دخلت مدينة بنغازي، شرقي ليبيا، في دوامة من الجريمة شبه المنظمة، بعد إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر السيطرة عليها، في الخامس من تموز يوليو 2017، بعد ثلاث سنوات من القتال فيها.
وتتركز مناطق الجريمة في مدينة بنغازي في أحياء "السلام" و"شبنة" و"بوعطني" و"سيدي فرج"، والمتمثلة في سرقة السيارات بالإكراه، والاعتداء على مؤسسات رسمية، وخطف رجال أعمال مقابل فدية، واستعمال المنافذ الرسمية كمطار بنينا الدولي في عمليات تهريب العملة والهجرة غير الشرعية والمخدرات.
مراقبون عدة يعتقدون أن الحكومة الموازية في شرق ليبيا، الموالية لحفتر، تشغل الرأي العام داخل بنغازي بقضايا أخلاقية، لصرف أذهانهم عن أصل المشكلة المتمثل في الانفلات الأمني، وعجز هذه الأجهزة عن مكافحته.
وفي كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، داهمت قوات تابعة للحكومة الموازية في بنغازي حفلا لفتيات في مقهى، بدعوى أن به رقصا وقمارا ودعارة.
وفي الشهر ذاته، أطلق يوسف الدين الوكواك، التابع لمليشيا يقودها نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر،
سراح شخص ألقت عليه القبض سلطات مطار بنينا وبحوزته مليون يورو كان ينوي تهريبها.
ويرجع المراقبون تغاضي حفتر عن مواجهة الجريمة والانفلات الأمني المتركز في بنغازي إلى أن هذه
العصابات كانت تقاتل في صفوف عملية الكرامة، وعندما انتهت العملية وعجز حفتر عن الاستمرار في تمويلها، ترك لها هذه المساحة كمصدر تمويل لهذه العصابات، وعدم إثارتها ضده.
مسؤولية حفتر
يعتقد الأكاديمي الليبي أحمد يونس أن المؤيدين للواء المتقاعد خليفة حفتر "يحاولون إبعاده من دائرة المسؤولية عن هذه الجرائم والعصابات المنفذة لها، فهو في نظرهم قائد الجيش فقط، وليس مسؤولا عن إجرام عناصر المليشيات التي لا تمثل الجيش الليبي حسب رأيهم، والمطالب بضبط النظام هم أفراد الشرطة، وهذا كلام فارغ غير منطقي".
وحمّل يونس في تصريح لعربي21، "حفتر المسؤولية عن هذا الانفلات الأمني، بسبب فشله في ضبط عناصره، ومحاسبتهم، وإلقاء القبض على المتهمين منهم بالانتهاكات، وعلى رأسهم محمود الورفلي المطلوب لدى الجنائية الدولية، الذي يسرح ويمرح في بنغازي دون محاسبة أو رادع، ودون أي حساب للمسؤولين الكبار في الجيش".
وتوقع الأكاديمي الليبي فشل "خطة الطوارئ التي أعلنها وزير داخلية الحكومة الموازية، إبراهيم أبوشناف، التي من بينها تعيين مدير أمن جديد لبنغازي"، مؤكدا أن "الأمر أكبر من مجرد إقالة مسؤول أو إعلان خطة، حيث يشمل الخلل سلسلة وتراتبية وأركان وعناصر الأجهزة الأمنية والعسكرية، ولا يحتاج العلاج إلى الكي ربما فقط، ولكنه يحتاج إلى ضرورة استصدار شهادة وفاة للمنظومة الأمنية الفاسدة وهدمها، وإعادة بناء منظومات أمنية وعسكرية جديدة منضبطة".
غياب العقيدة الأمنية
من جانبه، يرى الصحفي من شرق ليبيا، خالد الفرجاني، غياب العقيدة الأمنية القائمة على إنفاذ القانون وحماية الحقوق المدنية في مدينة بنغازي، راجعا إلى "الخلافات العميقة بين المجموعات القبلية والأخرى السلفية المتشددة، التي انخرطت في الأجهزة الأمنية لتحافظ على مكاسب حققتها خلال الحرب التي أطلقها حفتر في 2014".
وأضاف الفرجاني في تصريح لـ"عربي21" أن "واقعة مداهمة مقهى كازا في بنغازي كانت تقف وارءها مجموعة سلفية مؤدلجة، همها الأساسي فرض عقيدتها ومنهجها على الناس بقوة السلاح، دون مراعاة أو بمعنى أدق دون الالتفات إلى ما يجب أن يكون عليه الأمن، الذي يفترض فيه حماية أعراض الناس لا التشهير بها".
وذكر الصحفي الليبي أن "إخراج مليشيا قبيلة لمتهم بتهريب مليون يورو عبر مطار بنينا، تدل على غياب تام للأجهزة الأمنية، وأن كل ما في الأمر هو سيطرة مليشيات قبيلة على المنافذ الحيوية شرقي البلاد؛ بهدف الكسب غير المشروع".
أبناء حفتر
هذا ويلاحظ المحلل السياسي عبد المجيد العويتي، أنها "ليست وحدها المليشيات الصغيرة في بنغازي، التي تحولت إلى ممارسة الإجرام، بل حتى أبناء اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث السرقة التي قادها صدام نجل حفتر، في أيلول/ سبتمبر الماضي، التي استولى فيها على أموال المركزي الموازي في بنغازي بالكامل، في أكبر عملية سطو مسلح يشهدها قطاع المصارف الليبي".
وشرح العويتي لـ"عربي21" أن "وزارة داخلية الحكومة الموازية حاولت التخفيف من الضغط عليها، وذلك بمداهمة إحدى إداراتها، والتي تنتمي قيادتها للتيار السلفي المدخلي، مقهى في المدينة، ملقية القبض على فتيات بتهم غريبة كالتجمع للاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية، إلا أن الشارع البنغازي واجه هذه الواقعة بسخط وتهكم على داخلية حكومته التي تركت المجرمين الكبار من مليشيات السطو المسلح، لتتهم فتيات جمعتهن صفحات تويتر، فقررن الالتقاء والتعارف في المقهى".
واتهم المحلل السياسي الحكومة الموازية في شرق ليبيا "بالتكيف مع العصابات الإجرامية"، مستدلا "باجتماع عقده وزير داخلية الحكومة الموازية إبراهيم أبو شناف مع عائلة بحة المسيطرة على أحد أحياء المدينة، لبرمجة وإعداد الخطط الأمنية، لا مع القوى الأمنية والمؤسسات الشرطية. بل مع عائلات بعينها".
مبادرة لتوحيد الأجهزة الأمنية في ليبيا لـ"مواجهة الإرهاب"
انتحاري يفجر نفسه أمام مركز شرطة جنوب ليبيا
مبادرة لتوحيد الشرطة الليبية شرقا وغربا.. ما موقف حفتر؟