لأجله، في حال لم أعش".

 

وتقول الخطيب في الفيلم لابنتها: "لا أدري إن كنت أستطيع حمايتك.. ولا أدري إن كان بإمكانك مسامحتي".

 

وتقول الصحيفة إن اللقطات التي صورتها الخطيب وفرت أدلة إضافية تعزز من الادعاءات ضد نظام الأسد بأنه استخدم الأسلحة الكيماوية، فتظهر بعض اللقطات أطفالا وكبارا يتنفسون من خلال كمامات بعد هجوم عام 2016 على حلب، واتهمته الأمم المتحدة وعدد من جمعيات حقوق الإنسان باستخدام غاز الكلور.

ويشير التقرير إلى أنه منذ أن سيطر نظام الأسد على حلب، وأخذها من قوات الثوار في نهاية 2016، فإن الإعلام الإخباري الأمريكي يستخدم عبارة "انتصار الأسد" عند تغطيته للصراع، فيما ترى الخطيب أن وضع المسألة في هذا الإطار يقلل من جرام النظام، فقد قتل 400 ألف سوري خلال الخمس سنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، بحسب المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سوريا.

 

ويورد الكاتب نقلا عن الخطيب، قولها: "إنه انتصار مذهل، كما تعلم، لأنه انتصار في بلد مدمر وبلد دون سوريين.. لا أدري أي انتصار يتحدث (الأسد) عنه، إنه من الغريب أن يشعر بالانتصار".

 

وبحسب الصحيفة، فإن تسجيلاتها، التي وصلت إلى 300 ساعة، اختصرت ابتداء في "داخل حلب"، وهي سلسلة من التسجيلات تم بثها عام 2016 على أخبار القناة الرابعة في بريطانيا، وتمت مشاهدتها مئات ملايين المرات على الإنترنت، وفازت بعشرات الجوائز. 

وينقل التقرير عن المخرج إدوارد واتس، الذي ساعد على جلب أعمال الخطيب للمشاهد البريطاني، قوله إن قصتها تمثل الجانب الإنساني، وهو ما يغفل عنه أو يهمله الإعلام الغربي.

وأضاف واتس: "في العادة تصلنا أخبار سوريا عبر فلتر تنظيم الدولة وذلك النوع من التقارير.. وما شاهدناه فيما التقطته وعد هو أناس يمكننا أن نعرفهم.. وتشعر أنك تعرفهم. أناس عاديون يستمتعون بقطعة من الفاكهة، أو يلاعبون أطفالهم، أو يقولون بعض النكات".

 

ويلفت بيلا إلى أن الخطيب تشدد على أن الناس بحاجة لرؤية المشاهد الرهيبة التي شكلت واقعها، وتقول: "أعيش كل لحظة مرات ومرات.. لقد عشت كل لحظة بسعادة وبمرارة، لكن لم أفكر أن ذلك سيحصل لي بعد أن خسرنا حلب فعليا".

 

وتقول الصحيفة إن الخطيب رأت خلال سنوات الحرب أن أكبر تحد يمكن أن تقوم به هو البقاء في حلب، لكن ذلك لم يعد خيارا في كانون الثاني/ ديسمبر 2016، حيث أصدرت روسيا إنذارا لزوجها حمزة بأن يستسلم أو يخرج، لافتة إلى أنه ببقائه لمعالجة المدنيين الجرحى فإنه أصبح هدفا لنظام الأسد.

 

وينوه التقرير إلى أن الخطيب وعائلتها فرت إلى المملكة المتحدة في حدود عام 2017، حيث طلبت منها القناة الرابعة أن تحول ساعات المادة المصورة لديها إلى فيلم وثائقي، ويقول واتس: "لم نرد أن نخفي الحقيقة"، مشيرا إلى أنه سيتم عرض الفيلم في دور السينما هذا الصيف، كما ستقوم "بي بي أس" ببث الفيلم في نهاية العام. 

 

ويقول الكاتب: "لا شيء يجلب السرور للخطيب أكثر من سما، التي تبلغ من العمر اليوم 3 سنوات، وابنتها الأصغر تيما، التي أصبح عمرها 19 شهرا، وتقول الناشطة إن جريمة سما الوحيدة عندما كانت في حلب هي أن أمها صحافية تحاول نقل الحقيقة للعالم، وأن أباها طبيب يساعد ضحايا الصراع". 

 

وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن الخطيب تتحدث عن حلمها في العودة إلى حلب يوما بعد أن ينتهي نظام الأسد، وتقول: "أنا فعلا أريد أن يأتي هذا اليوم.. لكنه لن يأتي حتى يقاضى هذا النظام في المحاكم".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)