أفكَار

"الأزمات العربي" ينصح بتوافق إقليمي دولي ينهي الأزمة السورية

تقرير: الحرب في سوريا حصدت نصف مليون قتيل وأضعافهم من الجرحى والمفقودين (عربي21)

أظهر فريق الأزمات العربي، أنه وفي ضوء تعقيد الأزمة السورية وتدويلها فإنّ المدخل لحلّها واستراتيجية الخروج منها يكمُن في توافق الفاعلين الدوليين والإقليميين المنخرطين في الأزمة على فرض وقف إطلاق نار شامل، والدفع بالخيار السياسي تمهيدًا للمصالحة الوطنية في سورية ولإعادة بناء النظام السياسي من قبل السوريين وبدعم المجتمع الدولي والإقليمي.

وقدّم فريق الأزمات العربي في تقرير أصدره بعنوان "الأزمة السورية: استراتيجية الخروج"، عدّة اقتراحات في إطار استراتيجية الخروج من الأزمة، أبرزها إعلان وقف إطلاق النار الشامل بين أطراف الصراع، بتوافقات إقليمية ودولية، يشمل كل سورية بلا استثناء، وتجنّب تدهور الأوضاع مجددًا أو اندلاع المواجهات في البلاد، وبدء المصالحة الوطنية والمصالحة المجتمعية الدينية والإثنية والعائلية، مع الحذر من الركون للاتفاقات والتفاهمات المناطقية المؤقتة الحالية، ومن التعامل معها كصيغ نهائية للوضع في سوريا.

ودعا التقرير، الذي نشره مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن، إلى إعادة بناء النظام السياسي، بشكل يضمن تحقق إصلاح سياسي وأمني واقتصادي حقيقي، ويوفر الفرصة لبناء نظام سياسي ديمقراطي تعدّدي يرسّخ مفاهيم حرية العمل الحزبي، وتداول السلطة، ودولة المواطنة دون تمييز على أساس الانتماءات والهويات الفرعية، مع المحافظة على الخصوصية العربية والإسلامية الجامعة للشعب السوري كجزء من الأمة العربية والإسلامية. 

 

إقرأ أيضا: الأزمة السورية والتدخلات الأجنبية

وشدد التقرير على ضرورة الحفاظ على وحدة الأرض السورية في أيّ اتفاق سياسي قادم، وانسحاب كافة القوات الأجنبية من البلاد. وتوفير ضمانات كافية، برعاية إقليمية ودولية، لطمأنة اللاجئين بالعودة إلى مناطقهم، ومن ضمنها نشر قوّات شرطة عربية/ دولية لفترة محددة في كافّة أرجاء البلاد.

وأوصى التقرير بتحقيق العدالة الانتقالية بمفهومها الشامل، وخصوصًا ما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات وبالمصالحات المُجتمعية والتعويضات للضحايا ورعاية المتضررين وغيرها. 

ودعا إلى الشروع بإعادة الإعمار في المناطق التى تتوقّف فيها الأعمال القتالية، نظرًا لما يحمله ذلك من تأثيرات نفسية إيجابية لدى المواطنين السوريين داخل سوريا وفي مناطق اللجوء خارجها. 

وعرض التقرير لأربعة سيناريوهات رئيسية تحكم مستقبل الأزمة في سوريا، تراوح بين الحسم العسكري، والحل السياسي الشامل أو الجزئي، واستمرار حالة المواجهة والاستنزاف القائمة، أو تحوّل الوضع الميداني المؤقت القائم ضمن موازين القوى الحالية إلى وضع دائم عبر سيناريو التقسيم فيدراليًا أو عبر كيانات الحكم الذاتي وصولًا إلى الفيدرالية. 

 

إقرأ أيضا: إلى متى سيستمر العالم في العيش مع الأزمة السورية؟

كما وضع التقرير عددًا من المحددات التي يمكن من خلالها ترجيح أحد هذه السيناريوهات، ومن أبرزها مصالح وأولويات الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع (روسيا، والولايات المتحدة، وإيران، وتركيا) وتوجهات الأطراف المحلية في الصراع (النظام والمعارضة) ومصالحها ومدى تأثيرها في مساره، ومستوى استنزاف القوى المحلية والإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع، والوضع الميداني على الأرض وميزان القوى العسكري، وطبيعة القضايا الخلافية العالقة، ومدى قدرة الأطراف المتصارعة على التوصل إلى تفاهمات بخصوصها، إضافة إلى العامل الإنساني ومستوى حضوره والاهتمام به من قبل المجتمع الدولي ومن قبل أطراف الصراع المباشرة وغير المباشرة.

ورأى التقرير أنه "في ضوء هذه المحددات يتضح التباين الكبير في مواقف الأطراف المؤثرة إزاء مستقبل الأزمة السورية نتيجة تعارض مصالحها وأولوياتها".

وقال: "لا تبدو احتمالات إنجاز حلّ سياسي شامل أو تقسيم البلاد أو الحسم العسكري راجحة في عام 2019، ولذا، يُرجّح استمرار المسار السياسي الحالي القائم على إنجاز الحلّ بصورة جزئية تدريجية بطيئة، وفق اتفاقات منفصلة لكلّ منطقة على حِدَة، وربما يدعمه تطور التفاهم على الدستور الجديد ونظام الحكم والانتخابات لاحقًا، وهو الأمر الذي قد يستغرق وقتًا أطول، وبذلك رغم أنه لا يغني عن الحلّ السياسي الشامل بما فيه إعادة بناء النظام السياسي والأمني والاقتصادي للبلاد بمشاركة كلّ السوريين".

وذكر التقرير أن "الأزمة السورية التي بدأت على صورة احتجاجات سلمية في آذار/ مارس 2011 مطالبة بإصلاح البنية السياسية والأمنية والاقتصادية للنظام، تمت عسكرتها بسبب العنف الذي قُوبلت به هذه الاحتجاجات، تسبّب بخلط المشهد السوري بين معارضة سياسية تطالب بإصلاحات سياسية وأمنية واقتصادية، وأخرى مسلحة تطالب برحيل النظام، وبين ثالثة هي مجموعات متطرفة إرهابية. 

 

لا تبدو احتمالات إنجاز حلّ سياسي شامل أو تقسيم البلاد أو الحسم العسكري راجحة في عام 2019، ولذا، يُرجّح استمرار المسار السياسي الحالي القائم على إنجاز الحلّ بصورة جزئية تدريجية بطيئة


ورأى أن ذلك "قد ساعد ذلك الأطراف القريبة من النظام والولايات المتحدة الأمريكية على استخدام هذه الجماعات الإرهابية لوصف ما يجري في سوريا بالإرهاب، وذلك على حساب المشهد السوري للإصلاح أو التغيير السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد. 

وأكد أن تدخل روسيا عسكريًا في أيلول/ سبتمبر 2015، بدعوة رسمية من النظام السوري وصمت الولايات المتحدة وإسرائيل، غيّر المشهد الميداني بشكل واضح، حيث تمكّن النظام من استرجاع المناطق الحيوية في قلب دمشق وفي شمال البلاد وجنوبها، وانحسر وجود المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية في الشمال الغربي من محافظات إدلب وحلب وحماة.

 

إقرأ أيضا: خمس دول تقدم خطة عمل لحل الأزمة السورية

ووفق ذات التقرير فقد حصدت الحرب في سوريا أكثر من نصف مليون قتيل من جميع الأطراف، وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمفقودين، فضلًا عن حوالي 11.5 مليون لاجىء ونازح، وتدمير البنية التحتية والحضارية للبلاد، وهو ما ترك تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية على كلٍّ من سوريا والدول العربية ودول الإقليم بشكل أساسي، وتعدّتها إلى دول العالم من خلال موجة اللجوء السوري، خصوصًا إلى دول أوروبا.

يذكر أن فريق الأزمات العربي، هو فريق عربي متخصص معني برصد ومتابعة الأزمات العربية وتناولها بالدراسة والتحليل، وتقديم ما يلزم من توصيات للأطراف ذات الصلة. وقد أصدر منذ تأسس في العام 2013، العديد من التقارير في عدد من الملفات العربية والدولية.

ويترأس الفريق، الدكتور جواد الحمد، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن، ويضم في عضويته عددا من الأسماء من بينهم: محمد العدنيات أستاذ الاقتصاد وزير القطاع العام الأسبق في الأردن، ونظام بركات أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية، ومصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السوداني الأسبق، وممثل السودان بالأمم المتحدة في جينيف، وصباح الياسين أستاذ الإعلام السياسي والديبلوماسي العراقي الأسبق، وآخرين.