اقتصاد عربي

قرارات سودانية جديدة لدعم الاقتصاد.. هل تحل الأزمة؟

اقتصاديون: الدولة السودانية تقوم حاليا بمحاولات حثيثة لإعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي- جيتي

اتخذ البنك المركز السوداني مجموعة من القرارات العاجلة، في محاولة لمواجهة أزمة النقص الحاد في السيولة لدى القطاع المصرفي، وكبح جماح الأسعار والتضخم، واستقرار سعر الصرف، والتي كانت أحد أبرز أسباب الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها السودان منذ الـ19 من الشهر الماضي، وأسفرت عن مقتل 19 شخصاً.


وأقر البنك المركزي سياسات مصرفية جديدة لعام 2019، تهدف إلى استقرار المستوى العام للأسعار باحتواء معدلات التضخم والنزول بمتوسط معدل سنوي في حدود 27.1 بالمئة، وذلك للإسهام في تحقيق معدل نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي في حدود 5.1 بالمئة، بحسب وكالة أنباء السودان الرسمية "سونا".


وأعلن محافظ بنك السودان المركزي محمد خير الزبير، في مؤتمر صحفي بالخرطوم، أمس الثلاثاء، البدء في طباعة أوراق نقدية من فئات 100-200-500 جنيه لأول مرة، بهدف "إنهاء مشكلة شح الأوراق النقدية تدريجيا"، لافتا إلى أن أكبر فئة كانت متداولة أصبحت قيمتها دولار واحد في (إشارة لفئة الخمسين جنيها).


وقال الزبير، إن "أهم سياسات البنك للعام 2019 اشتملت على توجيه المصارف لتمويل القطاعات الإنتاجية وكذلك توجيه موارد النقد الأجنبي لاستيراد السلع ذات الأولوية من القمح والمشتقات البترولية والسكر والأدوية ومدخلات الإنتاج للقطاع الصناعي والزراعي والآليات والمعدات".

 

المحظور في 2019


وكشف الزبير أن السياسات المصرفية الجديدة تمنع المصارف العاملة في السودان، من تمويل شراء السيارات، والأراضي، وكافة أنواع تجارة الذهب، كما تمنع منح التمويل للشركات والهيئات الحكومية وأيضا شركات النقد الأجنبي والتحويلات المالية وكذلك تمويل شراء العملات الأجنبية والأسهم والأوراق المالية، وسداد عمليات تمويلية قائمة أو متعثرة، كما تمنع أيضا المصارف من التمويل بصيغة المضاربة المطلقة.


وأضاف: "يمكن للمصارف منح التمويل غير المباشر للحكومة المركزية بواسطة شراء الشهادات والصكوك الحكومية بنسبة لا تزيد عن 20% من محفظة التمويل القائمة في أي وقت، كما يسمح للمصارف أيضا بتمويل أعضاء مجالس إداراتها والشركات التابعة لها أو التي تساهم فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة".


وأعلن الزبير عن فتح التمويل العقاري للمواطنين بضوابط منظمة، مع تحصيل قسط أول بنسبة 25% عند التمويل بصيغة المرابحة لكل المصارف السودانية ابتداء من مطلع 2019؛ إضافة لفتح تمويل السيارات للمغتربين وتمويل سيارات النقل لغير المغتربين.


ويعاني السودان من أزمات في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية. 


وسجل سعر شراء الدولار بالأسواق الموازية الثلاثاء 50 جنيها مقارنة بـ 60 جنيها منتصف الشهر الماضي، بينما سعره في الأسواق الرسمية 47 جنيهاً.


وفي تعليقه لـ"عربي21" على السياسات المصرفية التي أقرها البنك المركزي السوداني للعام 2019، قال أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعتي السودان والمغتربين، محمد الناير: "ليس بالإمكان أفضل مما كان"، مؤكدا أن هذه السياسات لم تصدر في ظل ظروف طبيعية، وإنما جاءت في ظل أزمات تواجه الاقتصاد السوداني وتستهدف في المقام الأول استقرار سعر الصرف وخفض معدلات التضخم.

 

بناء الثقة


وأكد الناير، أن الدولة السودانية تقوم حاليا بمحاولات حثيثة لإعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي بأي ثمن، حتى تعود الدورة الاقتصادية لطبيعتها.


وأضاف: "الدولة تباطأت كثيرا في اتخاذ الإجراءات التي تؤدي إلى حلول للأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، نتيجة لعدم الاستقرار والسياسي والاستقرار الأمني خلال الفترة الماضية".


وعن إعلان البنك المركزي البدء في طباعة أوراق نقدية من فئات 100-200-500 جنيه لأول مرة، قال الناير إنها نعد سلاحا ذو حدين، مستطردا: "هي إيجابية في المرحلة الحالية، لكن في نفس الوقت سيكون لها آثار سلبية".


وأوضح أن "طباعة نقود من الفئات الكبيرة سيقلل تكلفة الطباعة على الدولة (بدلا من طباعة عدد كبير من العملات بفئات أقل تقوم بطباعة ورقة واحدة فئة الـ 100 أو الـ 200 )".


وتوقع الناير أن يحدث إعادة تغيير التركيبة الفئوية للعملة السودانية، قائلا: "قد يتم إلغاء فئات نقدية صغيرة غير مستغلة وغير مستعملة".


وتابع: "من الآثار السلبية لطباعة فئات نقد جديدة، هو قيام بعض المواطنين بتخزين كميات كبيرة من هذه الفئات، وعدم إيداعها في المصارف، كما حدث في الفترة السابقة، وهو ما قد يؤثر سلبا على السيولة بالقطاع المصرفي".

 

الطباعة على المكشوف


وحذر أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعتي السودان والمغتربين، خلال حديثه لـ "عربي21" من قيام البنك المركزي السوداني بطباعة فئات نقدية جديدة بدون غطاء أو ما يسمى بالطباعة على المكشوف، وذلك للحد من الآثار التضخمية التي ستترتب على ذلك.

 

وطالب الناير، في الوقت نفسه بضرورة أن يكون هناك غطاء لطباعة هذه النقود سواء بزيادة كبيرة في معدلات الإنتاج أو غطاء من الذهب والعملات الأجنبية.


وأردف: "بالتأكيد الدولة الآن تعالج قضية نقص السيولة في الوقت الراهن دون النظر إلى وجود غطاء نقدي من عدمه، لأن أكثر من 90 بالمئة من الكتلة النقدية المطبوعة (أموال السودان ) موجودة لدى المواطنين، وأقل من 10 بالمئة لدى القطاع المصرفي، وهي معادلة مشوهه جدا".


وقال إن الدولة السودانية الآن تسعى في محاولات حثيثة لإعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي بأي ثمن حتى تعود الدورة الاقتصادية لطبيعتها، وهو ما دفعها إلى الإعلان عن مبادرة "إيداع" مع القطاع الخاص، طالبت فيها القطاع الخاص بالإيداع وعدم الاقتصار فقط على السحب، لافتا إلى أن القطاع المصرفي يعاني منذ عدة أشهر من عمليات سحب فقط دون إيداع، وهذه مشكلة كبيرة.

 

فك الحظر العقاري


وأوضح الناير، أن "فتح باب التمويل العقاري في السياسات المصرفية الجديدة التي أقرها البنك المركزي، سيعالج مشكلة تعطل قطاع الإنشاءات والمقاولات، وسيفتح فرص عمالة جديدة في هذا القطاع الاقتصادي الكبير الذي كان معطلا خلال السنوات الماضية".

 

ومن ناحيته، قال الخبير الاقتصادي هيثم فتحي إن توجيه البنك المركزي بفك التمويل العقاري ضمن حزمة السياسات الجديدة والتي تشمل فك جزئي للسيارات خطوة مهمة جداً لتحريك سوق العمل السوداني، وفقا لـ"سونا".

وأوضح فتحي أن تمويل القطاع العقاري يحرك قطاعات مختلفة منها البناء والتشييد وكل الأنشطة ذات الصلة بالقطاع، مضيفا أنها تنعكس على العقارات والإيجارات مما يفرز مساحة لكل أسرة لتوفير السكن والمأوى وتأمين مستقبلها في ظل التضخم المرتفع.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن فك الحظر الجزئي لتمويل السيارات الذي أعلنه محافظ البنك المركزي أمس سيوفر مصدر دخل إضافي ويغطي تكلفة شرائها في ظل الارتفاع المستمر للتضخم كما يفعل سوق قطع الغيار .

يذكر أن الحكومة السودانية فرضت حظرا علي المصارف العاملة في البلاد بعدم التمويل العقاري لجميع القطاعات منذ العام 2004، ما أسفر عن آثار سلبية على القطاع .