مقالات مختارة

في عام 2018.. وأخيرًا سقط القناع عن وجه إسرائيل

1300x600

بعد أن رسخت طبيعتها العنصرية من خلال القانون، لا يمكن لإسرائيل من الآن فصاعداً إنكار تمييزها المنهجي ضد الفلسطينيين.

لم يكن عام 2018 سنة جيدة بالنسبة لإسرائيل. وإن كان بالطبع عاماً أسوأ بالنسبة للفلسطينيين. 

في الظاهر، لم يكن ذلك بشكل خاص عاماً دراماتيكياً، وإنما المزيد مما هو موجود أصلاً، بلا حروب كبيرة جديدة، وبدون الكثير من سفك الدماء مقارنة بمعظم السنوات السابقة. بدت الأمور جامدة مكانها. استمر الاحتلال بلا عوائق، وكذلك كان حال المشاريع الاستيطانية. حاولت غزة أن تقاوم بشدة داخل قفصها البائس مستخدمة في ذلك ما يتوفر لديها من قوى ضعيفة ومحدودة. 

لقد غض العالم بصره عن رؤية الاحتلال، تماماً كما تعود على فعله خلال السنوات الأخيرة، وركز على أشياء أخرى مختلفة تماماً.


والإسرائيليون، مثلهم في ذلك مثل بقية العالم، لم يبدوا اهتماماً بالاحتلال، كما كان ديدنهم حتى الآن منذ عقود. ومضوا بهدوء يمارسون حياتهم اليومية، والتي كانت جيدة، وناجحة. أما هدف الحكومة الحالية، وهي أكثر حكومة يمينية دينية وقومية في تاريخ إسرائيل، أي الحفاظ على الوضع القائم بكل الوسائل، فقد تم إنجازه بالكامل. لم يحدث شيء ليعيق الاحتلال المستمر منذ خمسة عقود. 


التحرك باتجاه الضم الكامل

إلا من الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن كل شيء بقي على ما هو عليه. لا يوجد وضع قائم عندما يتعلق الأمر بالاحتلال أو الأبارتهايد (التمييز العنصري)، حتى لو بدا الأمر كذلك. 

شهد عام 2018 وضع البنية التحتية التشريعية لما سيأتي من بعد. ببطء ولكن بكل تأكيد، ومن خلال قانون تلو الآخر، تم وضع الأساس التشريعي للواقع الذي كان قائماً من الناحية العملية منذ وقت طويل. لربما أثارت بعض المقترحات التشريعية جدلاً ما، وفي بعض الأوقات خلافاً خشناً، ولكن حتى هذا أتى ومضى. 

سيكون من الخطأ التعامل مع كل مبادرة تشريعية جديدة، مهما كانت سيئة ومعادية للديمقراطية، كما لو كانت حدثاً منفصلاً. بل كل واحدة منها جزء من مسلسل محسوب ومصيري وخطير. وهدف هذا المسلسل هو ضم المناطق، بدءاً بمنطقة ج. 

ما تم حتى الآن هو وضع الأساس العملي على الأرض. أما الخط الأخضر فقد اندثر منذ وقت طويل، وباتت المناطق في واقع الأمر مضمومة. ولكن ذلك غير كاف من وجهة نظر اليمين، الذي خلص إلى أنه يتوجب أيضاً من أجل تحويل الاحتلال إلى واقع دائم اتخاذ التدابير القانونية والتشريعية المناسبة. 

في البداية أنشأوا المستوطنات، حيث يقيم الآن أكثر من سبعمائة ألف يهودي، بما في ذلك داخل القدس الشرقية، من أجل إيجاد واقع داخل المناطق لا يمكن الرجوع عنه. تم إنجاز هذا المشروع، وبات واضحاً أن المستوطنين وأنصارهم حققوا نصراً مؤزراً في هذا المجال. وتم تحقيق الهدف من وجود المستوطنات، ألا وهو تقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967 ورفع حل الدولتين عن الطاولة. والآن، وبعد أن نجحوا في ذلك، يريدون أن يصبح هذا الواقع القطعي منصوصاً عليه في القانون، للقضاء بشكل مبرم على أي مقاومة للضم. 

مواجهة المعارضة


هذا هو الهدف الرئيسي لكل قانون قومي تمييزي أجيز في عام 2018 من قبل كنيست إسرائيل العشرين. فكل واحد من هذه القوانين كان يقصد منه مواجهة أي معارضة لمشروع ضم الأراضي. 

كان يتوقع بروز معارضة لذلك من داخل المنظومة القانونية في إسرائيل ومن داخل البقايا الصغيرة والمنكمشة لليسار في المجتمع المدني. إلا أن الحرب كانت قد شنت عليهما معاً لإضعافهما وسحقهما تماماً قبل الوصول إلى نقطة الضم. وإلى أن يتحقق ذلك، وإذا ما استمر هذا التوجه من قبل الإدارة القادمة، فلن نشهد أي مقاومة ذات قيمة في المجتمع المدني، وسيكون بإمكان إسرائيل المضي قدماً في وضع نظمها الجديد. 

ما لبث التمييز العنصري موجوداً داخل المناطق منذ وقت طويل، وسيصبح الآن مدوناً في كتب القانون أيضاً. من الآن فصاعداً، لن يتمكن المروجون للدعاية الصهيونية، الذين يدعون أنه على النقيض مما كانت عليه الحال في جنوب أفريقيا لا توجد في إسرائيل قوانين عنصرية أو تشريعات تؤسس للتمييز، من نشر حججهم التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة. 

بعض القوانين التي أجيزت عام 2018، وتلك التي لا تزال في الطريق إلى التشريع، تقوض الادعاء بأن إسرائيل بلد ديمقراطي يقوم على المساواة بين البشر. ومع ذلك فثمة جانب إيجابي لهذا التشريع: وذلك أن هذه القوانين، وما سيأتي من بعدها، يزيل التخفي ويسقط أخيراً قناعاً استمر لأطول فترة في التاريخ. لن تتمكن إسرائيل من الآن فصاعداً الدفاع عن نفسها بوصفها نظاماً ديمقراطياً – والادعاء بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". 

لن تتمكن بمثل هذه القوانين من رفض ماركة الأبارتيد، وسوف تسفر مدللة الغرب عن وجهها الحقيقي: ليست ديمقراطية، وليست قائمة على المساواة بين البشر، وليست الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. انتهى عهد التظاهر والتباكي. 

مظهر المساواة

 
صحيح أن قانون العودة الذي أجيز عام 1950، وهو واحد من أوائل القوانين التي تم تبنيها في إسرائيل، وربما كان الأهم والأكثر مصيرية منها جميعاً –كان قد حدد الاتجاه قبل زمن طويل بشكل لا لبس فيه حيث شرع بأن تكون إسرائيل دولة تتميز فيه مجموعة عرقية بعينها على غيرها. كان القصد من قانون العودة خدمة اليهود وحدهم. 

إلا أن مظهر المساواة استمر في فرض نفسه بشكل أو بآخر. وحتى سنون الاحتلال الطويلة لم تغير من ذلك: تظاهرت إسرائيل بأن الاحتلال مؤقت، وأن نهايته كانت وشيكة، ولذا لم يكن الاحتلال جزءاً من الدولة الديمقراطية التي تقوم على المساواة بين البشر والتي افتخر بتأسيسها. ولكن بعد أول خمسين عاماً من الاحتلال، ومع الكتلة الكبيرة من المواطنين اليهود الذين انتقلوا للعيش في المناطق المحتلة على أراض نهبت من الفلسطينيين، لم يعد من الممكن التعامل بجدية مع ادعاء أن الاحتلال مرحلة انتقالية توشك على الانتهاء. 

حتى وقت قريب، ظلت جهود إسرائيل موجهة بشكل أساسي نحو إنشاء وتوسيع المستوطنات وفي نفس الوقت إخماد مقاومة الفلسطينيين للاحتلال وتحويل حياتهم إلى جحيم علهم يخلصوا إلى الاستنتاجات الضرورية: أن انهضوا وغادروا البلد الذي كان يوماً لكم. وفي عام 2018 انتقل مركز الثقل في هذه الجهود إلى الساحة التشريعية. 


ويأتي في مقدمة ذلك قانون الدولة القومية الذي أجيز في شهر يوليو / تموز. فبعد قانون العودة الذي يسمح تلقائياً لأي يهودي بالهجرة إلى إسرائيل، والتشريع الذي يسمح للصندوق القومي اليهودي ببيع الأرض لليهود فقط دون غيرهم، جاء قانون الدولة القومية ليكون التالي في مشروع دولة الأبارتهايد التي بدأت تلوح في الأفق. فهذا القانون الأخير يضفي وضعاً متميزاً على اليهود، بما في ذلك على لغتهم وعلى مستوطناتهم، يفوق ما للعرب من سكان البلاد الأصليين من حقوق. لا يأتي القانون في أي مكان منه على ذكر المساواة في دولة لم يكن للمساواة فيها وجود على أية حال. 

في نفس الوقت، مرر الكنيست عدداً آخر من القوانين وبدأ بعدد من المبادرات الإضافية في نفس الاتجاه. 

استهداف أنصار حملة مقاطعة إسرائيل البي دي إس

تمت إجازة تعديل على قانون التعليم في الدولة في شهر يوليو / تموز. يسمى ذلك في إسرائيل قانون "كسر الصمت"، لأن الغرض الحقيقي منه هو منع المنظمات اليسارية من دخول المدارس في إسرائيل للتحدث إلى الطلاب. يتعلق الأمر بكسر المقاومة ضد مشروع الضم. 

وتم بنفس الطريقة إجازة تعديل على قانون المقاطعة، الذي يسمح باتخاذ إجراءات قانونية ضد الإسرائيليين الذين يجاهرون بدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس)، بحيث يصبح ممكناً مع التعديل رفع قضايا تعويض مالي ضد أنصار المقاطعة، حتى دون أن يثبت في حقهم التسبب بأي أضرار اقتصادية. 

بوجود إدارة يمينية أخرى مثل هذه، سوف يصبح محرماً دعم المقاطعة في إسرائيل. ثم سيصبح محرماً توجيه أي انتقاد للجنود الإسرائيليين أو لتصرفاتهم الشريرة في المناطق. يجري حالياً تداول مثل هذه المقترحات التشريعية، وسوف يأتي سريعاً اليوم الذي تصبح فيه تلك المقترحات قوانين ملزمة. 

هناك قانون آخر أجيز يتم بموجبه نقل الاعتراضات التي يتقدم بها الفلسطينيون ضد الإساءات التي تقع بحقهم بسبب الاحتلال من المحكمة العليا الإسرائيلية، والتي لم تكن مفيدة لهم على أية حال، إلى محكمة ناحية القدس، حيث يتوقع أن يحظوا باهتمام أقل. 

وأما القانون الذي يسمح بطرد عائلات الإرهابيين فقد أجيزت القراءة الأولى له في الكنيست بالرغم من نصيحة تقدم بها المدعي العام بعدم الإقدام على ذلك. سوف يسمح هذا القانون بممارسة العقاب الجماعي داخل المناطق ضد العرب فقط. وها هم الآن يتحدثون هنا عن إنزال عقوبة الإعدام بحق الإرهابيين. 

وأجيز أيضاً قانون يعرف باسم "قانون الترتيبات" والذي يغض الطرف عن العشرات من المواقع الاستيطانية غير القانونية حتى بمعايير الحكومة الإسرائيلية. فقط قانون الولاء الثقافي، والذي يقصد منه فرض الولاء للدولة كشرط للحصول على تمويل حكومي للمؤسسات الثقافية والفنية، هو الذي جمد في الوقت الراهن – ولكن يتوقع ألا يطول أمد ذلك التجميد. 

الغطاء التشريعي

لا ينبغي اعتبار القوانين التي أجيزت قوانين معادية للديمقراطية تشكل خطراً على ديمقراطية إسرائيل فحسب، كما يتم توصيف الحالة عادة داخل الدوائر الليبرالية في إسرائيل. بل الهدف منها هو تحقيق شيء أشد خطورة بكثير. لا يقصد منها فقط تقويض الديمقراطية المزيفة، بل فرض المزيد من التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية بموجب القانون. إن الغرض الحقيقي من هذه القوانين هو توفير غطاء تشريعي للقيام رسمياً بضم المناطق في ما يتجاوز الحدود السيادية المعترف بها لدولة إسرائيل. 

اقتربت إسرائيل في عام 2018 كثيراً من تحقيق هذه الأهداف. ولذلك فإن الهدوء الذي ساد البلاد هدوء خادع، وها نحن نشهد ولادة دولة الأبارتهايد بمرجعية قانونية وليس فقط بحكم الأمر الواقع.

 

ترجمة خاصة لموقع "عربي21" نقلا عن موقع "ميدل إيست آي"