كتاب عربي 21

انتهى النظام العربي.. من زمان

1300x600

لن تكون القمة العربية القادمة التي ستعقد في تونس مختلفة عن سابقاتها. ستلتئم القمة بمن حضر من الرؤساء والملوك، إلى جانب عدد من رؤساء الحكومات ووزراء خارجية سيعوضون المسؤولين الكبار. وسيكون الطابع البروتوكولي هو الغالب على الأعمال واللقاءات الثنائية التي ستحصل بين القادة، أما القرارات المنتظرة أو المتوقعة، فلن يكون لها وقع كبير على الواقع الإقليمي الراهن.

هناك مسألتان هامتان من المتوقع النظر فيهما، سواء بشكل جماعي أو في الكواليس. تتعلق الأولى بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وذلك بعد أن توفرت الشروط. فالحرب الأهلية التي دامت سنوات لئن أضعفت البلد وتأخرت بها إلى الخلف لنصف قرن على الأقل، الا أنها لم تتمكن من إسقاط النظام. كانت كلفة هذا النزاع عالية جدا في الأرواح وفي العمران، والحصاد مؤلم والتدخلات الإقليمية والدولية متعددة، والبلاد مقسمة إلى مناطق نفوذ، والسيادة منقوصة، لكن القرار الدولي قد تم اتخاذه، ويقتضي وضع الترتيبات الضرورية لإنهاء النزاع المسلح بعد استئصال داعش والقاعدة.

سيكون الطابع البروتوكولي هو الغالب على الأعمال واللقاءات الثنائية التي ستحصل بين القادة، أما القرارات المنتظرة أو المتوقعة، فلن يكون لها وقع كبير على الواقع الإقليمي الراهن

يضاف إلى ذلك أن عددا من الدول العربية لم تنتظر قرارا جماعيا، حيث قررت بنفسها وبشكل منفرد إعادة فتح سفاراتها، وأرسلت من يمثلها في دمشق وأتمت عملية التطبيع مع نظام الأسد كأن شيئا لم يكن. فكل ما ستفعله قمة تونس هو مباركة ذلك وتعميمه على الجميع.

أما الملف الثاني فيخص سياسات الإعمار، سواء المتعلقة بالشام أو اليمن في انتظار تسوية الأزمة الليبية التي لا تزال مفتوحة على أكثر من احتمال أو سيناريو. وعند الحديث عن الإعمار، تحضر مصالح الدول الكبرى والشركات العملاقة التي ستفرض أجنداتها وستتقاسم الأدوار، فيما بينها بعد أن تدخلت بجيوشها وسفكت الدماء وخربت عشرات المدن، وفرضت على الجميع واقعا جديدا اختلطت بسببه الأوراق والحسابات.

هناك نظام إقليمي جديد بصدد التشكل. ويتمحور هذا النظام حول ثلاث عواصم فرضت نفسها بالقوة العسكرية والاقتصادية؛ أولها تل أبيب التي تخلصت من الربيع العربي، واستفادت كثيرا من الصراعات التي نشبت على أثر سقوط عدد من الأنظمة العربية، واطمأنت منذ الانقلاب المصري الذي أخرج الإخوان المسلمين من المعادلة ووضع حدا للديمقراطية الناشئة.

 

نظام إقليمي جديد بصدد التشكل. ويتمحور هذا النظام حول ثلاث عواصم فرضت نفسها بالقوة العسكرية والاقتصادية

كما تسعى إسرائيل حاليا إلى استثمار ممنهج لمخاوف معظم دول الخليج من طهران، بهدف تأسيس حلف تعتقد بكونه سيكون قادرا على تحجيم القوة الإيرانية وكسر شوكتها. وما حدث في اجتماع وارسو الأخير يكشف المدى الذي بلغته العلاقات الإسرائيلية الخليجية، بعد أن أصبح الخطر الإيراني مقدما بكثير على التهديد الإسرائيلي الذي اعتبره بعض المسؤولين العرب ثانويا أو أنه انتفى نهائيا، ويمكن بناء عليه الاعتماد على تل أبيب كحليف موثوق فيه لمواجهة إيران.

أما الطرف الثاني المتحكم في المنظومة الإقليمية الجديدة، فهي إيران التي توسعت دائرة نفوذها منذ التدخل الأمريكي في العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين بالقوة. وهذا التحول الاستراتيجي الضخم في الدور الإيراني جعلها قادرة على أن تلعب أدوارا مهمة في عديد النزاعات، بما في ذلك الحرب في اليمن. كما جعلها أيضا بلدا مستهدفا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

 

لم يعد بالإمكان الحديث عن نظام عربي، فهذا النظام تساقط تدريجيا ولم يعد موجودا. لقد تحول إلى ذكرى، بل حتى جامعة الدول العربية أصبحت مجرد منظمة افتراضية لا وجود لها على أرض الواقع

أما اللاعب الثالث في الساحة الإقليمية فهي ولا شك تركيا التي لم تكتف بوجودها الاقتصادي والسياسي على الساحة العربية، بل أصبح لها أيضا حضور عسكري بارز خاصة في سوريا. ونجحت في أن تصبح شريكا مع روسيا، دون أن تتخلى عن علاقاتها التاريخية مع أمريكا أو تتنازل عن دوها في الحلف الأطلسي.

في ضوء هذه المتغيرات الهامة والعميقة لم يعد بالإمكان الحديث عن نظام عربي، فهذا النظام تساقط تدريجيا ولم يعد موجودا. لقد تحول إلى ذكرى، بل حتى جامعة الدول العربية أصبحت مجرد منظمة افتراضية لا وجود لها على أرض الواقع. فما يحدث في المنطقة لا علاقة له بالجامعة ودوائرها، بما في ذلك "مؤسسة" القمة. فدور هذين الهيكلين يقف عند الاستجابة لهذه المتغيرات، وإضفاء الشرعية عليه واعتباره نظريا جزءا من واقع الأمة. ولهذا لا أحد يأخذ بجدية ما يصدر من قرارات عن القمة أو عن الجامعة العربية، فلا هذه ولا تلك تمثل المطبخ الحقيقي لصناعة السياسات. من يصنع القرارات الوازنة يوجد حاليا خارج الدوائر العربية وبعقول غير عربية، ومن أجل حماية مصالح غير عربية.