صحافة دولية

واشنطن بوست: متى تمنع أمريكا برامج التجسس التي تقتل؟

واشنطن بوست: على واشنطن الاستيقاظ لإساءة استخدام البرمجيات التي تقتل- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للمعلق جوش روغين، يحذرا أمريكا من البرمجيات التي تقتل. 

 

ويبدأ روغين مقاله بالقول إن الديكتاتوريين يستخدمون برمجيات التجسس من أجل ملاحقة المعارضين والصحافيين واضطهادهم بمعدلات مثيرة للقلق، في الوقت الذي تقوم فيه الشركات الأجنبية التي تبيع هذه الأدوات بتطمين الرأي العام أن كل شيء على ما يرام، مشيرا إلى أن الوقت قد حان ليقوم صناع السياسة في واشنطن بوقف انتشار وإساءة استخدام "سوفت وير" الذي يؤدي إلى قتل الناس الأبرياء. 

 

ويؤكد الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن هذا ليس موضوع حقوق إنسان، بل هو أمر يتعلق بالأمن القومي الأمريكي، لافتا إلى شركة الأمن الإلكتروني الإسرائيلية "أن أس أو غروب"، التي وفرت برامجها لعدد من الدول في السوق المفتوحة.

 

ويشير روغين إلى أن برنامج "بيغاسوس"، بحسب ما قالت منظمات حقوق الإنسان والمحققون المستقلون، استخدم في حوالي 45 دولة، معظمها تحكمها أنظمة ديكتاتورية، وساعدها على قمع وملاحقة الصحافيين والمعارضين وغيرهم من المدنيين الأبرياء. 

 

ويقول الكاتب إن ما لم يتم الحديث عنه هو أن "أن أس أو" تعمل مع مستشارين مقيمين في واشنطن وشركات استشارات قانونية من أجل مساعدتها على رسم خطة لبيعه والإطار الأخلاقي للسياسات، وتضم هذه الشركات "بيكون غلوبال ستراتيجيز"، وهي شركة استشارات يديرها موظف سابق كبير في الاستخبارات والأمن القومي. 

ويعلق روغين قائلا إنه "لو ثبتت صحة التقارير التي نشرت عن إساءة استخدام البرنامج فإن السياسات التي تقوم الشركة ومستشاروها بتنظيمها فاشلة". 

 

وينقل الباحث عن مدير "سيتزن لاب/ مخبر المواطن" المنظمة المدنية التابعة لجامعة تورنتو، دونالد ديبرت، قوله: "أظهرنا وعلى مدى عامين حالات متكررة لإساءة استخدام برنامج التجسس الذي تبيعه مجموعة (أن أس أو)، التي تمت تغطيتها بشكل واسع في الإعلام العالمي"، وأضاف: "إن فكرة وجود آلية رقابة شديدة لدى (أن أس أو) تقوم بتصحيح أو منع أي نوع من الانتهاكات غير الظاهرة". 

 

ويلفت روغين إلى أن "بيغاسوس" يقوم باختراق الهاتف النقال بشكل يسمح لوكالات الحكومة بالتجسس عليه، ويتم بيعه على ما يبدو لوكالات فرض القانون الرسمية، مستدركا بأن "سيتزن لاب" جمع معلومات على مدار عامين حول الحكومات التي استخدمت برنامج "أن أس أو"، وكيف قامت هذه الحكومات بإساءة استخدامه وقمع منظمات المجتمع المدني وملاحقتها، بما فيها البحرين وكازخستان والمكسيك والمغرب والسعودية والإمارات العربية المتحدة. 

 

ويذكر الكاتب أن "سيتزن لاب" كشف عن كيفية تجسس السعودية على هاتف معارض سعودي في كندا، اسمه عمر عبد العزيز، ومكالماته مع صحافي "واشنطن بوست" جمال خاشقجي، الذي قتل في بداية تشرين الأول/ أكتوبر في القنصلية السعودية في اسطنبول، مشيرا إلى أن عبد العزيز قدم دعوى قضائية ضد الشركة الأسبوع الماضي. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن مدير "سيتزن لاب"، قوله: "لا يخلو الأمر من بعد جيوسياسي، إلا أنه عرض لمشكلة أكبر، وعلينا التفكير فيه بالطريقة ذاتها التي نفكر فيها بطريقة التحكم بالسلاح.. علينا إعادة النظر في فكرة أن الفيروس لا يقتل". 

 

وينوه روغين إلى مجموعة الأسئلة أحيلت إلى "أن أس أو غروب"، مع أن المتحدث الرسمي باسم هذه الشركة قالت إنه لا يوجد ما يدل على تأثر عبد العزيز بنظام "بيغاسوس"، لكن الشركة قدمت للكاتب وثائق عن عمليات التدقيق داخلية وخارجية، التي تضم لجنة أخلاقيات التعامل التجاري، وفيها خبراء في مجال الاستخبارات والأمن القومي ممن لديهم السلطة لمنع أي صفقة تفتقد المعايير المطلوبة. 

 

وتنقل الصحيفة عن المتحدث باسم المجموعة، قوله إن المراجعة الأخلاقية تأتي فقط بعدما توقع الحكومة الإسرائيلية على بيع البرنامج، لافتة إلى أن معظم عمليات الشركة في إسرائيل، إلا أن لديها شركة فرعية في لوكسمبرغ "كيو تكنولوجيز" تملك الشركة الأمريكية "فرانسيسكو بارتنرز" معظم أسهمها، حيث من هنا يأتي دور الشركات الأمريكية، فاستأجرت شركة "فرانسيسكو" فريقا من الخبراء لتقديم النصح حول عمليات التصدير والبيع، والتأكد من البعد الأخلاقي والقانوني. 

 

ويشير الكاتب إلى أن "بيكون" تدار من جيرمي باش، "المسؤول السابق في (سي آي إيه) ورئيس طاقم البنتاغون السابق، ومايكل ألين، "الرئيس السابق للجنة المختارة للشؤون الأمنية في مجلس النواب"، ويعمل فيها ليون بانيتا، المدير السابق لـ"سي آي إيه" الذي يعمل مستشارا. 

 

وينقل روغين عن المتحدث باسم مجموعة "أن أس أو"، قوله: "تعد (بيكون) واحدة من عدة مستشارين خارجيين وشركات قانونية طلب منها تقديم نصيحة حول منظور العمل الأخلاقي من أجل بيع التكنولوجيا الحيوية إلى وكالات فرض القانون ووكالات الأمن القومي"، وأضاف أن "إطار الإخلاق هو عملية إجرائية داخلية تتسم بالدقة للتأكد من أن المستخدم النهائي لديه مهمة رسمية لفرض القانون، أو إجراء تحقيقات فعالة، ويوافق فقط على استخدام التكنولوجيا لجمع الأدلة الرقمية في عدد محدد من التحقيقات الجنائية وقضايا الأمن القومي". 

 

ويكشف الباحث عن أن "بيكون" لا تقدم خدمات لوبي أو علاقات عامة، بل تقدم نصائح تعكس ما يمكن أن تقدمه الحكومة الأمريكية في أمور تتعلق بترخيص بيع تكنولوجيا مماثلة، مشيرا إلى قول "أن أس أو" إن المعايير الداخلية في التدقيق أدت إلى رفض الشركة صفقات بـ100 مليون دولار، وقررت إغلاق البرنامج بعد تغيير سياسي في بلد لم تسمه.

ويجد روغين أن "المشكلة هي أن كل عمل (أن أس أو) و(بيكون) سري، ولم تقل الشركة الإسرائيلية من هم أعضاء في لجنة أخلاق التجارة، ورفضت الكشف عن هوية زبائنها، وعن الأسباب التي دعتها لرفض بيع البرنامج، ولم تقدم أمثلة عن إغلاق البرنامج، واعترفت مجموعة (أن أس أو) بأنها تعاونت مع (بيكون)، بعدما اتصلت بهما، والرقابة الوحيدة على مبيعات الشركة تأتي من الحكومة الإسرائيلية التي لديها أفكار مختلفة حول أخلاقيات بيع البرنامج". 

 

ويحذر الكاتب من أنه "في حال استمر هذا النظام، فإن التهديد ليس على الأجانب فقط، فلا يوجد ما يمنع هذه الحكومات من التجسس على الأمريكيين الذين يعارضون سياساتها، بل حتى المسؤولين الأمريكيين، إننا نتجه نحو الغرب الأمريكي المتوحش، وعالم من برمجيات التجسس، وأدوات الرقابة ودون أي دور للحكومة الأمريكية للتخفيف من المخاطر". 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن فانس سيرتشاك من مركز الأمن الأمريكي الجديد، قوله: "بدأت أمريكا تصحو للتحدي الذي يمثله تحويل أدوات التجسس إلى تجارة، وانتشار الأجهزة المتقدمة، من أسلحة التجسس وبرامجه، على المصالح والقيم الأمريكية"، داعيا لمبادرات، سواء من الكونغرس أو الإدارة، لفرض معايير رقابية على هذه الأدوات. 

 

ويختم روغين مقاله بالقول إن "على (بيكون) وغيرها من الشركات العاملة مع (أن أس أو) النظر مليا، والتفكير فيما تقوم به من نصح، وإن كان من أجل فرض معايير أخلاقية على البيع، أو أنها تمنح الشركة مظهرا من المسؤولية، من خلال التربح من انتهاكات حقوق الإنسان، ويجب على الكونغرس والإدارة التقدم وحماية الأمريكيين من (سوفت وير) يقتل".

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)