قضايا وآراء

السياسة الخارجية العُمانية: التوازن الصعب (2)

1300x600
التجاذبات السياسية في الشرق الأوسط

واجهت منطقة الشرق الأوسط تحديات هائلة في الآونة الأخيرة، بدأت مع الاضطرابات السياسية في العراق في عام 2003 م، وانتشرت تدريجيا في المنطقة ما أدى إلى انقسامات طائفية وعرقية دفعت بعض الدول إلى التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانهم، مما ساهم بشكل مباشر في استمرار النزاع. وما زالت المواجهة متصاعدة بين المنافسين الرئيسيين: المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، ولطالما خاضت الدولتان حروبا بالوكالة ضد بعضهما البعض، لكن كثيرون يخشون من أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يتطلع إلى تأكيد الهيمنة الإقليمية للمملكة العربية السعودية بأي ثمن. غير أنه من المستبعد نشوب حرب إقليمية، لكن من المرجح أن تستمر السياسة الإقليمية الإيرانية بدعم حلفائها ووكلائها في المنطقة، كما هو الحال بالنسبة للسعودية.

على الرغم من كونها عضوا في مجلس التعاون الخليجي، التزمت سلطنة عُمان الحياد الإيجابي، وحافظت تقريبا على نفس المسافة السياسية في علاقتها بكلا الطرفين، خاصة أن موقع السلطنة الجغرافي على الحدود بين إيران والسعودية ومصالحها مع كلا البلدين دفعها لتبني سياسة التوازن وعدم الانحياز. ومع ذلك، قد يتأثر هذا الاستقلال بالتوتر الجيوسياسي المتصاعد، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران. إن سيطرة عُمان وإيران على مضيق هرمز، أحد أهم الممرات المائية في العالم حيث يمر أكثر من 40 في المئة من النفط الخام العالمي، جعل علاقة السلطنة بإيران أقوى، فمنذ عام 2014م عقدت إيران وعُمان بانتظام مناورات مشتركة في مضيق هرمز، ووقعتا العديد من اتفاقيات التعاون في المجالات الاقتصادية والطاقة. هذه العلاقة المتميزة أثارت جدلا طويلا بين دول الخليج، ولكنها ساعدت في نفس الوقت على لعب دور الوسيط في الملف النووي الإيراني، الذي كان موضوع نزاع إيران مع الدول الغربية وأمريكا في المقام الأول. إلا أن تاريخ العلاقة بين سلطنة عُمان وإيران يعود الى قدم الحضارات التي قامت ضمن حدودهما، حيث بقيت هذه العلاقة ضمن الإطار التجاري الاقتصادي إلى أن اتخذت شكلا آخر بسبب الاحتلال الفارسي للسواحل العُمانية، والذي انتهى بنهاية القرن الأول قبل الميلاد.

فمن وجهة النظر العُمانية، تظهر ضرورة الاعتراف بإيران كدولة ذات تاريخ عميق وحضارة متجذرة، وليست مجرد دولة حديثة النشأة والولادة، وهو ما ترتب عليه إيمان السلطنة العميق بأهمية الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة، فضلا عن استقرار بعض القبائل العربية والفارسية في السواحل الشمالية للسلطنة، حيث كان التعايش السلمي هو سيد الموقف حتى يومنا هذا.

وتتوجب الإشارة الى أن العلاقات العُمانية الإيرانية تقوم على عدة مبادئ؛ تتضمن الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، بالإضافة إلى التعاون في المجال الأمني واللوجستي. وقد لعبت عُمان، في مناسبات متعددة، دور وسيط بين إيران ودول أخرى باستخدام هذه العلاقة القوية، ويمكن القول إن عُمان هي صديق إيران الوحيد في المنطقة، وترى أن إيران هي واحدة من أقوى اللاعبين في الخليج. وتُظهر هذه العلاقة نجاح السياسة الخارجية العُمانية في البحث عن طرق سلمية لحل سوء الفهم.

تاريخيا، استفاد سلاطين عُمان من تجارة الحرير والتوابل والعبيد، حيث كفلت التجارة العُمانية درجة من التطور والثروة التي كانت غائبة في معظم شبه الجزيرة العربية الفقيرة حتى القرن التاسع عشر، ولكن بعد التطور الكبير في مجال الشحن والتجارة العالمية تضاءلت ثروات السلطنة المالية، مما سمح لسلطات خارجية، مثل إيران والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، التأثير على سياسة عُمان. في أوائل القرن العشرين الميلادي، دعمت المملكة العربية السعودية حركات التمرد في سلطنة عُمان في محاولة لإضعاف السلطنة. ومع ذلك، استطاع السلطان قابوس الاحتفاظ بسلطته بالتنسيق مع بريطانيا وإيران، مدعوما بارتفاع إنتاج النفط والغاز العُماني بعد أن تولى العرش عام 1970م.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر عُمان الدولة العربية الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها مع مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، دون التأثير على علاقتها مع الدول العربية الأخرى. وأثناء الثورة السورية في عام 2011م، وبعد أن قطعت معظم الدول العربية العلاقات مع النظام السوري، حافظت سلطنة عمان على علاقات جيدة معه ورحبت بوزير خارجية سوريا في مسقط. وفي عام 2016م بدأت السلطنة تتوسط لحل الأزمة الليبية وتقريب وجهات نظر الأحزاب الليبية، فمجرد اجتماع الأطراف المتصارعة كان إيجابيا.