قضايا وآراء

الدوار الرابع.. هايد بارك أم ساحة احتجاج

1300x600

لم تفلح الدعوات على مدى أسبوعين في جمع حشود كبيرة أمام مقر حكومة الرزاز في العاصمة الأردنية عمّان؛ غير أنها نجحت بإثارة قلق الحكومة وبعض مؤسسات الدولة إلى جانب إثارتها للإحباط في صفوف المحتشدين أنفسهم؛ فالتقديرات لأعداد المتظاهرين بين الـ 400 والـ 2000 شخص وهو رقم متواضع إذا ما قيس بما حدث في حزيران / يونيو رمضان من هذا العام.

انتهزت الحشود التي اجتمعت يوم الجمعة والخميس والسبت 29 و30 تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي و1 كانون أول (ديسمبر) الجاري؛ انتهزت الفرصة للتعبير عن نفسها بصور متعددة ومتنوعة معطية انطباعا مغايرا للحشود التي اجتمعت في حزيران (يونيو) رمضان الماضي؛ والتي وحدها شعار (تغيير النهج) وشعار (معناش) .

 

إقرأ أيضا: الأردنيون محبطون.. ويريدون تغيير "البرواز" لا "الصورة"

الشعارات والخطابات تضمنت سقوفا مختلفة وجمعت شرائح اجتماعية متنوعة ومن مناطق مختلفة في الأردن؛ تخللها هتافات ونقاشات بين المتظاهرين حول الغاية من الحشد وشعاراته ومطالبه.
 
خطابات وهتافات جعلت المشهد أشبه ما يكون بالنقاشات والهتافات الممكن سماعها ساحة (هايد بارك) في لندن، فكل له منصته الخاصة وحشد مهتم  بما يقوله؛ تنوعت الإهتمامات فهناك من اقتصرت مطالبه على العفو العام واخرون مطالب اقتصادية بحتة رافضة للسياسة الضريبية وغلاء المعيشة المتفاقمة في البلاد؛ مطالب بنكهة سياسية تدعو إلى إسقاط حكومة الرزاز التي خذلتهم.

ملكية دستورية

في خضم هذه اللجة برز حشد ثالث يطالب بملكية دستورية عكستنها نقاشات المتظاهرين الذين تضاربت آراؤهم بين الدعوة لتغيير النهج؛ أو إسقاط الحكومة والبرلمان؛ أو الدعوة لملكية دستورية؛ قاطعتها بين الفينة والأخرى هتافات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية حراك منطقة ذيبان في محافظة مأدبا.

الدعوات المتكررة عبر مواقع التواصل الإجتماعي لم تنجح في جمع حشد كبير رغم الواقع الإقتصادي وإقرار قانون الضريبة؛ لكنها نجحت في خلق مشهد سياسي وثقافي واجتماعي معبر عن هموم شرائح متنوعة من الأردنيين عاكسا اهتماماتهم ومخاوفهم؛ كما أنها قدمت صورة مقلقة بإمكانية تحول أصحاب المطالب الإقتصادية البحتة إلى كتلة حرجة بتأثير من الضغوط الإقتصادية التي يتعرض لها الأردنيون مكررة بذلك احتجاجات رمضان حزيران (يونيو) من العام الحالي 2018 .

رغم القلق الحكومي والإحباط الشعبي؛ فإن الدعوات لم تتوقف على مدى أسبوع كامل للإحتشاد احتجاجا على سياسات الحكومة الإقتصادية؛ توجت بحملة تدعو لخروج مليونية أمام الرابع الخميس 6 كانون أول (ديسمبر) الحالي؛ دعوات يعتقد الكثير من المراقبين أنها أبعد ما تكون عن الممكن إذ تعتمد بالدرجة الأولى على نشطاء السوشال ميديا وتخلو من الزخم والطيف السياسي الممثل في الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الإقتصادية النافذة والمؤثرة؛ أو مراكز القوى المتنافسة.

في مقابل هذا المشهد استقطب اهتمام القوى السياسية والمدنية ومراكز القوى نشاط حكومة الرزاز ومعايير اختيار الوزراء والتعديل الحكومي المقبل وخطته للعامين القادمين؛ فعلى مدى شهر كامل أعلنت عن خلوة حكومية تضم الوزراء لتحديد معايير التعديل الحكومي المقبل والمعتمد على الأجندة الوطنية وتقارير لجان حادثة البحر الميت وآداء الوزراء وقدرتهم على تفعيل الخطة الحكومية المعلنة وأخيرا على ما يرد في وسائل الإعلام من تقييم لأداء الوزراء وفاعليتهم؛ ولم يقتصر النشاط الحكومي على الإعداد لتعديل وزاري اذ نشطت الحكومة في حواراتها مع مؤسسات المجتمع المدني؛ كان آخرها لقاء رئيس الحكومة الرزاز مع ممثلي هذه المؤسسات بوساطة وتنظيم من مؤسسة عبد الحميد شومان.

 

رغم القلق الحكومي والإحباط الشعبي؛ فإن الدعوات لم تتوقف على مدى أسبوع كامل للإحتشاد احتجاجا على سياسات الحكومة الإقتصادية

ازدحمت الأجندة خلال أسبوع كامل ليس على جبهة الحكومة فقط بل وعلى جبهة الإعلام والقوى  السياسية المحافظة والليبرالية وإلى حد ما الإسلامية؛ فارتدادات إقرار قانون ضريبة الدخل ومناقشة قانون الجرائم الإلكترونية ومن قبله حادثة قنديل رئيس مؤسسة مؤمنون بلا حدود الذي افتعل حادثة كادت أن توسع دائرة ما يسمى المواجهة الفكرية وخطاب الكراهية في البلاد؛ والتي تساوقت مع حملات مضادة لمواجهة موجة غامضة من الإحتفالات واللقاءات والمهرجانات مفرطة في التحرر وخرق كل ما هو مألوف من قيم ومعتقدات؛ مواجهة وسعت دائرة الإشتباك ورسمت معالم اصطفافات وتقاطعات متضاربة بين الإسلاميين والليبراليين والمحافظين إذ يلتقون على ملفات ويتنافسون ويتصارعون على أخرى؛ إذ انشغلت الساحة السياسية بمعارك تعكس تنامي النزعة البرامجية وإن كان على استحياء في الشأن الإجتماعي والإقتصادي والسياسي.

في الختام وأمام عملية إعادة التشكل لواقع الساحة السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي أعقبت احتجاجات الرابع من حزيران (يونيو) وتشكيل حكومة الرزاز وإقرار قانون الضريبة؛ فإن الساحة الأردنية باتت تزخر بالكثير من النشاط المعلن والصامت والذي يعد أحد مظاهره الدوار الرابع بما يحويه من هواجس وطموحات؛ ليتحول إلى ميدان جديد للتعبير عن الرأي ومساحة متاحة يمكن من خلالها ممارسة الإحتجاج لكل ذي مطلب؛ احتجاج وحشد على الأرجح لن يتطور إلى أبعد مما هو عليه كظاهرة؛ باعتباره مساحة تعبر عن سقوف ومطالب متنوعة تارة تجسد طموحات النشطاء على السوشال ميديا؛ وتارة أخرى تمثل مطالب اقتصادية وسياسية مبعثرة وأخرى سياسية بسقوف وبرامج واليات غير متبلورة لم تبلغ الكتلة الحرجة لتكرر أحداث حزيران (يونيو) الماضي.